لصوص فبراير

يكتبها اليوم / عباس السيد

 

 

أكثر من عشر سنوات مرت على ثورات الربيع التي بدأت في تونس ثم انتشرت في عدد من البلدان العربية منها بلادنا اليمن التي تمر اليوم الـذكرى الثانية عشرة لثورة الـ 11 من فبراير 2011 . لم تكن الثورة حالة ترفيه ، أو قراراً متسرعاً … فقد كانت ثورات الربيع العربي ضرورة حتمية وملحة ، صحيح أنها قامت بدون برامج أو خطط ، وبدون قيادات أو مرجعيات على غرار الثورات التي قامت بها النخب العسكرية في المنطقة العربية خلال حقبة الستينيات ، خروج الملايين في العواصم والمدن العربية كان عفوياً بدوافع النقمة على الظلم والكبت والقهر والتسلط وانتشار البطالة وصعوبة الأوضاع المعيشية ، وكانت نتيجة لتراكم مشاعر الألم في الوعي الجَمْعي للشعوب جرّاء الذلّ والتخلُّف ، وهي أيضاً حصيلةَ عقودٍ من الهزائم والخيانات وسياسات الفشل الذريع.
ولأن الأوضاع في اليمن كانت هي الأسوأ بين كل دول الربيع العربي ، فقد كانت حاجة اليمنيين إلى التغيير أكثر إلحاحاً، قبل أن يندس فيها اللصوص ويركب موجتها الانتهازيون ، وسخَّروا كافة إمكانياتهم المالية والعسكرية والإعلامية التي راكموها خلال عقود من مشاركتهم في السلطة لتوجيه ثورة الشباب ومن ثم السيطرة عليها وسرقتها .
كان حماس الشباب ومطالبهم تعكس طموحاتهم إلى إحداث تغيير شامل لا يقتصر على رحيل صالح وإسقاط نظامه ، بل يشمل كل مراكز النفوذ والمكونات التي كانت شريكة في السلطة والمستفيدة منها ، بما فيها من كانت تدعي المعارضة ، مع أنها لم تكن سوى وجه آخر للسلطة كحزب الإصلاح بتكويناته الآيديولوجية والجهادية والعسكرية والقبلية .
شعر الإصلاح وبقية ما كانت تُعرف بـ “أحزاب المشترك” بأن ثورة الشباب لن تتوقف عند صالح وسلطته ، ولم يكن أمامهم سوى ركوب موجة الثورة من خلال الدفع بأنصارهم إلى الساحات . وحاولوا توجيه ثورة الشباب بداية بالسيطرة على منصات الساحتين الأبرز ـ ساحة التغيير في العاصمة صنعاء ، وساحة الحرية في تعز ـ وكذلك مهام التفتيش في مداخل الساحات .
تزاحمت الشعارات والرموز وتضاربت الرؤى والأفكار والمواقف وكانت الاختلافات حول تسمية أيام الجمعة تبدأ من يوم الأربعاء ، وقد كان يرفع في كل جمعة عنوان سياسي محدد وغالباً ما كان ناشطو الإصلاح يفرضون ما يريدون بالنظر إلى إمكانياتهم .
وعلى سبيل المثال رفضوا تسمية إحدى الجمع بـ “جمعة التضامن مع صعدة “ ، وقامت حراسة مداخل الستين بسحب الملصقات والكروت التي تضمنت العنوان من أيدي المصلين .
لم يكن ذلك كافياً لتوجيه الساحة ، وكان لا بد من خطوة تالية للسيطرة ، وقد كانت استثماراً مشبوها لما عُرف بـ “مجزرة الكرامة ، أو جمعة الكرامة “وهي المجزرة التي راح ضحيتها نحو ستين من شباب ساحة التغيير برصاص قناصة تمركزوا في المباني المطلة على الساحة في الـ 18 من مارس 2011 ، أي بعد نحو خمسة أسابيع من عمر ثورة الشباب .
بعد يومين من المجزرة ، أعلن الجنرال علي محسن- قائد الفرقة الأولى مدرع المطلة على الساحة والذراع العسكري لحزب الإصلاح، انضمامه إلى ثورة الشباب ووعد “بحماية الشباب في الساحة وثورتهم” . تم توجيه الاتهام لصالح دون تقديم أدلة ، على الرغم من تمكن الشباب من القبض على بعض الجناة واقتيادهم إلى معسكر الفرقة للتحقيق الذي اختفى مع الجناة .
كانت “مجزرة الكرامة” بمثابة حصان طروادة ، سيطر من خلالها الإصلاح عسكرياً على الساحة والثورة ، وكانت عناصر الفرقة تجوب الساحة ليلاً ونهاراً ، تتحرش بالبعض ، تقمع ، تفتش الخيام ، وتعتقل ناشطين ، وتحدد مواعيد الدخول ..
أصبح صوت الإصلاح في ساحة التغيير بالعاصمة هو الأعلى ، لكن ساحة الحرية في مدينة تعز ظلت خارج السيطرة ، وقد كانت متميزة بأنشطتها وفعالياتها وأكثر جرأة في مطالبها ومواقفها ، حتى أنهم خصصوا جمعة باسم الرئيس الحمدي ، وهذا مالم يُسمح به في ساحة التغيير بالعاصمة . كما سعوا إلى فرض طموحاتهم في دستور جديد شكلوا لجاناً لصياغته داخل خيام الساحة .
كان الإصلاح وحلفاؤه في الخارج يرون أن ساحة الحرية بتعز تشكل خطراً على مخططاتهم ويجب إسكاتها بأي وسيلة ، فكانت “محرقة الساحة “ في الـ 29 من مايو 2011 ، بعد حوالي سبعين يوماً من “مجزرة الكرامة” في صنعاء .
قُتل نحو 13 شخصاً، وأُحرقت 500 خيمة في الساحة ، وجرى تنظيفها من كل محتوياتها . واكتنف الغموض ملابسات الجريمة والجناة ، كما هو الحال في جريمة صنعاء . وبنفس الطريقة تم عسكرة الساحة بحِجَّة حماية الثورة ، ومَنع “ حُماة الثورة “ الشباب من العودة إلى الساحة التي تحولت إلى مكان لصلاة الجمعة . وانتقلت الثورة إلى عهدة الشيخ حمود سعيد وطارق سرحان، وكلاهما تابع للشيخ حميد وعلي محسن اللذين يسيطران على ساحة صنعاء . تحولت ثورة الشباب إلى مجرد “ أزمة “ بين جناحي السلطة في صنعاء ، تكفلت السعودية بتسويتها عبر “المبادرة الخليجية”، اقتسم الطرفان السلطة ، وعادت حليمة إلى عادتها القديمة ، وكأنك يا بوزيد ما غزيت .
وحدهم “أنصار الله “ لم يبرحوا الساحات ، ولم يقبلوا بالمبادرة ، استمروا في الساحات حتى تمكنوا من استعادة الثورة المسروقة ، ولا يزالون يقدمون التضحيات لحمايتها من لصوص الداخل والخارج.
aassayed@gmail.com

قد يعجبك ايضا