الاستهلاك المرتفع سمة أساسية لازدهار الأسواق والاقتصادات المختلفة
تنوع النمط الغذائي والترويج المكثف وتأثيراتهما على السلوك الاستهلاكي في رمضان
من الضروري جداً الشراء وفق قائمة مشتريات معدة مسبقا تجنباً للشراء بشكل عشوائي وارتجالي
سلوك الشراء السليم والمدروس يوفر على الأسرة الكثير ويكفل الاستمرار في تحقيق الأمن الغذائي
يجب عدم التسوق في حال أن يكون الشخص جائعاً ومعدته فارغة كونه مدعاة للشراء المفرط وغير المبرر
الثورة / تقرير
يهل شهر رمضان الفضيل، وعادة ما يُشهد فيه إقبال كبير غير مسبوق على شراء السلع والخدمات عموما، والسلع الغذائية والتموينية مقارنة ببقية شهور العام ، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع الأسعار في الأسواق، وبالذات وأنه يعقب هذا الشهر الفضيل مباشرة حلول مناسبة إسلامية عظيمة أخرى على كافة المسلمين بأنحاء العالم وهي عيد الفطر المبارك. كما أن التمظهرات المادية في الاستهلاك والتعطش للشراء بلا تفكير مع ما يسمى شكليا موسم التخفيضات في زماننا المعاصر، لاسيما في شهر رمضان المبارك التي تكتسي بطابع خاص، تتشابك فيها الدواعي السلوكية والثقافية والاقتصادية، وتغذيها الإعلانات التجارية الرقمية وغير الرقمية, والطريقة التي يعلن بها عبر الترويج المكثف في وسائل الإعلام المختلفة من خلال تضخيم فقاعة الحاجات للاستهلاك، وتقديمها بأشكال جديدة وألوان متعددة ،وفي الحقيقة هي بعيدة عن الواقع وعن أي عقلنة أو ترشيد. وفي كثير من الأحيان هي للاعتبارات التجارية التي خلقت أسواقاً للمنتجات المختلفة، وهو ما أثمر في تغيير نمط الاستهلاك من حيث الكمية والنوعية.
وفي هذا الصدد يشير الخبير الاقتصادي احمد ماجد الجمال إلى أن الاستهلاك الغذائي في رمضان لا يقتصر على زيادة في الكم فقط، بل إلى الكيف أيضا من خلال تشابك الأسباب ,وتعددها فقد ظهرت الحاجة إلى نوعيات مختلفة من الطعام ليست على القائمة الغذائية المعتادة لغالبية الأسر، فهناك حلويات “رمضانية” ومشروبات “رمضانية” تعتبر مائدة الإفطار “ناقصة” عند غيابها، وهو ما يشكل ضغطاً مادياً إضافياً على دخل غالبية الأسر
وما يثير الاستغراب هو إدراك الجميع لما يقع فيه من أخطاء، إلا أن تكرار ذلك مرات متعددة بصورة سنوية، وكأن لا احد يتعلم من الأخطاء، والتمسك بإرهاق النفس والاستمرار في التهافت على شراء كميات مضاعفة من المأكولات والمشروبات وغيره .
ازدهار الأسواق
ويعتبر الخبير الاقتصادي أن الاستهلاك المرتفع تاريخيا سمة أساسية لازدهار الأسواق والاقتصادات المختلفة إنماء مقابل الإنتاجية المرتفعة والاستقرار الاقتصادي لكن والوطن في الواقع يمر في أوضاع استثنائية كنتيجة لأحداث العدوان وحصار ثماني سنوات تضافرت خلالها صعوبات تعتبر أبرز الأسباب التي أدت إلى هذا الواقع المؤسف والصعب في حياة ومعيشة أفراد المجتمع.
ولان بين الحاجة والإشباع صوراً كثيرة للسلوك البشري في الاستهلاك ، تتراوح بين التقتير و التبذير، والتوازن سلوك تقف وراءه فكرة أو تصور، وبذلك يكون مرآة لقيم المجتمع وعادة أفراده وتمثلاتهم في إشباع حاجاتهم وكل حسب ظروفه ولكن المهم ليس فوق طاقته .
منوها بانه في هذا الزمان لم يعد شهر رمضان يقتصر على العبادات والفرائض فقط، بل ترافقه عادات اجتماعية مثل التزاور وتبادل الدعوات العائلية على الإفطار والسهرات التي يهدف بعضها للتعبد وبعضها للترفيه ,باعتباره أبرز المواسم التي تهم المسلمين في العام, حيث يلتزمون ببرنامج تعبدي مكثف يشمل الصيام يومياً من طلوع الفجر حتى غروب الشمس، كأحد أبرز فرائض الدين والصيام تتراوح فترته بين 14 و15 ساعة في المتوسط وقد تزيد في بعض الدول، والقاسم المشترك أن ثلثي اليوم تقريباً يقضيهما المسلم ممتنعاً عن الطعام والشراب، وكذلك ممتنعاً عن الكثير من أوجه الترفيه التي تعتبر من المحرمات والمكروهات حتى لا يضيع أجر الصيام.
