السودان.. حرب الموارد والتنافس الجيوسياسي..!

يكتبها اليوم / طه العامري

تفجرت أزمة السودان أطرافها القوات المسلحة السودانية، وأخرى موازية، وفق المنطق السيادي والقانوني والدستوري فإن القوات المسلحة هي ذات شرعية ودستورية ومكانة سيادية، وبغض النظر عمن يقودها إلا أنها في المحصلة تمثل السيادة السودانية، والمفترض أن يقف الشعب خلفها وأيضا المجتمع الدولي، وبالتالي فإن ما يسمى (بالدعم السريع) يجب إدانتها من قبل الشعب ومن قبل المجتمع الدولي، والمؤسف أن المجتمع الدولي يتعامل مع أطراف الصراع بالسودان بحيادية ومساواة، بالمقابل نرى النخب السياسية في السودان تغرد خارج السرب وتتحدث عن (ثورة مستمرة ومنتصرة) في لحظة تسير فيها الدولة السودانية نحو الانهيار، في ذات الوقت لم نر موقفاً سياسياً من النخب السياسية السودانية تعبِّر فيه عن انحيازها للقوات المسلحة السودانية باعتبارها الجهة السيادية المناط بها حماية السودان الأرض والإنسان والسيادة، لم نسمع موقفا من الفعاليات السياسية والقوى المدنية السودانية تعلن فيه انحيازها للمؤسسة العسكرية باعتبارها جهة سيادية، وإدانة (القوى الأخرى) التي تعد وفق المنطق الدستوري والقانوني (مليشيا متمردة)..!
بالمقابل لم نسمع موقفا إقليميا ودوليا داعما للسيادة السودانية وللمؤسسة العسكرية السودانية كمؤسسة سيادية، بل نرى سلوكيات داخلية سودانية وسلوكيات إقليمية ودولية تتعامل مع أطراف بالتساوي، وهذا ما يؤكد أن ثمة مؤامرة إقليمية ودولية وذات مرتكزات سودانية داخلية تستهدف هذا البلد العربي الأفريقي ومن خلاله قد تستهدف نطاقات أخرى عربية أو أفريقية، ودوافع هذه المؤامرة متعددة تبدأ بثروات وموارد السودان الطبيعية، وعلى جغرافية هذا البلد وتعدد مكوناته الجغرافية والعرقية، وصولا لرغبات المحاور الدولية في الاستحواذ على مواقع ومرتكزات لها في هذا البلد في سياق الصراع الجيوسياسي الذي تخوضه أقطاب دولية نافذة، اتخذت من المنطقة ساحة للتنافس فيما بينها وأتحدث هنا عن الصراع الجيوسياسي المحتدم بين كل من أمريكا وحلفائها من جهة وروسيا والصين وحلفائهما من ناحية أخرى..!
صراع يعكس حالة تقهقر أنظمة المنطقة وإخفاقها في احتواء أزماتها، وهذا أوجد حالة فراغ جيوسياسي في فضاء المنطقة، فراغ جعل المنطقة تخوض خلال العقد المنصرم وتزامنا مع أطلق عليه بـ(ثورة الربيع العربي) التي من أبرز منجزاتها أنها نقلت دول المنطقة من كنف الاستقرار النسبي في ظل (أنظمة قمعية) إلى حالة (الفوضى والتمزق الاجتماعي) والحروب البينية المدمرة التي تمزق الجغرافية والنسيج الاجتماعي..!
في السودان لم يقف رعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان من أزعجونا بحديثهم عن التحولات السياسية والنظام المدني، من تعددت رحلاتهم المكوكية للسودان ولقاءاتهم مع مختلف المكونات السياسية والعسكرية والأمنية والاستخبارية، كل هؤلاء في لحظة انفجار الأوضاع عسكريا تركز كل اهتمامهم حول إجلاء رعاياهم وممثليهم الدبلوماسيين من هذا البلد، لم يفكروا بوضع الشعب السوداني وظروفه وحياته الاجتماعية وما ستؤول إليه أوضاعه في ظل صراع ساهمت في تفجيره أطراف إقليمية ودولية، بل إن نسبة 50% من أسباب هذا الصراع وربما أكثر تتحمل مسؤوليته أطراف إقليمية ودولية..!!
خلال العقد الماضي تركت المنطقة في كنف صراع جيوسياسي إقليمي، غير أن أطراف هذا الصراع فشلت في حسم صراعها وتحديد نطاق نفوذها، الأمر الذي استدعى حضور الأطراف الدولية المتنافسة التي اتخذت من الجغرافية السودانية نقطة إفراغ احتقاناتها وبمساعدة قوى محلية تركت المصلحة السودانية جانبا وراحت تبحث عن ذاتها تحت غبار المتصارعين الكبار..!
تمثل موارد السودان الطبيعية أحد دوافع الصراع الجاري، وسيطرة (حميدتي) وقواته على مناجم (الذهب) والثروات المعدنية الأخرى وخاصة في إقليم دارفور أحد الأسباب التي حالت دون إدانته من قبل الأطراف الإقليمية والدولية، فيما السبب الآخر تردد السودان عن إبرام اتفاق لإقامة قواعد عسكرية فيها طالبت بإقامتها أطراف دولية نافذة ومتصارعة فيما بينها، وكأن حكاية (سقطرى اليمنية) تعيد استنساخ تراجيديتها في السودان..!
غياب الحواضن العربية الفعالة عن المشهد وعجزها عن تغطية الفراغ الاستراتيجي في الفضاء العربي جعل الوطن العربي بنطاقاته الآسيوية والأفريقية مرتعا للأطراف الأخرى الوافدة في ماراثون لتغطية ما عجزت عنه الأنظمة العربية المنهكة والمثخنة بأزماتها الداخلية، والمتجاهلة خطورة ما يجري وانعكاساته القريبة عليها وبصور وطرق متعددة رغم محاولتها الانكفاء وادعاء الحيادية.

قد يعجبك ايضا