رفع من مخاطر اندلاع حرب مباشرة مع الغرب ومحوها
بوتين يعلق مشاركة روسيا في معاهدة “ستارت ” ويكشف وقاحة واشنطن بتغيير النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية
خبراء لا يرجحون عودة روسيا للعمل مع أمريكا على تمديد خفض الأسلحة الهجومية الاستراتيجية
الثورة / محمد الجبري
أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس الثلاثاء خلال خطابه أمام الجمعية الفدرالية الروسية ا عن تعليق مشاركة روسيا في معاهدة “ستارت” وشدد على أن روسيا “لا تنسحب” من المعاهدة، لكنها “تعلق مشاركتها”.
وخلال خطابه كشف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إن الولايات المتحدة حاولت كسر النظام العالمي الذي تم بناؤه بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك بهدف تعزيز هيمنتها حول العالم.
وأضاف بوتين : “إنَّ الأمريكيين بعد انهيار الاتحاد السوفيتي سارعوا إلى بناء عالم على الطراز الأمريكي لا يوجد فيه سوى سيد واحد”.
وأوضح الرئيس الروسي “أن الولايات المتحدة من أجل ذلك قامت بوقاحة في تدمير جميع أسس النظام العالمي، التي تم وضعها بعد الحرب العالمية الثانية لشطب تراث يالطا وبوتسدام وأنه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، تحاول واشنطن ترسيخ هيمنتها العالمية “متجاهلة مصالح روسيا الحديثة والدول الأخرى أيضا”.
وخلال حديثه أمام الجمعية الفيدرالية علق بوتين حول مؤتمر ميونيخ قائلاً كانت هناك تصريحات لا نهاية لها حول روسيا؛ لجعل الجميع ينسون ما فعله الغرب في العقود الأخيرة- بترك المارد يخرج من القمقم- بإغراق مناطق بأكملها في الفوضى”.
وأوضح الرئيس الروسي قائلا: “إن نتيجة الحروب التي شنتها الولايات المتحدة بعد عام 2001م، مات ما يقرب من 900 ألف شخص، وظهر أكثر من 38 مليون لاجئ.. كل هذا وهم يحاولون الآن محوه من ذاكرة البشرية. يتظاهرون أنه لم يحدث شيء. لكن لا أحد في العالم قد نسي ذلك ولن ينسى”.
وأكد الرئيس بوتين أن الغرب هو من بدأ الحرب و”نحن حاولنا ونحاول إيقافها، ولكن الغرب كان يلعب بأوراق مختلطة ويحتفل بخيانته فهو معتاد على البصق على العالم كله”.
وكشف الرئيس الروسي أهداف روسيا تختلف تماماً عن أهداف الغرب وأن روسيا تدافع عن نفسها وعن شعبها وبلدها أما هدف الغرب فهو الهيمنة المطلقة.
ولفت إلى أن الغرب لا يخفي هدف إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا والقضاء عليها إلى الأبد، إنه يعني تدميرنا مرة واحدة وإلى الأبد، ويعتزمون بنقل النزاع المحلي إلى مرحلة المواجهة العالمية”.
وفيما يتعلق بالعملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا أكد بوتين أنه “كلما زاد مدى إطلاق الأسلحة الغربية التي ستقدم إلى أوكرانيا، سنضطر إلى إبعاد التهديد بعيدا عن حدودنا. وهذا أمر طبيعي”.
وأضاف الرئيس الروسي: “لقد كنا منفتحين ومستعدين بصدق، لإجراء حوار بناء مع الغرب، وأصرينا على أن كلا من أوروبا والعالم بأسره بحاجة إلى نظام أمني متكامل غير قابل للتجزئة ومتساوٍ لجميع الدول، واقترحنا لسنوات عديدة، أن يناقش شركاؤنا هذه الفكرة معا والعمل على تنفيذها، ولكن روسيا تلقت مقابل ذلك “رد فعل غير واضح أو نفاق”.
من جهته قال نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، دميتري مدفيديف، إنه من خلال تعليق روسيا مشاركتها في معاهدة ستارت، حصلت الولايات المتحدة على ما تستحقه جراء سياستها المعادية لروسيا.
وأضاف مدفيديف: “لقد حصلت الولايات المتحدة على ما تستحقه من خلال سياستها الغبية المعادية لروسيا، أي تعليق ستارت. لا يمكنك محاربة روسيا، وتتظاهر بأن كل شيء يسير كالعادة فيما يخص الاستقرار الاستراتيجي”.
الرد الأمريكي
من جانب أخر أعرب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن عن أسف بلاده لقرار روسيا تعليق مشاركتها في معاهدة “ستارت الجديدة “، لكنه شدد على أن واشنطن ما زالت “مستعدة” لمناقشة القضية.
وقال بلينكن إنه “في السنوات الماضية انتهكت روسيا اتفاقيات رئيسية لمراقبة الأسلحة وتخلت عنها”، مؤكدا “أننا نظل مستعدين للحديث عن قيود الأسلحة الاستراتيجية في أي وقت مع روسيا، بغض النظر عن أي شيء آخر يحدث في العالم أو في علاقتنا”.
