رحلة إلى السماء

عبد الله الجرادي

 

 

من أين أبدأ في الحديث فمهما كتبت من عبارات تعد قاصرة، وأشعر بالتقصير في اختيار العبارات وترتيبها، فلا كلام يوافي مقامك ولا مقال يوفي، ففي ذكراك سيدي يعجز تعبيري وكلامي فلا أدري ماذا أكتب.
فمهما كتبت فإني لن أوفي حتى إن فكري ولساني وكلامي وحروفي تخجل وتنحني أمام عظمتك التي جسّدت فيها معنى الإنسانية، وجسّدت فيها معاني الرجولة التي تجلت فيها أسمى آياتها العظيمة، فالحديث عنك هو حديث عن السمو في أمثلته العليا بل هو حديث عن القرآن التي تتجلى بصائره وبيناته من خلاله وهو حديث عن التضحية والفداء في سبيل الله من أجل دينه ونصرة للمستضعفين، إنه باختصار حديث عن العظماء الذين قل أن يجود بهم الزمان.
تكلمت وصرخت بصرختك المدوية في زمن قد استفحلت فيه كل قوى الاستكبار، من كان يجرؤ أن يتكلم وأمريكا ترتكب أبشع الجرائم في أفغانستان والعراق، فصدعت بالحق حينما سكت الآخرون، انتقلت بكل من ينتمي إلى مشروعك من وضعية سيئة إلى واقع مميز مستبصر واعٍ.
صرخت وقلت أصرخوا وستجدون من يصرخ معكم في مرحلة كانت الأمة مكبلة بالهزيمة النفسية، واستحكام الخنوع والاستسلام نتيجة التضليل الإعلامي والنشاط التعليمي والتثقيفي، فصرخنا ووجدنا من يصرخ معنا وكسر حاجز الخوف والصمت، فكانت نقله بواقع الأمة وسلاحاً موقفاً.
صنعت أمةً من خلال القرآن الكريم، أمةً عزيزةً كريمةً مؤمنةً منشدةً إلى دينها وهويتها الإيمانية، وعرفت من هي ومن هو عدوها، ووضحت لها المخاطر وقدمت لها الحلول وما يجب أن تكون عليه في مواجهة التحديات والأخطار.
فكنت ولازلت بحق باعث الجيل من بين ركام الذل والخنوع والجمود والتيه والضياع إلى جيلٍ شامخٍ يعشق الجهاد والاستشهاد والاستعداد للتضحية لا يقبل الاستسلام ولا يرضى الذل والخنوع والهوان ثابتاً صامداً على خطاك فاستمر نهج حياتك في وجدان يمن الإيمان والحكمة .
تحركت بمشروعك القرآني ضد المشروع الأمريكي الصهيوني، فواجه الحروب الثقافية والإعلامية الصهيونية وأفشلها، وكشف زيفهما وخداعهما وتضليلهما؛ فما كان منهما إلا أن تحركوا ضد هذا المشروع عسكرياً وعن طريق أوليائهم بحروب شاملة، يحاولون بكل وسيلة إطفاء نور الله ومنع وصول هذا النور إلى الأمة إلا أن إرادة الله كانت هي الغالبة وإرادته هي المنتصرة: {وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} وكلما شنوا عليه حرباً أكبر انتصر وتوسع وظهر بإرادة الله وتأييده، ولا زال حتى الآن يواجه المشروع الأمريكي الصهيوني وينتصر ويتَّسِع ليكون الأمل لهذه الأمة، وأصبح الشعب اليمني بتمسكه به القدوة لكل الشعوب المستضعفة والتواقة إلى التحرر والحرية وتبين من خلال الأحداث والشواهد أن هذا المشروع هو حق وأنه الذي فيه الخير للأمة وأن الأمة بحاجة إليه مهما كانت الظروف والتحديات والأخطار ومهما كانت التضحيات.
أرادوا طمس ذكرك فرحلت إلى وجدان هذا الشعب قتلوك فأحيوك فأنت موجود في أفكارنا ومشاعرنا بل أصبحت قبلة لكل الأحرار والمستبصرين فأينما تولي بوجهك ترى حسينيين أباة الضيم أبطالاً شجعاناً لم يتراجع الواحد منهم قيد أنملة، ثابتين ثبات الجبال الرواسي لا يخافون في الله لومة لائم .
إذاً فأنت حاضر في موقعك في القدوة والقيادة والهداية نستوحي منها قوة الإيمان والثقة العالية الواعية بالله والصبر والثبات والبذل والعطاء والتضحية والبصيرة لمقارعة الطغاة والمجرمين.
بنيانك موجود في وجدان الشعب اليمني بإحياء روح المسؤولية والروح الجهادية حيث استطاع الصمود والثبات والتصدي لأعتى عدوان تاريخي تكالبت فيه كل قوى العهر والطغيان، عدوان شامل تكالبت فيه كل قوى الشر والاستكبار وعلى مدى ثمان سنوات، وهذا كله هو امتداد ونتاج جهودك.
وانطلقت في هذا المشروع القرآني النهضوي الاستقلالي المتحرر لمواجهة هذه الأخطار التي طغت ومنذ ذلك اليوم من أول لحظة تحركت بها في هذا المشروع ضمن هذه القضية العادلة وإلى حين استشهادك، ومنذ استشهادك وإلى اليوم على مدى واحد وعشرين عاما كل الأحداث كل المتغيرات كل المواقف تمثل شواهد ودلائل على ضرورة هذا التحرك وعلى ضرورة هذا الموقف، وأنه لا مناص لنا لا خيار لنا كشعوب في مواجهة هذا الخطر، إلا بتحمل المسؤولية.
الحديث يطول ويطول عنك وعن مشروعك العظيم.. وختاماً نقول: نم قريرَ العين ودُمْ خالد الذكر يا تاج الأمة وعنوان عزها ومجدها ياسِبطَ النُّور، فقد بنيت أمةً قويةً عزيزةً شامخةً أحييتها بدمائك الطاهرة الزكية وبثقافة الجهاد والاستشهاد وستبقى رمزا وقائداً للشعب اليمني في مواجهة العدوان جيلا بعد جيل، فصار اليمن بك أمة يخشى الأعداء أمرها.
فجزاك الله عنّا خير الجزاء يا سيدي السلام عليك يوم سارعت إلى رفع الصرخة في وجه المستكبرين السلام عليك يوم وقفت شامخاً في وجه الطغاة والمجرمين لم تتزلزل ولم تركع..
وهل مثلك يركع إلا لله .. وهل مثلك يخشى إلا من الله .
والسلام عليك حين ولدت وحين استشهدت ويوم يقوم الأشهاد .

قد يعجبك ايضا