الدكتور المجاهد

عباد بن علي الهيال

 

كان الغزاة والمرتزقة قد تمكنوا من احتلال جزء كبير من ساحل تهامة جنوب مدينة الحديدة فعم القلق اليمن ونشط المرجفون فأشاعوا الخوف بين أهل تهامة، فطلع السيد عبدالملك بن بدرالدين الحوثي وطمأن الناس وحثهم على مساندة أهلهم في تهامة، فتنادى الأحرار من محافظات اليمن الحرة : من صنعاء وعمران وذمار ومارب وصعدة وحجة وريمة والبيضاء وانتشرنا في مدن تهامة وقراها : في الحديدة والمنصورية وبيت الفقيه ابن عجيل والحسينية وزبيد وفي القرى حتى أسفل جبال ريمة .
وبوصولنا اطمأنت نفوس التهاميين وتشجع الضعفاء وصمت المرجفون، فقد تخللنا الأسواق وجسنا خلال البيوت ودخلنا المساجد وفي كل تلك الأماكن كنا نلتقي الناس نشد من أزرهم ونشجعهم ونزيل الغشاوة عن أعين بعضهم .
كل ذلك والأعداء يترصدوننا بأعين عملائهم بيننا، و طيرانهم فوق رؤوسنا، وبوارجهم قبالتنا في البحر .
كان نزولنا في شهر رمضان وكان الجو حارا رطبا في تهامة كما هو معروف وكنا نجد مشقة كبيرة في الصوم، لكننا كنا نبتغي وجه الله ونصرة المستضعفين ونحن منهم.
وذات ليلة تهامية غدراء مطيرة انطلقت بنا السيارات على تخوف من عملاء العدو وطيرانه، كنا على موعد لنلتقي نخبة من أهل تهامة خارج مدينة المنصورية، كان الطيران يحلق فوق رؤوسنا لكننا تجاهلناه حتى انتهى بنا الخط الأسفلتي فاتجهنا يسارا في ارض ترابية بين الجرب المزروعة حتى وصلنا قرية بيوتها من طبقة واحدة فدخلنا ازقتها .
كانت السيارة التي تقلني قد عارضتها سيارة أخرى كان فيها فهمي الاغبري فسلم عليه السائق واخبره بوجودي فرفع الاغبري رأسه متسائلا : أين هو ?
فأظهرت له وجهي فحياني باشاً كأنه لم يكن يتوقع حضوري في ذلك الموقف، وحين وصلنا القرية نزلنا بساحتها الصغيرة وقد أسرج فيها ضوء خافت خشية أن يرصدنا طيران العدو.
جلسنا متحلقين في دائرة كبيرة من ثلاثة صفوف أو أربعة، كنا من جهات اليمن المتعددة نحن الأنصار واهل تهامة .
تكلم منا من تكلم ومنهم الدكتور الاغبري، متحدثين عن روابط الأخوة والدين والعرض والشرف والوحدة وبذلنا لأهلنا التهاميين نصرتنا ودماءنا، وكنا صادقين كل الصدق.
وكان أهل تهامة من الطيبة والوفاء ما هيج مشاعرنا.
ساعتئذ رجع بي الزمان ألفا وأربع مئة سنة حين وفد أسلافنا من الأوس والخزرج لبيعة الرسول محمد صلى الله عليه وآله وكان مازال في مكة بين ظهراني كفار قريش، كان الوفد قد واعد الرسول إلى العقبة فسروا إليه ليلا على حذر «يتسللون تسلل القطا «حتى بايعوا الرسول على النصرة، وأن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأهليهم.
وإذا كان الأغبري قد سبقنا إلى تهامة فإنه انتبه مبكرا لجانب لم ننتبه له
كان – رحمه الله – يقصد المدارس في تهامة ويلتقي التلاميذ في قاعات الدرس ليحدثهم عن اليمن وتاريخه ووحدته وعن الغزاة وما فعلوه بنا، لا سيما في تهامة مهبط سفن الغزاة.
لم يقتصر جهاد الاغبري على تهامة فقد زار جبهات اليمن في جهاتها الأربع وشاهدناه أيضا على شاشة التلفاز وفي الوقفات الاحتجاجية وفي مجلس التلاحم القبلي.
كان الاغبري من القلة القليلة من المتعلمين الذين وفقهم الله فوقفوا موقفا صريحا شجاعا في وجه الغزاة والخونة، بينما ظل أكثر المثقفين على الحياد وأي حياد حين تنتهك الحرمات ويضيع الوطن!!

قد يعجبك ايضا