يذكر أنه تم التوقيع على تلك المعاهدة بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية بشأن زيادة تخفيض الأسلحة الهجومية الاستراتيجية والحد منها في 3 يناير 1993م، والمعاهدة هي مذكرة تفاهم بشأن تسجيل الرؤوس الحربية والبيانات الخاصة بالقاذفات الثقيلة، وبروتوكول بشأن الإجراءات التي تحكم القضاء على الصواريخ الباليستية الثقيلة العابرة للقارات.
كما تم التوقيع على الاتفاق بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية بشأن التدابير الرامية إلى زيادة خفض الأسلحة الهجومية الاستراتيجية والحد منها في 8 أبريل 2010م في براغ بجمهورية التشيك، والتي حلت محل معاهدة “ستارت” القديمة لعام 1991م، وعند دخولها حيز التنفيذ، حلت محل معاهدة تخفيض الأسلحة الهجومية الاستراتيجية لعام 2022م. وفي أوائل عام 2021م، اتفقت موسكو وواشنطن على تمديد المعاهدة لمدة 5 سنوات.
خبراء وسياسيون
يرى المحلل السياسي والأستاذ المساعد في قسم النظرية السياسية في معهد موسكو للعلاقات الدولية التابع لوزارة الخارجية الروسية إيفان تيموفييف، تعليقا على ما أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس بتعليق مشاركة روسيا في معاهدة الحد من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية “ستارت”، حيث تابع تيموفييف أن المعاهدة سوف تستمر في العمل، إلا أن فترة سريانها ستنتهي قريبا، وحقيقة أن روسيا تعلق مشاركتها فيها تعني أنها لن تعمل مع الولايات المتحدة الأمريكية على تجديدها بعد انتهاء صلاحيتها.
وقال الخبير: “أعتقد أننا قد نواجه احتمال صنع أسلحة نووية لجميع الدول الخمس بطريقة أو بأخرى”، مشيرا إلى أن ذلك كان متوقعا، حيث أن هناك “تآكلا في نظام الحد من التسلح بشكل تدريجي، فيما بقيت معاهدة “ستارت” في الواقع المعاهدة الرئيسية الوحيدة في هذا المجال، ومن ثم كانت هناك صعوبات في تنفيذها، حيث كانت هناك مشكلات مع آليات التفتيش.
من جانبه أشار المحلل السياسي الروسي ألكسندر نازاروف إلى أن الخبر المهم في خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم أمس حول تعليق مشاركة روسيا في معاهدة “ستارت”.
جاء ذلك في منشور له بقناته الرسمية على تطبيق “تليغرام”، حيث تابع نازاروف أن بوتين “لم يكشف أبدا عن خططه، بما في ذلك في مثل هذه الخطابات”، وقال إن القنوات التلفزيونية الروسية أخطأت بتضخيم التوقعات بشأن هذا الخطاب، ولم يتلق المشاهدون الوضوح الذي كانوا ينتظرونه.
من ناحية أخرى، أكد الخبير الروسي أن تعليق روسيا مشاركتها في معاهدة الحد من الرؤوس النووية الهجومية الاستراتيجية هو الخبر الأهم في خطاب اليوم، حيث كان لدى الاتحاد السوفيتي في ذروته أكثر من 41 ألف رأس نووي، وهو عدد أكثر مما تملكه جميع القوى النووية مجتمعة (كان لدى الولايات المتحدة الأمريكية 23 ألفاً و400 رأس نووي)، وفي عام 1990م، وفقا لنازاروف، ظل لديه أكثر من 10 آلاف و500 رأس نووي.
الآن أصبح لدى روسيا 4300 رأس حربي في مخزونها النووي، منها 1500 جاهزة للاستخدام، وهي كافية لضرب الأهداف العسكرية الرئيسية للغرب، ولكن ليس لتدمير الغرب كحضارة.
وتابع نازاروف: “لقد رفع بوتين اليوم من المخاطر، وأوضح أنه في حالة اندلاع حرب مباشرة بين الغرب وروسيا، فإن دول الغرب ستدمر تماما، وتمحى من التاريخ”.
واعتبر الخبير أنه “لا يزال هناك احتمال نظري بأن روسيا سجلت ببساطة التغيير الذي حدث بالفعل، أي أنها من الآن فصاعدا ربما لا تبدأ في زيادة عدد الرؤوس الحربية، لكن لديها بالفعل عدد أكبر من الرؤوس الحربية الجاهزة، والمركبات لإيصالها”.
ويرى نازاروف أن روسيا، من حيث المبدأ، تمتلك عددا كبيرا من الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، ويمكنها زيادة عدد الرؤوس الحربية النووية إلى عشرات الآلاف في غضون سنوات قليلة.
وفي الأخير أكد الخبير الروسي في حديثه بأن ذلك يمكن أن يؤثر على الوضع على الجبهات فقط حال “استعاد الغرب رشده، وأوقف إمداد أوكرانيا باسلاح”، إلا أنه عبر عن رأيه بأنه “يشك في ذلك”، وصرح بأنه يعتقد أن تسليح الغرب لأوكرانيا سوف يستمر.