في هذه التناولة، وهي الأخيرة تحت هذا العنوان، أود الإجابة عن سؤال قد يتبادر لذهن ( القارئ) عما قد يبدو تناقضاً بين (عنوان هذه الحلقات) و مضمونها الموجه غالبا ضد (نظام آل سعود)..؟
والحقيقة أن مشكلة الأمة وفلسطين ترتبط بالدور الوجودي والوظيفي لهذا النظام الذي لن يجانبني الصواب لو قلت إنه يتحمل ما نسبته (80٪) من أزمات الأمة العربية وفي المقدمة قضية فلسطين، من خلال تواطؤ هذا النظام مع أعداء الأمة وإعداء تقدمها ووحدتها، من خلال ارتباط هذا النظام مع قوى (الاستعمار والصهيونية) وتكريس ارتباطه الوجودي والمصيري بهما.. وقد مثل سقوط (فاروق) في مصر بقيام ثورة 23 يوليو 1952م ما يشبه الصدمة لنظام (آل سعود) ليس لأن ثورة يوليو جاءت كرد فعل على حرب فلسطين وقيام الكيان الصهيوني، بل لأنها جاءت بكل ما لا يتسق مع رغبات وأهداف وتطلعات (آل سعود) والدور الذي رسم لهم والمفترض أن يقوموا بتأهيل أنفسهم لتأديته في النطاقين العربي والإسلامي..!
إذ كانت ثورة يوليو قد عززت بقيامها الحراك القومي والنزوع الثوري التحرري، وأشعلت في الوعي الشعبي العربي الرغبة في التحرر والانعتاق من براثن الهيمنة الاستعمارية والتسلط الإقطاعي _الرجعي، في مرحلة كان فيه نظام (آل سعود) يسير في طريق تأهيل الذات للقيام بدوره المحوري المرسوم له سلفا من قبل رعاته في (لندن _واشنطن) لذا سعت _أولا _واشنطن _لتطويع ثورة يوليو وقادتها، ولكنها أخفقت فدفعت بـ(قلب هجومها _نوري السعيد) إلى جانب (شاه إيران) و(تركيا) و(الكيان الصهيوني) فيما عرف بـ(حلف بغداد)، وكان نظام آل سعود يعمل ومن وراء ستار للانتصار لهذه الخيارات الاستعمارية، التي فشلت مجتمعة، لتبرز سلسلة تداعيات وأخطاء طالت أداء المكونات القومية والثورية اليسارية، وكانت المواقف من (فلسطين) أحد أبرز أسبابها إضافة لقضايا التحولات الاجتماعية، فاستغل أعداء الأمة هذه التناقضات السياسية والفكرية والقناعات الأيديولوجية بين مكونات العمل القومي والقوى اليسارية، وفيما كانت بعض المكونات القومية واليسارية تهاجم عبد الناصر وما أطلق عليه يومها بـ (الناصرية) _إذ لم يكن هناك ما يمكن تسميته بـ(الناصرية) التي وجدت بعد رحيل عبد الناصر ولم يكن لها وجود في حياته إلا بفكر وقناعات من كانوا يختزلون مشروع عبد الناصر القومي في النهوض بحال الأمة في شخص عبد الناصر ذاته، لتأكيد المقولة الاستعمارية “إننا لا نختلف مع الشعب في مصر ولا مع العرب ولكنا نختلف مع ناصر وحسب” _ كان نظام آل سعود وخلفه المنظومة الاستعمارية الغربية والأمريكية والصهيونية يغذون هذا الخلاف لإحداث المزيد من الانشقاقات في أوساط القوى القومية واليسارية ولعب آل سعود دورا في تكريس تلك الخلافات عبر شراء مواقف البعض والإغداق بالأموال ودس الفتن ونقل المعلومات المضللة لأطرافه..!!
وفيما كان المتصارعون يعبرون عن قناعتهم ومصالح الحزبية، كان نظام آل سعود ينطلق من المثل القائل (فخار يكسر بعضه) والهدف هو التشكيك حد التنكيل بالوعي القومي والأفكار الثورية في رغبة لإثبات فشل الجميع وفشل أفكارهم وقناعتهم ومشاريعها الوطنية والقومية ، وفعلا كانت (نكسات العمل القومي) بدءاً من إسقاط وحدة مصر وسورية إلى أحداث اليمن وأزمة مصر مع نظام عبد الكريم قاسم في العراق ثم الوضع الفلسطيني وتداعياته وصولا لنكسة حزيران 1967م التي منحت نظام آل سعود أملا في استعادة زمام المبادرة للهيمنة على القرار العربي.. الإسلامي، وزعامة( ال سعود) للعرب والمسلمين فعل يندرج في سياق المستحيلات لأن هذا النظام غير مؤهل تاريخيا ولا حضاريا ولا جغرافيا وليس لديه أدنى المقومات للقيام بهذا الدور غير أن الرغبة الاستعمارية كانت تتطلع لذلك..!
