عجيب أمر البعض، يطلقون العنان لأقلامهم الشاحبة لشن حملة نارية على السعودية، فقط لأنها قررت أن تهجر ثقافة العدوان على الآخرين وبدأت بالتقارب مع جيرانها.
قبل حتى أن تحط أقدام السفير السعودي والوفد المرافق له أرضية مطار صنعاء، ذهب هؤلاء إلى كيل الكثير من الكلام بلا أية دبلوماسية حتى، متهمين إياها بخذلان من تبعوها من اليمنيين في حملتها العسكرية على بلادهم، ومن شرعنو لها هذا الاعتداء بل وزادوا في ذلك أن شرعنو الأمريكا وبريطانيا ومن يسير في ركبهما نهب الثروات طالما وهم يتحصلون فقط على رواتب، كما شرعنوا للكيان الإسرائيلي إقامة المعسكرات والسيطرة على الجزر اليمنية الاستراتيجية، بلا أدنى تعبير عن رفض أو اعتراض، على الأقل لكونهم دعاة حقوق وحرية – حسب ما يسوّقوا.
الذي يثير أيضا هو هذه الذاتية والسادية الفجة.. فالذاتية أو الأنانية باكتفاءهم بالحصول على المرتبات والعيش بهدوء وإن كانوا مشردين في البقاع دون اعتبار لآخرين، ثم هي السادية لعلمهم بما يعيشه اليمنيون، من ويلات العدوان والحصار ومن إيقاف المرتبات، المورد المالي المتاح لموظفين يعيلون أكثر من خمسة ملايين فرد.
بعض هؤلاء يزعمون أنهم حقوقيون ولا نعلم بمعايير حقوق الإنسان التي يستندون إليها لتصنيف مواقفهم بأنها تندرج في هذا الإطار، بينما هم من ينادون باستمرار لإهلاك هذا المجتمع البريء، بأي شكل من الأشكال.
هم يعلمون أن أحلام السيطرة وتطويع الشعب اليمني بات مستحيلا بعد ثماني سنوات من النفخ في النار وحريق الأعصاب، لكنهم مع ذلك مستمرون في تأكيد رغبتهم على الاستمرار في قتل شعبهم بالنار أو التجويع، ما يؤكد أن هدفهم هو فقط استمرار التلذذ برؤية مشاهد المعاناة في البيئة التي كانوا يعيشون تفاصيلها وحلموا مع الآخرين فيها بوطن متحرر من كل أشكال الوصاية، قادر على اتخاذ قراراته بلا تأثير من الخارج ويسير لمحاكاة الآخرين في التطور والحداثة والازدهار.
السعودي بطبيعة الحال لا يبدو أنه يكترث بهذه الحملات التي تثير سخرية وأسف كل العالمين، بأن يصل الإنسان لهذا المستوى من الحقد على أبناء بلده، السعودية تحاول الخروج من المأزق الذي أقحمت نفسها فيه بسبب مخاوف غير عقلانية، بدليل أنها تحاول اليوم التنصل عن مسؤولية وتبعات العدوان، لم تذهب إلى أولئك الذين يشنون عليها اليوم حملة التخوين فتأخذ منهم صك الغفران والمسامحة والعفو عن كل ما لحق باليمن من أضرار نتيجة العدوان وعلى مختلف المستويات المباشرة وغير المباشرة، على الحي وعلى الجماد، وحتى على أسباب العيش، إنها حتى لم تأخذ رأيهم في خطوة التقارب، لعلمها أنهم لا يشكلون رقما في كامل العملية أو على الأقل لن يفتوها بالرأي السديد، وإنما كانوا طوال الوقت واجهة للحديث باسمهم، وكلا الطرفين يعلمون ذلك.
في هذا الوقت لاحظنا كيف أن صنعاء جددت الدعوة لكل المغرر بهم للتمرد على المطامع الشخصية والعودة إلى الوطن، فهم في الأول والأخير أبناء هذه الأرض الطيبة والمتسامية فوق مستوى الجراحات، وهو ما لُمست نتائجه فعليا، فهناك الكثير ممن يعودون ويلمسون حقيقة وصدقية التوجه لاستيعاب الجميع بلا أحقاد وبلا ضغائن وبلا أي شكل من أشكال الإهانة.
ولاحظنا كيف أن عمليات المطالبة بالإفراج عن الأسرى، شملت حتى المعتقلين بما يشير إلى سعة النظرة والتعاطي مع حقيقة أن هذا الأسير أو السجين هو في النهاية من أبناء هذا البلد ومن حقه على بلده أن تطالب بعودته.
كم نأمل أن يكونوا شجعاناً في اتخاذ القرار الصائب، وبعدها يمكن الخوض في المخاوف التي كرستها بعض القيادات التي تنظر للعملية برمّتها من زاوية المصلحة الخاصة.