قبل أشهر، أعلنت الخطوط الجوية اليمنية عن تخفيض في أسعار تذاكر السفر، نظراً للحالة الصعبة التي يمر بها المرضى والطلاب والنازحون.
وأنت تقرأ ذلك الإعلان الممتلئ بالمصطلحات الحنونة، تشعر برغبة عارمة بالبكاء كطفل مدلّل في أحضان أم مثالية، حتى تكتشف أنك طفل لا يفهم الحياة في حضرة وحش مفترس، وأن تلك السيمفونية العذبة ما هي إلا خُدعة جاءت على حين غرّة لزيادة أسعار تذاكر السفر دون أي مبررات !!
استغفال واستفزاز للمواطن الغلبان يمارسه هذا الناقل الجوي المحلي، والذي إيراداته الفلكية من ظهور المرضى والطلاب والنازحين لأكثر من ٧ سنوات كفيلة بتأسيس شركة طيران محترمة من الصفر وبأسطول مُعتبَر، لكن الجبل تمخَّض فولَّد فأراً، وكانت نتيجة تلك السنوات من التفنُّن في شفط ما بجيوب المسافرين، هو شراء طائرة فرنسية مستخدمه خارجة عن الخدمة، طغى عليها طابع العمولات أكثر من أي بُعد آخر، يُقال أن مصيرها كان مقبرة الطائرات والتشليح حتى بعثت فيها الخطوط الجوية اليمنية الحياة من جديد من عرق ودماء وكد شعب يبحث عن رمق حياة، ويقابلها زيادة تعسفية في أسعار تذاكر السفر، فهل هذا هو الجزاء ؟!
للوهلة الأولى ومن خلال الأسعار الأغلى على مستوى العالم، تظن أنك قد حجزت تذكرة سفر درجة رجال أعمال على خطوط اللوفتهانزا أو الكي إل إم، حتى تكتشف أنك على متن خطوط جوية لا تمتلك الحد الأدنى من المعايير الدولية التي تعتمدها خطوط النقل الجوي في العالم، من احترام للمواعيد والوجبات المقدمة أو توفير وسائل الراحة والسلامة رغم الإيرادات المهولة، وهذه أحد أسباب إيقاف عضوية الخطوط اليمنية في منظمة الأياتا، بمعنى آخر فإن السفر إلى دول مجاورة براً ثم الاستعانة بأي ناقل جوي قد لا يكلّفك نصف قيمة تذكرة سفر إلى أقرب دولة عبر الخطوط الجوية اليمنية!!
للأسف أن الأوضاع المأساوية التي انهكت المواطن اليمني على مدى ثمان سنوات لم تكن سبباً في إقناع ذلك الناقل أن يكون للمواطن عون، بل تحول إلى فرعون، غير مكترث بالحالات المرضية وهجرة النازحين والطلاب والمرضى، إنه الطيران الأغلى على مستوى العالم، الأسوأ على مستوى الخدمات والمواعيد !!
وحتى لا يدّعي أحد أني أتجنى على الخطوط الجوية اليمنية، فيكفي أن تقوم بحجز رحلة إلى أي بلد، وتشاهد بأم عينيك مواعيد إقلاع الطائرة وتقارنها بما هو مدوَّن على تذكرة السفر، أو القيام بزيارة إلى مكتب طيران والسؤال عن سعر تذكرة السفر إلى مصر أو الأردن، وتقارن تلك التكلفة مع خطوط طيران أخرى في أي بلد حول العالم لتكتشف حجم الفساد والاستغلال والظلم الذي يُمارس على المواطن !!
استبشر المواطن خيراً عندما أعلنت الخطوط اليمنية عن تخفيضات في أسعار التذاكر، حتى اتضح أن العكس هو الصحيح، بخلاف تخفيض مُتاح بعد فترة تصل إلى شهر ونصف بعد أن يكون المريض قد قضى نحبه ليحظى على سعر أقل من السعر المتداول، فمن سعر يبتدىء بـ ٥٠٥ دولارات من عدن إلى القاهرة والعودة، قفزت الأسعار إلى ٥٣٦ دولاراً، أي زيادة بفارق ٣١ دولاراً !! وهذا طبعاً هو أقل سعر يمكن أن تحصل عليه، أما إذا كانت الفترة ما بين الحجز والسفر قصيرة فمن ٥٣٦ دولاراً ومطلع!! ولك الله يا شعب اليمن !!
فهل هذه مكافأة المواطن اليمني الصابر المطحون يا معشر اليمنية؟!
وما هو الداعي أساساً للإعلان عن تخفيض في أسعار التذاكر حتى يتفاجأ العميل بزيادة مستفزة غير مبررَّة؟!
وأين تذهب مبالغ التأمين التي تُضاف على كل تذكرة السفر ولا يستفيد منها العميل بشيء، وليس بإمكانه أن يسترد حتى جزء بسيط منها؟!
راجعوا حساباتكم فوالله لو وجد المواطن وسيلة أخرى للسفر خلاف لطيرانكم المبجّل ولو على ظهر الابل لما تردد في استخدامها ..
أدرك أن رأيي هذ لن يستسيغه البعض خاصةً من أولئك المستفيدين من قرارات كهذه، لكني أؤكد أن هذا لسان حال الملايين من الشعب اليمني الغلبان، لا سيما من تقطَّعت بهم السُّبل من النازحين والمرضى، ولكم أن تقوموا باستبيان لمعرفة مدى رضى العملاء عن خدماتكم وأسعاركم حتى لا يتهمني احد بالمبالغة.
مع التأكيد أني هنا لا أنتقص من قيمة ناقل وطني عملاق بحجم شركة الخطوط الجوية اليمنية، ولا من منتسبيها الذين لا ذنب لهم بهكذا إجراءات، والذي تربطني شخصياً علاقات صداقة ووُد مع كثير منهم، ولكن خلافي مع صناع القرار الذين يرتجلون باتخاذ قرارات لا تقدِّر وضع المواطن في ظروف كهذه !!