ومع ذلك ذهب نظام (آل سعود) مستغلا الطفرة المادية التي جلبها النفط لاستقطاب (الجماعات الدينية بكل أشكالها) وجعلها في خدمته ولتحقيق أهدافه مستغلا رعايته للمشاعر المقدسة وثروته من عائدات النفط، ولم يتردد في استقطاب رموز مهمة في المكونات القومية واليسارية ممن اختاروا التوجه نحو (الليبرالية) واتخذ منهم (مستشارين) وزعهم على العديد من مؤسساته الثقافية والفكرية والتعليمية، وفي وسائل الإعلام، وتحت تأثير الإغراءات المادية وحياة الترف انخرط كثيرون في خدمة هذا النظام وشيوخ النفط..!
ومنذ العام 1970_حتى اليوم ونحن في عام 2023م ولا يزال هذا النظام يسعى جاهدا لتحقيق أهدافه ومع ذلك فإن مسار التاريخ يقف ضد رغباته رغم كل ما قام به في سبيل الوصول لهذه الغاية وفي المقدمة القضية العربية الفلسطينية والثورة والمقاومة والتكامل العربي والأمن القومي العربي أهداف ضحى بها نظام آل سعود وتنكر لها وأنكرها، وآخر جرائمه كان التنكر للمقاومة العربية في فلسطين واعتبارها (إرهابية) ورعاية اتفاقية (التطبيع مع العدو) والتآمر على (لبنان والمقاومة اللبنانية) إلى التآمر على سورية باعتبارها آخر القلاع القومية والحاضنة للمقاومة والقضية، ودوره في أحداث ليبيا والعدوان على اليمن وإحكام الحصار حوله، وتحويل (إيران) إلى (عدو للأمة) بدلا عن( الصهاينة) الذين أصبحوا وفق رؤية وقناعات هذا النظام (صديق وشريك)..؟!
بيد أن وهم زعامة العرب والمسلمين- وهو الاعتقاد الذي زرعه في ذاكرة آل سعود المستعمر الأجنبي الذي أوجد هذا الكيان وساعده على تحديد نطاقه الجغرافي وتوسعه بالحيل والخديعة والحرب، ثم عمل على رعايته وتطوره الهلامي ليمكنه من القيام بدوره في تطويع إرادة العرب والمسلمين وإخضاعهم لمنطق أعدائهما من خلال المال واستغلال الظروف الاقتصادية، وهذا ما يقوم به النظام السعودي اليوم ، الذي للأسف سيفشل كما فشل رعاته من المستعمرين في الوصول إلى ما يتطلع إليه من زعامة الأمة وقيادة العالم الإسلامي، لأن هذه المكانة الحضارية المتقدمة لا يمكن أن يقوم بها نظام عضوي كنظام آل سعود، الذي مهما امتلك من القدرات المادية وامتلك من عوامل التطور والتقدم يبقى أعجز من أن يتأهل لدور ريادي كقيادة المسلمين أو زعامة الوطن العربي، لأنه لا يملك من مقومات الزعامة والريادة الحضارية ما يؤهله لهكذا دور حلم به مؤسس نظامهم وفشل، وحلم به (ملكهم فيصل) وفشل، وحاول (فهد) ولكنه أكثر من كشف (عورات أسرته) وفشل، وها هو اليوم (ابن سلمان) يحاول وبكل غرور وغطرسة أن يصل إلى ما لم يصل إليه (جده وأعمامه) ولكنه يعيش اليوم حالة (احتضار الفشل) وأعتقد أن فشل (ابن سلمان) سيكون المسمار الأخير في نعش هذا النظام الوظيفي رغم حركاته( البهلوانية) التي تمتد بين واشنطن، ولندن، وباريس، وموسكو، وبكين، ويحاول استغلال المناخ القومي والدولي لتسجيل (ماركة) خاصة به، لكنه سيفشل حتما، لأنه هو الآخر جاء من ذات (الإسطبل) الذي جاء منه أسلافه، وان حاول هو أن يتميز بارتداء رداء مغاير لما اعتاد أن يرتديه أسلافه، ويحاول تقديم نفسه بصورة حضارية تناسب المرحلة، متجاهلا أن الأدوار الكبيرة والمؤثرة لا تأتي بها القدرات المادية ولا تأتي عبر انفتاح (المؤخرات) وإغلاق (العقول) وإجدابها..!
في المحصلة هذا النظام يؤدي دورا وظيفيا لخدمة أعداء الأمة وهو بالمناسبة أخطر بكثير من (الكيان الصهيوني) وبالتالي ليكن كل عربي وكل حر على ثقة بأن فلسطين لن تتحرر والأمة لن تتكامل ولن تشعر بالاستقرار، ولن تحقق تطورها وتقدمها طالما ظل (نظام آل سعود) قائما ومتسلطا على جغرافية نجد والحجاز ومسيطراً على مقدسات المسلمين..!