في المحاضرة الرمضانية الخامسة والعشرين للسيد القائد (عليه سلام الله ورضوانه) للعام 1444هـ ، واصل الحديث عن نعمة البيان والنطق باللسان وما يتبع ذلك في الكتابة، بعد أن بيَّن لنا إمكانية استفادة الإنسان من هذه النعمة في آخرته وفي دنياه، والإنسان إما أن يكون حامدا شاكرا لهذه النعمة، أو مفتريا ومسيئاً وخبيثاً، من مجالات الاستخدام السيئ لهذه النعمة تبدأ من المشركين الكافرين الذين يتنَكرون لله، ويتبعون الشيطان، ويستخدمون هذه النعمة بالإساءة لله، وأفظع ما أساءوا لله هو نسبة الولد، وقد انذرهم الله في هذا المقام، وهي كلمة وافتراء كبير وباطل رهيب ومنكر كبير، ولذلك هم تجاوزوا بهذه الإساءات كل الحق، وكم هي المقولات التي أساء فيها المشركون لله سبحانه وتعالى، وبعض المقولات والكلمات ولكنها في سوئها وقبحها تكاد تنهد منها الجبال وتتفطر فيها السماوات، ومقولات الإساءات للأنبياء وكتب الله والملائكة والصد عن سبيل الله، وهذا من سوء ما هم عليه من ظلمهم وكفرهم وضلالهم وباطلهم وقبح أعمالهم، وهناك جزء من حربهم ضد الرسالات السماوية، كانوا يكذبون مبادئ التوحيد، ويجادلون بالباطل ليدحضوا الحق..
اخطر جبهة من جبهات الكفر والضلال والباطل هم الكافرون من أهل الكتاب (اليهود والنصارى)، الذي قاموا بمحاربة الحق والصد عن سبيل الله، وكل ذلك كان بالكلام والكتابة والتحريف التزييف، وكذلك كتمان الحق والسعي لإطفاء نور الله، ونشر حملات دعائية متنوعة، والكافرون من أهل الكتاب من أشد من أساءوا لله، فهم أكثر من ألبس الحق بالباطل، ومن أسوأ البشر في استخدام هذه النعمة بشكل سيئ هم المنافقون والمنافقات في الإساءة والتضليل، في خدمة الباطل وإثارة الفتن وخدمة أعداء الإسلام والمسلمين وخلخلة الصفوف الإسلامية، لديهم نشاط واسع بألسنتهم وكتاباتهم، واستخدام الأيمان الفاجرة ويوظفوها لدفع الناس للباطل، يثبطون عن الإنفاق والجهاد في سبيل الله، إثارة الفتن في المجتمع، ومن ضمن الفئات التي تستخدم البيان منهم المضلون والضالون وهم جميعا تحت عنوان (أولياء الشيطان)، ومن ضمن ذلك يأتي التحذير للمؤمنين من سوء استخدام هذه النعمة وفيها جمع للمعصية وفيها ظلم وإثارة للفرقة والأحقاد والشحناء في أوساط الأمة، وهناك تحذير من اليمين الفاجرة (اليمين الغموس) ويحركها الطمع ويجمع بين عدة جرائم، ولا يستخدم اليمين الغموس إلا لشيء سيئ، وهو من كبائر الذنوب التي تسلب التوفيق من الإنسان..
من سوء الاستخدام للسان هو قول وشهادة الزور التي تجر لجرائم أخرى، وكذلك الكذب من أسوأ الصفات، والكذب مجانب للإيمان، ومن مساوئ استخدام البيان كلام البهتان، وهو ظلم ووزر كبير، وكذلك سوء الهمز واللمز، وكلاهما يتعلقان باستنقاص الناس والحط من كرامتهم وأعراضهم، وفيه إساءات من غير حق، وهو وزر عظيم ومحبط للأعمال، وفي هذا الزمن انتشرت هذه الظاهرة وخاصة في مقايل القات ومواقع التواصل الاجتماعي، واغلب الناس أصبحوا همزه لمزة، الويل لهم من جهنم، وقد تحول البعض لاستخدامها كمهنة وسلوك يومي، إذا خبث اللسان خبثت النفس، وكلما نظف لسانك ساعدك ذلك على نظافة نفسك، وبذيء اللسان العياب والطعان لا كرامة له ولا أخلاق له، وأرخص نفسه بنفسه، ومن سوء استخدام النطق والكتابة هو السخرية بالقول أو الإشارة، وكذلك الغيبة التي تعبر عن قلة الدين، والنميمة أيضا من الاستخدام السيئ للسان، وقد تتحول عند البعض إلى مهنة، وهي من صفات شر خلق الله، وتسبب خراب الأعمال المهمة، ولا يدخل الجنة نمام، وهي من فظائع الذنوب، وكذلك النبز بالألقاب، وهو محرم، وكل ذلك جرائم وذنوب، وإلا كان الإنسان في عداد الظالمين، ومصير الظالمين هو جهنم، وعلى الناس أن يحرصوا على ما يقولون وما يسمعون في المقايل..
إن مواقع التواصل أصبحت ساحة لسوء استخدام البيان بالنطق والكتابة أكثر من المقايل، وهي بؤر للشائعات والدعايات الباطلة والزوار والبهتان، وهو أمر خطير، وعلى الإنسان أن يحذر من سرعة التفاعل مع الدعايات، وبالذات إذا كان الإنسان لديه أسلوب في تقديم الدعايات الباطلة، وهو من أكبر الجرائم والذنوب، ومن يؤيد الباطل يصبح شريكا، وهذه الوسائل أراد الله أن تتحقق من الحقيقة، وأسلوب التلقي للشائعات خطير جدا، هناك يهلك الإنسان نفسه بنفسه، وفي زمن الدعايات الإعلامية في الأسواق والمجالس ووسائل الإعلام، ابن موقفك دائما على موقف العدل والحق، لأن كل شيء يوظف توظيفا عاما، ومسألة مواقع التواصل الاجتماعي ليحرص الإنسان أن يكون متوجها توجهاً صحيحاً، ويحرص الإنسان على أن تكون قضية حياته لمرضاة الله، ويحرص على عدم التعميم، الموقف الصحيح، والبعض يفرطون ويبالغون، والبعض عنده هواية وعقد نفسية، إذا اجتمعت معها حدة اللسان يكون في العمل ظلم كبير، وفي النهاية هناك معيار التقوى والقول السديد وتحري الحقيقة في إطار التوجهات المهمة والقضايا الكبرى والتوجه العملي الصحيح والعمل الصالح يفيد وينفع.