نادرون هم الحكماء في كُـلّ عَصر ومصر وأندر منهم القادةُ الحكماء.
فما أكثرَ القادة بين البشر ولكنهم بلا حكمة ضلوا وأضلوا وانحرفوا بمن خلفهم وشذوا وقلما يظهر في قوم قائد حكيم فالحكمة نعمة عظيمة وتكون أعظم حينما تجتمع مع القيادة في رجل قوي الإيمَـان والبصيرة، ومن اجتمعت في شخصيته القيادة والحكمة فهو بلا ريب عظيم من العظماء ولذلك وصف الله الحكمة بالخير الكثير وبيّن سبحانه وتعالى أنه يؤتيها من يشاء من عباده، اصطفاءً واستحقاقا، فهل تدركون دلالة وصف الله للحكمة بـ “خيرٍ كثيرٍ”؟
فالحكمة سلعة نادرة لا ينالها إلا قلة قليلة جِـدًّا من البشر هم الخَاصَّة من عباده وأوليائه، والشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي، هو واحد من خَاصَّة عباده آتاه الله الحكمة ووهبه العلم الوافر والقيادة الإيمَـانية، فتحَرّك بالحكمة ونشر العلم والهدى وبدد ظلمات الجهل من العقول، فانجذبت القلوب إلى لين منطقه ونور كلماته وصواب مقاصده وسمو غايته، فقادها في مسيرة حق قرآنية، وعلمها ثقافة مشروع عظيم، أذهب عنها رجس الشيطان، وبدد عنها ظلمات تجهيل السلطان، وأعادها إلى نهج الرحمن.
وبالحكمة التي آتاه الله إياها تحَرّك إلى الناس قبل أن يتحَرّكوا إليه، وبالحكمة ذاتها حمل مسؤوليته أمام الله وقام بأدائها على الوجه الأكمل فقصدهم بهدى الله وأحب الخير لهم لا يريد منهم جزاء ولا شكوراً بل تقرباً لله وسعياً إلى مرضاته وخشيةً من تفريطه وتقصيره.
فأقبل عليه القلة من ذوي القلوب اللينة والفطر السليمة، وأدبر عنه الغالبية العظمى خوفاً من الطغاة وتخوفاً على مصالحهم فما يئس ولا قنط، بل زاد عزماً وإصراراً فثار عليه الباطل بجحافله وجيشه وأسلحته ومعداته، وتحَرّك بكل قوته ليسكته عن الحق، وبتلك الحكمة نفسها زاد الشهيد القائد -رضوان الله عليه- قوةً وإيمَـاناً وعزماً وإصراراً على مواجهة قوى الباطل الكبيرة بشجاعة الحق الذي هو عليه وببسالة القلة من أنصاره الذين نهلوا من علمه وبيانه وشربوا من حكمته وإيمَـانه، وبتلك الحكمة أَيْـضاً هدّدوه فما وهن، وأغروه فما قبِل، وساوموه فما تنازل، وحاربوه فما استكان، وحاصروه فما استسلم.
وبالحكمة نفسها جاهد الباطل وصارع الطغاة وقارع طغيان يزيد العصر، وصنع كربلاء القرن الواحد والعشرين ليحيي كربلاء القرن السابع، وانتصرت دماؤه الزكية على جبروت يزيديي العصر. كما انتصرت دماء الحسين السبط -عليه السلام- على جبروت يزيد ذلك العصر.
وأحيا بحكمته أُمَّـة كانت على وشك الموت، وأسس بحكمته مشروعاً لها أنار ظلمات جهلها ودروبها، ففاقت من غفلتها وخرجت من سكرة جهلها وتحَرّكت على نهج مسيرة الحق المبين التي أفرغ عليها من حكمته الحظ الوافر فكان نصيبها، وكان له الحكمة، وكان لها ثمارها، وهو ما فسره الشهيد القائد -رضوان الله عليه- للإنسانية بموقفٍ جسده في مسيرته، وبين من خلاله معنى وصف الله سبحانه وتعالى الحكمة بالخير الكثير؛ لأَنَّ خيرها لا يقتصر على من أوتيها بل يفيض على أُمَّـة بكلها إن هي نهلت منها واستجابت لصاحبها، فإن هي فعلت قطفت ثمارها هدى ونوراً، وذاقت حلاوتها قوةً ونصراً، وهذا ما يعيش الشعب اليمني في كنفه اليوم من العزة والكرامة والفخر والاعتزاز بالقائد الشهيد السيد حسين بن بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه-، هذه الحقيقة تقودنا إلى إدراك الأهميّة القصوى للالتفاف حول قائدنا وسيدنا السيد عبدالملك -يحفظه الله ويرعاه- وموالاته واتباعه وشكر الله على نعمة القيادة الصالحة والحكيمة التي خصنا الله بها دون غيرنا، فصرنا أعزاء في زمن الخنوع، وأقوياء في زمن الضعف، فقد آتاه الله الحكمة كما آتاها أخاه من قبل، فلا ابقانا الله إن خذلناه، ولا اعزنا إن عصيناه.