بالبداية ، لابد من التأكيد على أن العمليات العسكرية الأمريكية أو الإسرائيلية التي تستهدف الحرس الثوري الإيراني في سوريا، ما هي إلا استراتيجية ممنهجة للحرب على إيران بطرق غير مباشرة ،فمازالت أمريكا تتمسك بتصنيف الحرس الثوري الإيراني كـ”منظمة إرهابية” ،وهنا بات واضحاُ أن إيران تتعرض لحملة ابتزاز أمريكية – إسرائيلية ممنهجة ،لن تتوقف عند حدود هذه الضربات العسكرية بل تتجاوزها إلى مساومة الاتفاق النووي بتخفيف سلسلة الضغوط الاقتصادية الأخيرة ،ولا عند تمسك الأمريكي بقراره بخصوص الحرس الثوري، وهنا وفي هذه المرحلة يمكن القول إنّ إيران ، قد دخلت في مرحلة تحاول فيها أمريكا وضع إيران بين فكي كماشة وهي مرحلة أكثر صعوبة من كلّ المراحل التي كانت تتعرض فيها إيران لضغوط أمريكية، فالتحديات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية والثقافية بات يراهن عليها الأمريكي اليوم لزيادة الضغوط على إيران .
وهنا عند الحديث عن ملف الضربات الإسرائيلية لمراكز عسكرية سورية أو إيرانية في الداخل السوري ،فـ اليوم علينا أن ندرك جيداً أن الدولة السورية وحليفتها إيران اليوم ليست عاجزة عن الرد على أي عدوان خارجي ،سواء أكان إسرائيلياً أو غربياً ، ولديها ” مخزون “هجومي ” صاروخي استراتيجي سوري ” لم يستخدم بعد ” “وللعلم هو قادر على ضرب كل القواعد العسكرية الإسرائيلية أو الأمريكية والغربية في المنطقة “(( “صواريخ Scud-D….صواريخ M-302….صواريخ «Scud-C …Scud-B صواريخ ميسلون وتشرين ” ،وغيرها “))”وهذه الصواريخ تم تطويرها مؤخراً وبالتعاون مع الحلفاء بشكل كبير ، فهذا المخزون ،والذي تؤكد التقارير انه يتجاوز حاجز 120 الف صاروخ ،لم تستخدمه سوريا الدولة بعد ،والغرب كما الإسرائيليين يدركون جيداً أن سوريا الدولة وبحال تعرضها لعدوان خارجي شامل ومعلن عن أطرافه ، ستلجأ لمخزونها العسكري هذا ، وهو مخزون قادر على كسر وردع أي عدوان خارجي “شامل وواسع “غزو بري أو هجوم جوي واسع ومستمر وشامل “،ولهذا نرى أن أي عدوان إسرائيلي أو غربي على سوريا ،يكتفي دوماً بضرب أهداف محددة “وعلى الأغلب غير معلن عن أطرافه “،ويكون على الأغلب ،عدواناً للاستهلاك الإعلامي فقط ،ليس له أي جدوى لتغيير المعادلات العسكرية على الأرض السورية .
وهنا ندرك جيداً أن من حق أي متابع للملف السوري ، أن يسأل عن قدرة الردع السورية ويطالب الدولة السورية برد عسكري رادع على أي عدوان خارجي ،ولكن بذات الوقت علينا أن نعلم ان سوريا لليوم مازالت تعيش في ذروة الحرب عليها ،والحصار الاقتصادي هو وجه من وجوهها ،ولهذا علينا أن نعلم جيداً ،أن مشروع التصدي لهذه الحرب يجب أن يدار بالعقل لا بالعاطفة ،ونتحدث هنا عن العقل البارد والصبر الاستراتيجي ،فالدولة السورية تعرف جيداً أسس الرد وحجمه ومكانه ،مع إدراكها الكامل لاستراتيجيات أعدائها وأهدافهم الحقيقية وراء كل عدوان يقومون به على سوريا، وبذات الاطار فـالدولة السورية بدورها تعلم جيداً أن معركتها مع أعدائها لن تنتهي على الأرض السورية ما دام لأعدائها أدوات على الأرض السورية، لذلك اليوم تؤمن الدولة السورية بأن حجم إنجازاتها على الأرض واستمرار معارك تطهير سوريا من رجس الإرهاب، والاستمرار بتطوير منظومتها العسكرية، وبالتوازي مع ذلك السير بمسيرة الإصلاح والتجديد للدولة السورية مع الحفاظ على ثوابتها الوطنية والقومية، هو الرد الأفضل والأكثر تأثيرا اليوم في أعدائها، وبقدر صمود سوريا وضربها لآفة الإرهاب والعمل على اجتثاثها من الأرض السورية، بقدر ما يكون حجم الرد أقوى على أعدائها .
