ليس الحمل حالةً عابرة لا تستحق اهتماماً من أي نوع، بل ضرورة من ضرورات البقاء إلى أن يرث الله الأرض وما عليها؛ تمر بها المرأة لترزق بمولودٍ يكون قرة عين لها ولزوجها.
وجدير بنا بحثها وتناولها في هذه الأيام المباركة من أيام شهر الصيام وغمرة ما يتملك المرء فيه من إحساسٍ براحة نفسية واطمئنان وسكينة.
بادئ ذي بدء، نؤكد أن العناية بالأم الحامل لا تقتصر فقط على الغذاء خلال شهر رمضان أو غيره، فالراحة- أيضاً- مهمة لها وألا تتعرض للإجهاد الجسدي والنفسي، وتبقى بعيدة ًعن كل ما من شأنه التأثير سلباً على حملها؛ ملتزمةً بزيارة الطبيب أو الطبيبة المختصة -عند الحاجة- للاطمئنان على حالتها ولتتزود بالنصائحٍ التي ستعود عليها بالفائدة.
وفي حال عدم وجود أي عارض مرضي يستدعي أخذ المرأة الحامل علاج معين، وطالما أن حملها طبيعي لا مضاعفات فيه ولا مشكلات تصحبه، وأنها ليست مصابة بأيٍ من الأمراض التي تجبرها على الإفطار، ولا تستدعي حالتها أخذ أدوية بانتظام خلال فترة النهار، فلا مانع من أن تصوم شهر رمضان.
وقد ذهب علماء الشريعة الإسلامية إلى جواز أن تُفطر بحكم أن هناك عوارض اعترضت الصيام، وحاجة الحامل إلى المحافظة على نفسها وجنينها؛ وحاجة المريضة للطعام والشراب.
فعند عدم القدرة، لها أن تفطر وتؤجل الصيام إلى ما بعد رمضان عندما تكون لديها القدرة، أما إذا لم يؤثر عليها، فلا تُحمل على شيء وهي باستطاعتها أن تصوم.
ويظل لزاماً على المرأة الحامل – متى صامت- أن تهتم بالأطعمة التي تتناولها على أساس الكيف وليس الكم، دائبةً على تعويض العناصر الغذائية؛ كعناصر الطاقة والبروتين والفيتامينات وكذا السوائل بطريقةٍ صحيحة في فترتي الإفطار والسحور وبشكلٍ متوازن.
فالتغذية السليمة بالكيفية الملائمة خير ما يؤمن سلامة الأم والحفاظ على صحتها وصحة الجنين أثناء الصيام، لذلك يجب تنظيم أوقات تناولها لها؛ لتحقق المنفعة والفائدة المرجوة.
ولو أن المرأة غير الحامل تحتاج (2,100) سعرة حرارية كل يومٍ تقريباً، فإن السيدة الحامل تحتاج (2,500) سعرة حرارية يومياً لتغطي احتياجاتها واحتياجات الجنين الغذائية .
وحتى تتحقق استفادة الحامل من الغذاء بهذه الكيفية؛ يجب أن تحرص على أن يكون غذاؤها مؤلفاً من:
– حوالي (55%) من السعرات الحرارية من خلال(الكربوهيدرات) الموجودة في الخبز، البطاط، الذرة، الرز والمكرونة وغيرها.
– نحو (35%) من السعرات الحرارية من الدهون الموجودة في الزبدة، الزيت ومنتجات الحليب.
– (10%) تقريباً من السعرات الحرارية؛ تنالها من البروتينات، وهي موجودة في اللحوم، السمك، البيض، ومنتجات الحليب والألبان.
ومتى تبدل الحال وشعرت الحامل أثناء صومها بتعبٍ مع تسارع ضربات القلب وزيادة العرق وضيق التنفس أو الدوخة، فعليها أن تفطر فوراً، لا أن تواصل الصيام، منعاً لأي ضرر أو خطرٍ محتمل.
إن لمرحلة الوحم- أي خلال الأشهر الثلاثة الأولى للحمل- خصوصية معها تتأثر المعدة نتيجة ارتفاع هرمون الحمل؛ فتزداد القابلية للغثيان والتقيؤ.
لذا من المفيد للحامل الصائمة تناول أغذية سهلة الهضم، سريعة الامتصاص والتعويض للجسم بالطاقة كالتمر، وأن يكون عشاؤها في رمضان موزعاً على عدة وجبات صغيرة أو دفعات، خالية من الدسم.
بينما في الفترة الأخيرة للحمل يجب أن يحتوي غذاؤها على كميات من الحديد والكالسيوم، لأن هرمون الحمل يكون قد انخفض في هذه المرحلة، ولها أن تتناول اللحوم والخضراوات مع التقليل من الدهون، لأن الكبد حينها لا يتعامل مع الدهون بصورة جيدة.
إلى ذلك، يتعين على الحامل الصائمة البدء بالإفطار سريعاً مع آذان المغرب، فتتناول حباتٍ من التمر الغنية بالسعرات الحرارية، لمد الجسم بما يحتاجه من سكريات، ثم ُتتبعها باحتساء الشُربة، لأنها غنية بالسوائل، مريحة للمعدة وتساعد على تعادل أحماضها الهاضمة.
وبعدها بساعتين يمكن أن تأخذ وجبة خفيفة أخرى، مثل الفواكه والقليل من الحلويات أو الفطائر، إلى جانب أهمية تناولها للفيتامينات والأملاح الضرورية خلال رمضان، وكذا حمض (الفوليك) المهم جداً لصحتها أثناء الحمل ولبناء الجهاز العصبي للجنين، ولكونه يساعد على التقليل من حدوث العيوب الخلقية بجهازه العصبي.
وأبرز وأهم المصادر الطبيعية الجيدة والغنية بحمض الفوليك:(الفواكه، الخضراوات، عصير البرتقال، الأرز).
كما تحتاج الأم الحامل إلى كمية كبيرة من الحديد في غذائها، ولها أن تحصل عليه من الخضراوات كالسبانخ والسلطة، ومن الفواكه مثل الفراولة والتفاح، وكذا من اللحم والكبد.
وعلى المرأة الحامل عدم الاكتفاء فقط بوجبتي الفطور والسحور، بل يجب أن تتناول وجبة أخرى بين فترتي الإفطار والسحور، تحتوي على اللبن والبروتينات والأملاح والمعادن، وأنوه إلى أهمية تناولها لوجبة إضافية خفيفة عند منتصف الليل، مثل (السندوتش) وبعض الفواكه والقليل من التمر.
إن وجبة السحور التي تتطلبها الحامل، ينبغي أن تكون قريبة من موعد الإمساك، ويُفترض أن تكون وجبة خفيفة غير دسمة كي لا تهيج الحموضة أثناء الصيام، مُنهيةً بها وجباتها كاملةً، ولا بد أن يكون موعدها قريباً من موعد الإمساك.
• مركز الوطني للتثقيف والإعلام الصحي والسكاني