بكين تدشن طريق الحرير

يكتبها اليوم/ عباس السيد

 

ليس هناك شك بأن حالة العلاقات السعودية ـ الإيرانية لها تأثير كبير على استقرار وأمن دول غرب آسيا بالكامل سلباً أو إيجاباً ـ بما في ذلك الأوضاع في بلادنا اليمن – وذلك بالنظر إلى إمكانات البلدين ودورهما المؤثر في العديد من الملفات الإقليمية والدولية .

طوال ثماني سنوات ، كانت “ محاربة إيران في اليمن “ هي الذريعة التي تسوقها قوى العدوان على اليمن وعلى رأسها السعودية . الآن ، وبعد اتفاق بكين بين طهران والرياض الذي أكد فيه البلدان سعيهما لفتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية تبدأ بإنهاء القطيعة الدبلوماسية وإعادة فتح السفارات خلال شهرين كما جاء في البيان الذي أكد أيضاً عزم البلدين على ترسيخ السلام والاستقرار في دول المنطقة ، وهنا تكمن أهمية البيان بالنسبة لشعوب المنطقة التي استبشرت خيراً ووجدت فيه بداية مرحلة جديدة وطي سنوات من الخراب واستنزاف القدرات .

وحدها دولة الكيان الإسرائيلي ومستوطنوها هم الخاسرون من هذا الاتفاق ، وقد عبَّروا سريعاً عن خيبتهم ، واعتبروه نصراً كبيراً لإيران ، الدولة التي يرون فيها العدو الأول والخطر الأكبر على كيانهم الغاصب . إيران لم تعد عدواً للسعودية ، والناتو العربي الإسرائيلي الذي راهنت عليه سلطة الاحتلال لمواجهة إيران سقط باتفاق بكين .

ماهي مصلحة السعودية من هذا الاتفاق وما دوافعها لمثل هذا التحول ، وما تأثير ذلك على مستقبل العلاقات السعودية الأميركية ؟ أسئلة كثيرة يصعب الإجابة عليها وخصوصاً أن حبر الاتفاق لم يجف بعد ، ولكن من خلال تقييم سريع لسياسة الرياض ودورها في الملفات الإقليمية خلال عهد الملك سلمان ونجله ، يمكن القول أن المكاسب التي حققتها السعودية أقل بكثير من خسائرها ، واستمرار تورطها في تلك الملفات ، وفي مقدمتها استمرارها في الحرب على اليمن ، يعتبر حماقة ستكون تكلفتها كبيرة تتعدى السياسة والاقتصاد وتهدد طموحات ولي العهد ومستقبل العائلة الحاكمة .

لا يمكن إغفال الحرب السعودية في اليمن طوال السنوات الماضية وتأثيرها في تغيير بوصلة السياسة السعودية . فالولايات المتحدة الأميركية لم تستطع توفير الحماية للسعودية من الضربات القوية التي وجهها الجيش اليمني لمنشآتها الحيوية على امتداد الجغرافيا السعودية ، ولم يكن أمام السعوديين سوى الهروب إلى الهدنة التي بدأت مطلع أبريل من العام الماضي عقب أيام فقط من الضربات الموجعة بالمسيّرات والصواريخ اليمنية للمنشآت النفطية السعودية ، وفشلت كل أنظمة الدفاع الجوي الأميركي في اعتراضها . خسرت السعودية اقتصادها وسُمْعتها ، وملياراتها التي أنفقتها لشراء المنظومات الأميركية .

لم يتعرض أي نظام سياسي في العالم للإهانة والتحقير من قبل الأميركيين كما تعرض له النظام السعودي من حلفائه في البيت الأبيض . وطوال فترة حكمه ، ظل الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب يسخر من السعودية ولا يرى فيها سوى بقرة حلوب ، وأنهم بدون الحماية الأميركية لا شيء ، يبتزهم بإيران ويحذرهم بأنهم سيتكلمون الفارسية في خمسة أيام إذا تخلت عنهم أميركا .. لا يختلف الديمقراطي جو بايدن عن سلفه الجمهوري ترامب في تعامله مع النظام السعودي ، مع اختلاف في الأساليب فقط ، وقد كان جعل “ السعودية دولة منبوذة “ وعداً انتخابياً للرئيس بايدن ..

في ظل هذه السياسات والمواقف الأميركية تجاه النظام السعودي ، من الطبيعي أن يعمل الأخير على إعادة النظر في سياساته الخارجية ، حتى من باب الحنق ، وفي هذا السياق جاء اتفاق بكين الأخير ، وسبقته مواقف السعودية في اتفاق أوبك بلس ، والاستقبال البارد للرئيس جو بايدن في جدة يوليو الماضي .

نحن في اليمن متفائلون بهذا الاتفاق ، وما قد يعكسه إيجاباً على الأوضاع في اليمن ، مع تأكيدنا وثقتنا بأن تحقيق السلام في اليمن يحقق أيضاً مصالح السعودية ، ولا يمكن لولي العهد السعودي أن يحقق آماله وخططه الطموحة في مملكته إذا استمر في الحرب على اليمن . كما أن مطالبة اليمنيين بحقوقهم في وقف العدوان ورفع الحصار وخروج القوات الأجنبية من أراضيه ومياهه ، لا تخضع لأي صفقات ، وسيبقى اليمنيون متمسكين بحقوقهم وخياراتهم بغض النظر عن اتفاقات دولية أو إقليمية . وعلى طهران والرياض أن يعلما أن يمناً موحداً مستقلاً قوياً هو رافد للأمن والاستقرار في المنطقة ومصلحة للأمة العربية والإسلامية .

تحية للصين ، تحية للزعيم شي جين بينغ الذي ساهم في الوصول إلى مثل هذا التوافق ، ومن خلاله أكد على دور صيني فاعل ومؤثر في الساحة العالمية التي لن تستمر حكرا على الهيمنة الأحادية الأميركية . زرعت أميركا الأشواك في طرقات الأمم والشعوب ، فهل نحن على موعد للانتقال إلى طريق الحرير ؟.

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا