الغرب والمهاجرون والإنسانية المتوحشة..!

طه العامري

 

 

باسم الحريات وحقوق الإنسان دآبت أمريكا والأنظمة الغربية لعقود تعطي العالم دروسا في هذه القيم وأهمية احترامها، وبلغ الأمر بهم أن أقدموا على غزو بلدان وإسقاط أنظمة بذريعة الانتصار لحقوق الإنسان المنتهكة في هذه البلدان، فيما بلدان أخرى تعرضت لعقوبات قاسية وحصار بذات الذريعة _انتهاكها _لحقوق الإنسان، وتحت هذه الذريعة شهد العالم وتحديدا منذ العام 1990م وتزامنا مع تفكك المعسكر الاشتراكي وانهيار الاتحاد السوفييتي، حيث برزت على إثر ذلك وبقوة على سطح الأحداث قضية حقوق الإنسان ونصبت أمريكا والغرب من أنفسهم محامين ومدافعين عن حقوق الإنسان، وتم استغلال هذه القضية بصورة بشعة ومتوحشة في استهداف أنظمة ودول، وأثاروا الفوضى في العديد من بلدان العالم وخاصة في الوطن العربي وأفريقيا ودول آسيوية أخرى، ولم تسلم من هذه الورقة حتى دول بحجم روسيا الاتحادية وجمهورية الصين الشعبية وهما دولتان محوريتان وانداداً لأمريكا والمنظومة الغربية، ومع ذلك توجه لهما تهماً متصلة بحقوق الإنسان..؟
خلال السنوات الأولى من الألفية الثالثة تعمد الغرب وأمريكا وفي سياق الصراع الجيوسياسي تعمدوا إثارة النعرات والنزاعات الاجتماعية في أكثر من بلد من بلدان العالم الثالث وخاصة في الوطن العربي وأفريقيا ودول آسيوية أخرى.. وتسبب ذلك في إحداث نزوح جماعي لمواطني هذه الدول هربا من الصراعات والحروب التي شهدتها بلدانهم، بعد أن تفجرت صراعات طائفية ومذهبية وقبلية وسياسية وبتحريض مباشر وغير مباشر من قبل أمريكا والغرب، وعبر ما اصطلح على تسميته ب (منظمات المجتمع المدني) التي كانت تمولها أمريكا والمجموعة الأوروبية من خلال سفاراتها وبعثاتها وقنصلياتها المعتمدة في هذه البلدان التي أثيرت فيها الفوضى..؟!
والمؤسف أن هذه الفوضى أدت إلى نزوح كبير لمواطني هذه الدول، باتجاه بلدان (الجنة الموعودة) والمتمثلة في أمريكا والدول الغربية، ولكن للأسف الشديد لم تكمل الدول المدافعة عن حقوق الإنسان جمائلها وتعبر عن صدق مشاعرها وحرصها على حقوق الإنسانية المعذبة..؟!
وفيما راحت أمريكا تشيد أضخم جدار عازل بينها وبين المكسيك منعا لدخول المهاجرين، راحت أوروبا بدورها تتبنى فكرة شيطانية أخرى وهي (الفلترة) للمهاجرين عبر تجميعهم في دول حدودية، ومن ثم إجراء عملية فرز في أوساط المهاجرين واستقدام النخبة المؤهلة علميا من أوساطهم، ثم الشباب الذين تحتاجهم مصانعهم، فيما ترك الباقون خارج دائرة اهتمامها، فذهب الآلاف من هؤلاء المهاجرين ونسائهم وأطفالهم طعاما للأسماك المفترسة في البحر المتوسط وبحر ايجه وهم يحاولون الوصول إلى أوروبا أملاً في النجاة من الموت في أوطانهم برصاص المقاتلين والجماعات الإرهابية، فكان أن لقوا حتفهم غرقا فيما نهايتهم بالطريقة التي انتهوا بها لم تحرك مشاعر دعاة حقوق الإنسان، ولم يكترثوا بتلك النهايات المأساوية لبشر تسببوا في تضليلهم وزرعوا الفتنة في بلدانهم..؟!
ثمة قرارات أخيرة غير متوقعة وغير مسبوقة سارعت إلى اتخاذها الدول الغربية وأمريكا تجاه قضية المهاجرين ومنها قرار بريطانيا بترحيل كل مهاجر إليها بالقوة وان كلفها الأمر إلقاؤهم في قاع المحيط وأعماق البحار، بريطانيا التي احتلت شعوب العالم ونهبت ولاتزال تنهب ثرواتهم كشرت عن أنيابها واتخذت قرارا لم يسبقها إليه أحد، ولكن ستتبعها الكثير من دول أوروبا وأمريكا بدأت في اتخاذ إجراءاتها التي لن تقل عن إجراءات بريطانيا.. فيما دول أوربية بدأت تطارد المهاجرين وتعيد ترحيلهم في حملة سعار عنوانها الحرب ضد المهاجرين ورفض تواجدهم في أي دولة من تلك الدول التي كانت السبب في استعمارهم ونهب ثرواتهم، َكانت السبب في إثارة الفتن داخل بلدانهم وفقدانهم لكل مقومات الأمن والاستقرار، وبعد أن تسببت بكل أزماتهم ومشاكلهم قالت لهم ما يقوله (ابليس) للإنسان بعد أن يغويه (اني بريء منكم اني أخاف الله رب العالمين) مع الفارق أن الغرب وأمريكا قالوا للمهاجرين إنا أبرياء منكم إنا نخشى الإنفاق وخزائننا غير قادرة على تحمل تكاليفكم..؟!
تركيا التي مثلت حاضنة للمهاجرين من سورية والعراق واليمن وليبيا والسودان ودول أخرى استطاعت خلال السنوات الماضية أن تجعل من المهاجرين سلاحا وأوراقاً للضغط على أوروبا واستطاعت أن تساوم بهم وتحصل على الكثير من الدعم، ولكن هذه الفترة انتهت بحدوث الزلزال الذي جعل تركيا تعيد حساباتها خاصة فيما يتصل بالمهاجرين السوريين الذين وفق التوجهات التركية سيتم إعادتهم إلى وطنهم سورية قريبا..
لكن يبقى الموقف الأمريكي _الغربي بمثابة الفضيحة التي تضاف لسلسلة الفضائح التي تكشفت منذ انطلقت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا..
ويبقى السؤال هو، هل بعد كل هذه التناقضات الغربية والأمريكية يوجد من يصدق خطابهم أو يثق بكل ما يصدر عنهم.. أشك في هذا، وان وجد فليس أكثر من غبي بل واكثر غباء من (حمار جحا).؟!

قد يعجبك ايضا