في ظلال الخواتيم الرمضانية المباركة، طالعنا صديقي الفذ أ. د. عبدالعزيز صالح بن حبتور-رئيس الوزراء في حكومة الإنقاذ الوطني-بصنعاء، بمقال رصين في مضمونه البنيوي، وحصيف فيما تناوله من شائك موضوعات، وفج التضاريس لجهة الإشكاليات التي اجتهد في إبرازها من خلال سرد ذكي، يمكن تشبيهه، مثل: (دكاكة) رصف تضاريس وعرة، يقودها سائق محترف حريص على تقديم عمل متميز في تسوية ساحة واسعة يحتشد فيها كل أبناء الوطن اليمني، بروحانية التقوى الربانية الساكنة قلوب مواطنين تواقين للعيش بأمن وسلام مستدام ….
فقط للعلم أقول: إن صديقي الماجد، كتب ما كتبه في روحانية رمضان المبارك، لذلك كما نراه لم ينخرط في المكايدة أو حتى في الشخصنة في مقاله كما سنوضح ذلك بكل ما سنتناوله لاحقاً.
ولنعد لموضوع ما بأيدينا من مقال (أكذوبة تحرير مدينة عدن)، حيث وجدنا الكاتب يلج مقاله بسلاسة الحديث عن الشائعات الزائفة والأكاذيب البطولية في أزمنة الحروب في كافة دول العالم، مقدما عدن كنموذج عاش بين ظهرانيه، وذلك عندما تتغشى سماوات تلك الدول سحب دخان دانات المعارك وغبار جنازير الدبابات، لكن بنهاية تلك الحروب وانقشاع الغبار والأدخنة تنجلي الحقائق وتتبخر الإشاعات والأكاذيب، كما حدث ذلك في بلادنا، ثم نرى الكاتب يستعجل الإجابة عن السبب الذي ما دفعة لذلك الاستهلال، موضحا باستغراب فجاجة الأكاذيب وتوقيتها الذي يتزامن مع بداية النهايات للحرب العدوانية على بلادنا، التي تعايشت مع عدة هدن حملت دلالات تجنح لمآلات سلمية يلمس الكثيرون منا تباشيرها ….
وحين عنون المقال بـ(أكذوبة تحرير مدينة عدن)، لم يكن يهدف إلى إبخاس كل صاحب حق حقوقه، كما قد أوضح ذلك بشهادته التي سوف نفند محاورها، ظل مبتغاه فقط فرملة الغي في النهب والتدمير لما تبقى من موجودات عامة وخاصة تم ولازال يتم العبث بها حتى يومنا هذا، حيث عبارة (تحرير عدن) تم استثمارها أسوأ استثمار من قبل أدعياء كثر، مثلما تم استثمار شعار (استعادة دولة الجنوب) من قبل أولئك الأدعياء انفسهم مع زيادة نفر من المتسلقين، الذين حضروا (هلومة فوضناك) واللذين بسبب مفاعيلهما، توزعت المناصب والرتب والمواقع القيادية وتأسيس (رابطة الأوليجارشيين القرويين).
كما نراه وقد ذهب متطوعا بتقديم شهادته الشخصية عن واقع مجريات الأحداث في عدن منذ أن كان حاضراً في عدن كمحافظ لها حتى مغادرته عدن، ليس من بوابة الخوف والخشية ولكن بهدف التأصيل للوقائع والأحداث.
فقد أورد الكاتب في المحور من مقاله شهادة رصد ميداني لتحرك الدعم العسكري المباشر على الأرض المقدم من التحالف، بالإضافة إلى تزامن ذلك مع القصف الجوي لطيران التحالف على مختلف مديريات محافظة عدن، حيث استعرض ذلك الرصد في سبع نقاط ارتكاز تحدد مواقع الإنزال وهوية الوحدات وعديدها وسلاحها بحسب إفادات عناصر عسكرية ومدنية من عين مناطق الإنزال، هدف كل ذلك ضمان التوافر على رأس جسر آمن لإنزال قوات التحالف البرية، مترافقاً مع قصف جوي شديد ومكثف، أتاح للقوى المدافعة عن المديريات الثلاث: الشيخ عثمان/ المنصورة/ البريقة، إمكانية ليس الصمود فحسب ولكن التصدي والمهاجمة.
كما حرص الكاتب كذلك على تقديم شهادة حق بشأن توصيف وتصنيف القوات التي خاضت المواجهات القتالية ضد القوات الشمالية، فلم يبخس دور تلك المقاومة في محافظة عدن والتي حددها بخمس مجموعات (فصائل مقاتلة) ذكرها على النحو التالي:-
١- مجاميع داعش والقاعدة تحت مسمى السلفيين (السنة الجهادية).
٢- مجاميع اللجان الشعبية الذين استدعاهم الدنبوع من أبين وشبوة.
٣- أبناء وشباب محافظة عدن والذي كانوا هم القوة الضاربة، التي قاتلت بشراسة من شارع إلى شارع، رغم شحة أسلحتهم.
٤- مجاميع حزب الإصلاح (تنظيم الإخوان المسلح).
٥-خليط من مختلف المحافظات بمن فيهم جماعة (الحراك المسلح)، دعاة الانفصال.
حيث ذكر الكاتب بصراحة شجاعة وشراسة قتال تلك الفصائل بصدق واستماتة، وإن ألمح إلى كثافة تسليحها وحجم إسناد التحالف لها بالطيران وجحافل الجنجويد وبقية القوات التي حشدوها، غامزا بسؤال عما آلت إليه أوضاع عدن بعد ذلك، حيث تم تحويلها إلى قرية تجتاحها فوضى السلاح وإشاعة النهب، مشبهاً إياها (بحارة كل من إيده إله) التي عرضتها الدراما السورية كمسلسل تلفزيوني، برغم ما سرده الكاتب لكنه قدم أسئلة مثل ماذا قدم ذلك التحرير الذي سلم عدن لقوى احتلالية لها أجندة، عبثت في البلاد والعباد، حيث اتجهت مشيخة الإمارات لتشكيل مليشيات مسلحة تحت مسميات الأحزمة والنخب وقامت أجهزتها الإعلامية باختراع بطولات وهمية لتلك المليشيات، زارعة وهم القدرة على فصل الجنوب ليعود جنوباً عربياً، فذهبوا لشيطنة ومحاربة وطرد أبناء المحافظات الشمالية.
وقبل خلاصة المقال وجدنا الكاتب يعود للحديث عن سبب المتغيرات في المشهد اليمني- السعودي، وتحت تأثير روحانية رمضان، مقدماً إضاءات سلمية تسامحية تترفع عن مثالب الماضي القريب وحتى جرائم العدوان بشرط الوفاء بتأسيس سلام الشجعان وعودة الحق إلى نصابه، وإغلاق كافة أبواب الفتنة وخطابات النزاع الجهوي والطائفي والمذهبي، والاحتفاء بانتصار الشعب اليمني الأبي.
أما الخلاصة فقد جاءت تحمل النصائح، التي تكرس مقولة (حبل الكذب قصير) فلا يتم الاتكاء إلى أباطيل الإفك العنترية وادعاء (تحرير عدن) من قبل من جاءها بعد التحرير، لا سيما والبلاد على أبواب سلام مستدام بدايته مغادرة كافة القوى الأجنبية لعدن أولاً ولكافة التراب اليمني بما فيه الجزر……
وجمهورية ومن قرح يقرح..
*مدير عام بقطاع الأنشطة الطلابية بجامعة عدن.