وهنا وليس بعيداً عن بدايتنا ، وعند الحديث عن العدوان الإسرائيلي المتكرر على الأراضي السورية في الفترة الأخيرة ، والذي بمعظمه يستهدف مراكز الأبحاث العلمية والعسكرية التطويرية لمنظومة التسليح السورية بشقيها الدفاعي والهجومي “حلب – دمشق –ريف دمشق “ ، وهنا لا يمكن إنكار حقيقة أن هذا العدوان الإسرائيلي يأتي في ظل تصاعد دراماتيكي لقوة الدولة السورية عسكرياً، ومع بروز مؤشرات انتصارها على هذه الحرب التي تستهدفها ، وبعد الصمود الأسطوري على الأرض للجيش العربي السوري، وانهيار البؤر الإرهابية ، واتساع حجم انتشار استراتيجية المصالحة الوطنية والمجتمعية بالدولة السورية بالكثير من مناطق الجغرافيا السورية ، والتي يصاحبها معلومات مؤكدة أن معامل الدفاع والتصنيع الحربي والتطويري العسكري السوري ، قد نجحت بالفترة الأخيرة من تطوير منظومة صواريخ “سكود “ متطوّرة يصل مداها ما بين 350 إلى 750 كيلومتراً، أي أن هذه الصواريخ تستطيع الوصول إلى عمق إسرائيل وإلى بعض قواعد حلف شمال الأطلسي (الناتو) في منطقة البحر المتوسط ، وهو ما يثير قلق الإسرائيليين والأمريكان بالفترة الحالية ،ولهذا نرى هذه الهستيريا الإسرائيلية وتكرار العدوان على سوريا ،في محاولة للوصول إلى مخازن هذه الصواريخ المتطورة ،والتي تثير رعب إسرائيل كما تحدثنا .
بالمحصلة ،شاهدنا في الأيام الماضية ،رداً عسكرياً من الأراضي السورية باتجاه إسرائيل أنطلق من الجولان السوري وعلى رغم محدوديته، فقد بعث برسائل واضحة لإسرائيل ، مضمونها أن الرد قادم ، والضربات الإسرائيلية المقبلة بحال حدوثها ستلقى رداً واسعً من سوريا وحليفتها إيران ، وستشمل على الأقل ضرب قواعد عسكرية إسرائيلية بالجولان العربي السوري المحتل ، هذه التطورات تزامنت مع حالة ارتباك حقيقية عاشتها إسرائيل في الساعات القليلة الماضية ، وما يدلل على ذلك مجموعة اللقاءات والاتصالات المنفصلة التي أجراها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع بعض أقطاب الإدارة الأمريكية ومجموعة قوى غربية ، والتي عبر من خلالها نتنياهو عن قلقه من هذا التطور العسكري الهام ، والذي غير جميع قواعد الاشتباك العسكرية وأسس لقواعد اشتباك جديدة بما يخص أي عدوان إسرائيلي جديد على الأراضي السورية .
وبالنهاية ،علينا أن نؤكد ،أن مجموع ما قامت به إسرائيل من عمليات عسكرية ضد سوريا، لن يكون بمقدوره إخضاع دمشق ولاعزلها عن حلفائها كما تتحدث دمشق ،ولا حتى محاولة فرض شروط مسبقة لطاولة تسويات لم يحن موعد الجلوس حولها، فهناك أوراق سياسية – عسكرية ومفاجآت عسكرية عدة ، مازالت دمشق وحليفتها إيران لم تفعلها وتستخدمها وترفعها بوجه أعدائها ، لأنها تدرك ،وكما ندرك ،وكما يدرك أعداء سوريا كذلك ، أن الوقت مبكر للدفع بها الآن ،فهناك معارك “كبرى “ منتظرة على الأرض السورية و”محيطها” ،وعندها سيتم الدفع بالتدريج بأوراق سوريا العسكرية ، والتي حتماً حينها ستفاجئ البعض .
*كاتب وناشط سياسي – الأردن.