.كغيري من المواطنين العرب تابعت تداعيات الأحداث التي شهدتها الأرض المحتلة خلال الأسبوع الماضي بعد جريمة اقتحام المسجد الأقصى، كما تابعت مختلف ردود الأفعال العربية والإسلامية، بذات القدر تابعت مواقف وتصريحات حكومة الكيان (الصهيوني) بكل ما حملت تلك التصريحات من مفردات همجية حافلة بالوقاحة..!
تداعيات وأحداث ارتفعت وتيرتها مع بدء الانفراج في العلاقات الإيرانية -السعودية الذي حدث برعاية (صينية) وهو الانفراج الذي انعكس بصورة إيجابية على علاقات الدول والأنظمة العربية ببعضها وعلاقتها بكل من إيران وتركيا، انفراج ألقى بظلاله على الموقف العربي من سوريا وأزمتها، ومن الحرب والعدوان على اليمن الذي بدت مؤشرات الانفراج بوصول وفد سعودي إلى صنعاء برفقة آخر عماني، وهناك تحضيرات أخرى تستعد لها العاصمة الروسية (موسكو) على طريق حل الأزمة السورية التي قد تؤدي للقاء الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد بنظيره التركي، وتفاعل آخر يتصل بعلاقة القاهرة بأنقرة، كل هذه التداعيات تعكس ثبات ومبدئية المواقف الإيرانية، وهي حصيلة جهود الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
غير أن أكثر التداعيات المثيرة هي تلك المتصلة بحال الكيان (الصهيوني) الذي ارتفعت وتيرة خطابه الوقح وارتفعت نبراته التي توجهت نحو (طهران) وتحميلها وزر كل أزمات الكيان وربما ما صرح به مؤخرا رئيس حكومة الكيان الإرهابي (نتنياهو) خلال مؤتمر صحفي أعلن فيه تراجعه عن كل قراراته التي كان قد اتخذها سابقا ومنها التراجع عن إقالة وزير الأمن محملا إيران كل أزمات الكيان والمنطقة ومتوعدا سوريا بدفع المزيد من الثمن نظير دعمها للمقاومة وتحالفها مع إيران..!!
إيران التي واجهت الكثير من المؤامرات منذ انطلاق ثورتها، تلك الثورة التي أطاحت بنظام) الشاه( قبل 44 عاماً وفاجأت بها إيران العالم وأربكت حلفاء الشاه وقد عجزت أمريكا يومها عن إعادة تجربة مؤامرتها التي أسقطت بها ثورة محمد مصدق عام1953 م وتمكنت خلالها من إعادة الشاه إلى عرشه، ولكن هذه المؤامرة فشلت مع نظام الإمام آية الله الخميني رغم محاولة أمريكا ذلك، وأدى فشل أمريكا يومها إلى خسارة الرئيس كارتر للانتخابات وخروجه من البيت الأبيض، واتجهت إلى ابتداع قانون (الحصار) وهو قانون غير مسبوق ابتكرته أمريكا بهيمنتها دون أن يكون له مصوغ في القانون الدولي وهكذا تم تطبيق هذا القانون على إيران الثورة والدولة والشعب على أمل إسقاطها من الداخل، ثم تم الزج بالعراق بحرب مدمرة مع إيران دامت ثمان سنوات وحين فشلت تلك الحرب في إسقاط الجمهورية الإسلامية، أقدمت أمريكا على غزو العراق وإسقاط نظامه ربما عقابا له على فشله في إسقاط الثورة الإيرانية ولم يدرك للأسف النظام في العراق هذه الحقيقة إلا بعد فوات الآوان..!
