«الكيان» في مصيدة «الدائرة المفرغة»

يكتبها اليوم / وديع العبسي

 

 

بعد أيام قليلة على سحب الإمارات مشروع قرار يدين الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، جاء تفاعل جيش الكيان مع هذا الموقف بمجزرة نابلس الدامية، والتي انطوت على كثير من اليأس والإحباط والغباء أيضاً.
وقبل أسابيع وفي ذات المدينة ارتكبت المجاميع المسلحة التابعة لكيان الاحتلال مجزرة راح ضحيتها (9) فلسطينيين إثر اقتحامها مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين شمالي الضفة، كما قبلها وقبلها، وسلسلة جرائم العدو الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني مستمرة منذ سبعة عقود تقريباً، ولم تخف حدتها مع كل القرارات الأممية التفاهمات التي حاولت رسم معالم مكانين أحدهما للفلسطينيين والآخر الكيان المحتل لكنه أيضاً لم ير النور.
وطوال تلك الفترة كانت ردة فعل غالبية الأنظمة العربية في مستوى الأماني الذي أسقط عروبيتهم وانتماءهم الديني فضلاً عن انحسار النخوة وقيم العربي في النجدة من أخلاقيات هذه الأنظمة.
والإمارات لم تكن أصلاً، يوماً رقماً فاعلاً في النضال الفلسطيني، ومواقفها اليوم إنما تكشف بها عن حقيقة كيانها الذي تتنازعه أمريكا والكيان، ومنظومة القيم التي كوّنها الانتماء الديني والعروبي للجمع العربي والإسلامي.. ليجيء تجديد السيد القائد أمس الأول لموقف التضامن الكامل مع الشعب الفلسطيني فاضحاً تلك الأنظمة التي تنكرت وما عادت تستبين الحق من الباطل، والأخ من العدو، وهو الموقف الذي قدم من خلاله السيد القائد نموذجا ناصعا لمعنى النزوع إلى الاستقلال وامتلاك كامل السيادة على القرار والتوجه، الشيء الذي تفتقر إليه مثل هذه الأنظمة فتراها تنساق في ركب القوى الاستعمارية.
أما الكيان، فيبدو أن التأثر بات متبادلاً بينه ودول التطبيع ولذلك لا يزال يركن إلى أن الاستخدام المفرط للقوة ضد الشعب الفلسطيني كفيل بأن يجلبه لها الاستقرار وإسكات صوت المقاومة، لم يقرأ العدو الصهيوني في مساره الاحتلالي المعتمد بأشكال العنف ضد أبناء الأرض كيف أن كل ذلك لم يحقق له هدف فرض الأمر الواقع على الفلسطينيين، وعلى العكس من ذلك فدائماً ما كان الواقع يشهد وعجل لجذوة المقاومة، ويكفي في هذا السياق التأمل في جانبين: الأول: أنه طوال عقود الاختلال كانت مكونات المقاومة تتوالد أكثر فأكثر وبأكثر من مسمى يجمعها هدف التحرير، والثاني: مواكبة هذا الكم لتشكيلات المقاومة بحيازة السلام والتوجهات لصناعته، ما يشير إلى أن حماسة الدفاع عن الأرض لا تزال بذات الوهج.
في العام 1987 ظهرت حركتا حماس والجهاد وبعد أكثر من عقد ظهرت حركة المجاهدين في العام 2000، وبعده وقبلها كانت مختلف الحركات تشهد ولادة التنظيمات العسكرية الفاعلة في الميدان، وكان آخرها مجموعات (عرين الأسود)، وخلال العقود الماضية تنامت قوة المقاومة وباتت المعادلة العسكرية على الأرض تقوم على تفاعلات مختلفة، تتصدر المقاومة في تشكيل مدخلاتها، الأمر الذي أوصلها ليس فقط برفع وتيرة الأعمال الجهادية، وإنما أيضاً إطلاق الصواريخ على المستوطنات غير الشرعية، والتصدي لطائرات العدو والسيطرة على طائرات تجسس تابعة له.
بالتزامن مع ذلك كانت مجازر العدو الصهيوني ضد الفلسطينيين تتكاثر بصورة عبثية، وأمس مرت الذكرى الـ 29 لمجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل، حين عمد الصهاينة لقتل المصلين ثم قتل آخرين أثناء تشييع من استشهدوا ليقتل ويصاب في هذه العملية النكراء (200) فلسطيني منهم (50) شهيداً، وفي نفس اليوم قتلت قوات الاحتلال (60) فلسطينياً في مواجهات غير متكافئة، إلا أن ما كان يأمله الكيان بأن تخلق مثل هذه العمليات رادعاً للفلسطينيين عن المطالبة بتحرير دولتهم خاب وفشل.
مكابرة العدو الصهيوني في الاعتراف بهذه الحقائق أسفر عنه بلا شك هذه الحالة من الانفجار التي يشهدها الوضع الداخلي للكيان اليوم والذي ينذر بتفككه قريباً جداً حسب ما توقعه رئيس حكومة الاحتلال السابق لابيد الذي حدد ما تبقى من عمر كيانه بستة أشهر، فيما رئيس الكيان حدد قبل أسابيع سنتين لتلاشي هذا الكيان رغم محاولات النتنياهو إعادة توحيد الهدف للتكتلات الممزقة من خلال تنفيذ عمليات إجرامية ضد الشعب الفلسطيني علها تصرف الأنظار عن الداخل المهترئ له، كما تعيد توجيه اهتمامات مجتمع الاحتلال إلى هدف مواجهة العرب من خلال الفلسطينيين.

قد يعجبك ايضا