تخفيض معدل الاستهلاك
وأضاف: وفقا للحسابات النظرية ينبغي أن ينخفض معدل استهلاك الفرد المسلم في هذا الشهر فيما يخص الغذاء، حيث يتقلص عدد الوجبات التي يتناولها الفرد على مدار اليوم إلى وجبتين، كما أن الوقت المتبقي من اليوم يقتطع منه وقت للنوم ووقت للصلاة، وهو ما يجعل الوقت المتاح لتناول الطعام أقل من المعتاد على مدار العام بكثير
و الجميع يكاد يجزم أن معظم هذا الارتفاع في الاستهلاك مسؤول مسؤولية مباشرة عنه الاستهلاك غير المرشد وغير المقنن للغذاء ، سيما وأن استهلاك المواد والسلع الغذائية ربما يعادل استهلاك ضعف أي شهر من العام، إن لم يكن أكثر من ذلك، هذا بالإضافة إلى ما تساهم فيه ظاهرة الظواهر الاجتماعية في إعداد مواد الطعام الكبيرة على مدار الشهر .
وأوضح الجمال : إن الهوس الاستهلاكي في رمضان على الخصوص، يدفع للتساؤل حول دواعي هذا السلوك في شهر شرعه الدين الحنيف ليكون محطة للارتقاء التعبدي والتخلص من العادات السيئة وترشيد السلوك الإنساني، بما يحقق فلسفة الصيام ومقاصده الدينية، كما يدفع للتساؤل حول السبل المثلى لعقلنته سواء في رمضان أو في غيره من الشهور .
فاستهلاك شهر رمضان لا يهل فجأة لان له تأثيراً على المستهلك والأسواق كل يستعد له بطريقته, أما مطالبة الأفراد بترشيد الاستهلاك ومقاطعة المواد الإعلامية في الشهر الفضيل لا يمكن اعتباره الحل لهذه الحالة الفريدة من التناقض بين النظرية والواقع والتطبيق في التعامل مع هذا الشهر.
هناك الكثير من الحلول التي يمكن العودة إليها وتطبيقها، فالجميع بمن فيهم خبراء التسويق، ينصحون لتفادي تداعيات ارتفاع أسعار المواد الغذائية والتموينية في الأسواق، سواء في شهر رمضان أو في غيره من أشهر العام، اللجوء إلى السلع البديلة بقدر ما امكن وتكون ذات صلاحية طويلة نسبيا حتى يمكن الاستفادة منها لاحقا، وتكون أسعارها أقل بكثير مقارنة بأسعار السلع المعروفة ولكنها تحتوي على نفس القيمة الغذائية. وفي نفس الوقت ضبط الكميات والأنواع، وينصحون أيضاً بعدم التسوق في حال أن يكون الشخص جائعاً ومعدته فارغة، لأن ذلك قد يكون مدعاة للشراء المفرط وغير المبرر، وأيضاً من الضروري جداً الشراء وفق قائمة مشتريات معدة مسبقا تجنباً لئلا يتم الشراء بشكل عشوائي وارتجالي، لينتهي الأمر بالشراء وفقاً لما يعرف مصطلحاً بالشراء «النزوي، أو التلقائي»، الذي يعني شراء سلع لم تكن في ذهن المشتري من الأساس قبل دخوله للمتجر أو للسوق لأنه ليس كل ما يشتهيه الفرد يشتريه حتى لا يقع في مثل هذه الإشكالية، فمن الخطأ شراء سلع تزيد على الحاجة وعن الضرورة.
ومن المهم أيضا إن تصبح ثقافة المسافة المناسبة بين الحاجة الحتمية وبين القدرة والحرية المالية والتمكن في ترتيب الأولويات منهج حياة، تستحق أن تستقر في الفكر والسلوك بحسن التنظيم، فالتخبط والاستهانة بشكل عشوائي وتكون فوق الطاقة في أمور لا تخدم الشخص الذي يريد أن يخطط لمصروفاته ودخله وتكون قابلة للتقييم.
سلوك الشراء السليم
وقال: يأتي سلوك الشراء السليم والمدروس، الذي سيوفر على الأسرة الكثير، وسيكفل الاستمرار في تحقيق الأمن الغذائي والتناغم والتكامل، وتحقيق توازن مالي على مستوى الفرد والمجتمع حتى ولو كانت في أدنى مستوياتها التي تنفق سنوياً باعتباره مؤشر إيجابي، ومن قبل ذلك توافر الإرادة للوصول إلى مساحات واسعة من معادلة الاستقرار والتوازن والانضباط والبعد في الانجرار خلف سعار الاستهلاك المرتفع ورفض الارتهان له مدفوعة بالصواب ومشفوعة بالإيجاب في كل الاتجاهات والأبعاد.