تمكنت طهران رغم كل المؤامرات من الصمود وتنمية الداخل وتطوير قدراتها العلمية والمعرفية والتقنية الذي انعكس إيجاباً على قدراتها الصناعية العسكرية، كما عملت إيران على مواجهة الاحتلال الأمريكي للعراق وانخرطت ضده في معركة وجودية تعكس تطلعات طهران نحو الفضاءات الجيوسياسية تلبية لمتطلبات أمنها القومي وكانت فلسطين ومقاومتها أحد العوامل التي ألقت طهران ثقلها من خلالها، تليها المقاومة اللبنانية ثم ارتباطها المصيري مع الدول ذات الأنظمة الحرة المناهضة للاستعمار والكيان الصهيوني، عربياً كانت هذه الأنظمة أو إسلامية أو دولية لتمتد علاقتها ودبلوماسيتها الناعمة إلى جغرافية العالم ناسجة علاقة تكاملية مع دول وأنظمة حرة مناهضة للاستعمار والاستكبار العالمي ورغم محاولة البعض من دول المنطقة خوض منافسة جيوسياسية مع طهران إلا أن الأخيرة كانت منافستها ابعد بكثير من حدود تفكير منافسيها، فطهران اتخذت من فلسطين وحريتها وتحريرها بوصلة وقضية أساسية في معترك الصراع الجيوسياسي الذي دخلته بوعي تام واقتدار، وهو الخيار الذي رغم كل الزوابع التي أثيرت حوله وحول أهدافه، ورغم خطاب (شيطنة إيران) ومحاولة أمريكا والغرب الاستعماري جعلها (العدو الأول لجيرانها العرب) إلا أن كل هذه المحاولات سقطت مؤخراً برعاية روسية _صينية، إذ أن علاقة إيران مع روسيا والصين إلى جانب مواقفها الثابتة من القضايا العربية المصيرية وخاصة قضية فلسطين ولبنان واليمن وسوريا، كل هذه المواقف أدت إلى إذابة الجليد الصناعي الذي افتعلته أمريكا بين طهران وبعض العواصم العربية التي تم تخويفها من (فوبيا إيران)، غير أن ثبات طهران وصمودها وحنكتها الدبلوماسية واستراتيجية مشروعها الحضاري، عوامل ومقومات مكنتها من اكتساب احترام وتقدير أنظمة دولية محورية ومؤثرة على الساحة الدولية، وهذا ما شجع الأنظمة العربية التي كانت تنجرف خلف الدعايات الأمريكية _الصهيونية، إلى إعادة تقييم مواقفها من طهران الأقرب لها من حيث الجغرافيا والجوار ويجمعها بإيران تاريخ حضاري والكثير من القواسم المشتركة والعلاقات الاجتماعية ناهيكم عن الدين وثقافته، فكانت هذه الانفراجة التي أرعبت (الكيان( الاستيطاني في فلسطين الذي أصبح يرى إيران في كل حادثة يتعرض لها ولو كان حادث سير يتعرض له أحد مواطنيه، سرعان ما ينسبه لإيران وأنها السبب في حدوثه، هذه الفوبيا الإيرانية التي تستوطن الصهاينة وهذه الظاهرة أو العقدة الصهيونية ليست عبثية بل تعكس حقيقة الدور الإيراني في ما يتصل بتبنيه لقضايا الأمة ومنها قضية فلسطين والمقاومة التي بفعل الدعم الإيراني استطاعت أن توجد معادلة ردع في مواجهة غطرسة الاحتلال وهمجيته، وحين يتحدث قادة فلسطين والمقاومة عن دعم ومساندة إيران لهم في مرحلة تخلى فيها بعض العرب عن فلسطين والمقاومة، بل ذهبوا في إدانة المقاومة واعتبارها عملا إرهابيا يجب إدانته بناء على طلب أمريكا والصهاينة، فهذا يجعل إيران الثورة والدولة والشعب يحظون بمكانة في وجدان وذاكرة الشعب العربي الذي يرى في إيران دولة شقيقة وجارة تجمعنا بها الكثير من القواسم والعوامل الحضارية والدينية.
بيد أن الخطاب الدعائي الأمريكي-الصهيوني الموجه ضد إيران لا ينتقص من مكانة إيران في الوجدان العربي، بل يزيدها مكانة وتقديراً واحتراماً، فيما التهديدات التي يطلقها قادة الكيان ورعاتهم في أمريكا والغرب، هي بمثابة خطابات جوفاء أو هي كسراب بقيع يحسبه الضمآن ماء، فالصهاينة معروفون تاريخيا بكونهم قتلة ومجرمين لا يهددون بل يفعلون ما يحلوا لهم، ونذكر جميعا انهم قاموا بالكثير من الأعمال والممارسات العدوانية ضد أمتنا بدون أن يطلقوا عبارة تهديد واحدة من عدوان1967م، إلى ضرب المفاعلات النووية في العراق عام1982 م وضرب المفاعل السوري وارتكاب العديد من المجازر والجرائم، عملوا كل هذا دون أن يطلقوا عبارة تهديد واحدة.. وبالتالي لو كان في قدرتهم ضرب إيران لفعلوا دون الحاجة لإطلاق خطابات التهديد والوعيد، ولكنهم عاجزون عن مواجهة إيران التي لم تعد ندا لكيانهم فحسب، بل وندا لرعاتهم أمريكا والغرب الاستعماري.
Next Post