التداعيات التي شهدها الكيان (الصهيوني) مؤخرا كشفت عن حقائق كثيرة وخطيرة تتعلق بحقيقة هذا الكيان وهويته ودوره الوظيفي الذي يؤديه في خدمة الاستعمار البريطاني _الأمريكي، إذ كشفت هذه التداعيات الكثير من الحقائق المتصلة بوجود ودور ووظيفة الكيان الذي تم تجميع مكوناته الاجتماعية من كل دول العالم ومن مجتمعات أممية متناقضة في القيم والمعتقدات والهويات الحضارية والثقافية واللغوية والجنسية، والمختلفة عن بعضها حتى في لون وشكل (البشرة)!
كل هؤلاء تم تجميعهم وترحيلهم إلى فلسطين مشفوعين بأساطير وحكايات عن (شعب الله المختار وأرض الميعاد) ولم تكن هذه الأساطير والأكاذيب إلا واحدة من أكبر (الخدع) التي تم تسويقها في سبيل احتواء الإرادة العربية وتمزيق الوجود العربي قوميا وقطريا وفرض قيم التخلف والتشرذم على الأمة العربية، وصولا إلى النطاقات الجغرافية الإسلامية ومنع تواصلها أو تكاملها مع الأمة العربية بحكم وحدة العقيدة..!!
خلال الأيام المنصرمة واجه هذا الكيان أزمة سياسية واجتماعية عنوانها خلافات اليسار مع اليمين، أو خلاف العلمانيين الديمقراطيين مع المتطرفين الدينيين، كل هذه المزاعم المعلنة عن الخلافات التي تفجرت في وسط هذا الكيان هي مزاعم تتماهى مع المزاعم الأسطورية والحكايات الخرافية التي يسوقها رموز وكهنة هذا الكيان الذين يبررون وجوده وأحقيته بالأرض والمكان باعتبارهما حقا منحه (الله) لهم ذات زمان مؤغل..!
غير أن حقيقة الخلافات تتصل بتنامي أزمة وجودية يعيشها الكيان ويعيشها رعاته في واشنطن ولندن، فأزمة واشنطن ولندن بكل تفاصيلها وتداعياتها الاجتماعية ألقت بظلالها على واقع هذا الكيان الذي يعيش ويعاني من أزمة وجود وهوية منذ أن تأسس على أرض فلسطين العربية، غير أن تلك الأزمة كانت مخفية خلف جدار القوة الأمريكية _البريطانية وهو الجدار الذي ظل لقرابة خمسة عقود ساندا لهذا الكيان وحاميا له وحارسا ساهرا عليه ومشجعا لكل الأدوار العدائية التي قام بها والجرائم التي ارتكبها بحق أصحاب الأرض وبقية أشقائهم العرب وجيرانهم المسلمين..!!
إن (إسرائيل) هذه ليست دولة ولم تكن دولة في أي يوم أو مرحلة، لكنها بمثابة (قاعدة عسكرية استعمارية ) أسسها المستعمر البريطاني قبل أن يغادر الوطن العربي وأوكل مهمة رعايته للمستعمر الأمريكي، ولم يكن تأسيس هذه القاعدة العسكرية في الوطن العربي بمعزل عن بعض ( الأنظمة الثيوقراطية العربية) التي ولدت من رحم اتفاقية (سايكس _بيكو) والتي منحها المستعمر البريطاني _الأمريكي الحماية والرعاية مقابل موافقتها على إقامة هذه (القاعدة العسكرية الاستعمارية) على أرض فلسطين..!
يكذب من يقول إن هذا الكيان هو من احتل فلسطين عام 1948م، وهو من قام بالعدوان عام 56و67 و73 و82، وليس هو من قام بارتكاب المجازر ضد العرب في فلسطين ولبنان وسوريا ومصر والعراق، ويكذب من يقول إن هذا الكيان هو من يرتكب الجرائم اليومية بحق الشعب العربي في فلسطين ولبنان وسوريا، وإن قيل لنا هذا، وان شاهدنا صور جيش الاحتلال وآلياته وهو يقتل ويعتقل ويحاصر ويهدم المنازل، ويشن الغارات، لكن في الحقيقة هذا الكيان مجرد قاعدة أمريكية _بريطانية يؤدي دوره الوظيفي لخدمة هذا الثنائي الاستعماري القبيح ويؤمن مصالحهم في منطقتنا العربية ومحيطها الجغرافي..!
إن هذا الكيان ليس دولة بل قاعدة عسكرية استعمارية متقدمة مهمتها حماية مصالح أمريكا والمحاور الاستعمارية الغربية، وبالتالي بقاء هذا الكيان مرهون ببقاء هيمنة وغطرسة أمريكا وبقية المحاور الاستعمارية، والأزمة الوجودية التي بدأت تتفجر في مفاصل هذا الكيان هي نتيجة طبيعية للأزمة التي تعيشها أمريكا والغرب، فالأزمة الوجودية المتعددة الجوانب التي بدأت تنهش في مفاصل الإمبراطورية الاستعمارية انعكست على الكيان الصهيوني، أضف إلى ذلك التحولات الجيوسياسية التي أخذت تفرض نفسها على المحميات العربية التي تأسست كدول من قبل الاستعمار لتكون بمثابة الحامية لهذا الكيان بطرق غير مباشرة، وكان هذا واضحا في لقاء لرئيس وزراء الكيان الذي يواجه ثورة داخلية، حين رهن استقرار الداخل الصهيوني بحاجتين، الأولى (التطبيع مع نظام آل سعود) استكمالا لما يسمى بـ»الاتفاق» (الإبراهيمي)، والثانية وقف التقدم التقني والعلمي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية..!
حاجتان تمثلان تحدياً حقيقياً ليس للعدو بل لرعاته في أمريكا وبريطانيا.!
غير أن تمرد المحميات الخليجية وتوجهها نحو الشرق ضاعف من الأزمة الوجودية داخل مفاصل الدولة الأمريكية والتي انعكست بطريقة آلية على الواقع الصهيوني الذي بدأت مرحلة تفككه فعليا وليس مجرد تنبؤات وقادم الأيام سوف تكشف عن المزيد.