يفترض بنا ألا نترك مساحات فارغة حتى يتحرك فيها العدو فتصبح اليمن بلا هوية حضارية ولا تاريخية ولا ثقافية
الأديب عبدالرحمن مراد – رئيس الهيئة العامة للكتاب: ندير اليوم معركتنا الثقافية مع العدوان وهي أشد ضراوة من الحرب العسكرية
الدوائر الغربية تقول إن حربهم مع المسلمين حرب أفكار، ولذلك يستهدفون الأفراد والجماعات حتى يعمقوا الفراغ الثقافي
الجدل الذي حصل حول البردوني مكايدة سياسية بحتة، أما “دم الحسين.. الثورة والوطن” ليس ديواناً شعرياً وإنما هو عنوان لعدد من المقالات
أوضح الأديب عبدالرحمن مراد – رئيس الهيئة العامة للكتاب أننا اليوم ندير معركتنا الثقافية مع العدوان وهي أشد ضراوة من الحرب العسكرية، مشيراً إلى ضرورة التحرك في كل المساحات وعلى جميع الأصعدة، وعدم ترك مساحات فارغة يتحرك فيها العدو فتصبح اليمن بلا هوية حضارية ولا تاريخية ولا ثقافية.
وأشار في حوار أجريناه معه إلى أن الحراك الثقافي مازال يقاوم عوامل الفناء التي يرغب العدوان أن نصل إليها، والنشاط الثقافي ما يزال مستمرا رغم العوائق وانعدام الإمكانات، كما أن حركة النشر ماتزال مستمرة، وهي تدل دلالة قطعية على أن المجتمع الثقافي في صنعاء ما يزال حياً وقادراً على العطاء، فقد شهد الواقع صدور ما يزيد عن (500) عنوانا توزعت على مختلف فنون الفكر والأدب والثقافة.
واستعرض مراد العراقيل التي تواجه نشاط الهيئة، فعلى الرغم من صدور توجيهات رئاسية بتحسين وضع الهيئة في النفقات التشغيلية إلا أن هناك صعوبة كبيرة في تنفيذ التوجيهات، ولم يتم تنفيذها إلا لمرة واحدة فقط في الفترة من «يناير -مارس 2022م»، متطرقاً إلى الضجيج الذي حصل بسبب طباعة الهيئة لديواني البردوني «رحلة ابن شاب قرناها» و«العشق في مرافئ القمر»، وأن ذلك يأتي ضمن المماحكات السياسية، فإلى التفاصيل:
حوار/ خليل المعلمي
بداية كيف تنظرون إلى الحراك الثقافي وحركة النشر في اليمن؟
– أعتقد أن الحراك الثقافي مازال يقاوم عوامل الفناء التي يرغب العدوان أن نصل إليها، النشاط الثقافي ما يزال مستمرا رغم العوائق وانعدام الإمكانات، نحاول قدر الإمكان أن تستمر الحياة الثقافية في صنعاء وفي غير صنعاء، ونتفاعل بشكل دائم مع المناسبات الثقافية العالمية وهذا في نظري في ظل الظروف التي نعيشها حالة متقدمة على الواقع.
أقمنا في الهيئة مناشط متعددة خلال العام المنصرم، أحيينا عدداً من الفعاليات منها إحياء ذكرى عدد من الشعراء وتفاعلنا مع مناسبات عالمية كيوم اللغة العربية، وحاولنا في الهيئة طباعة ثمانية عناوين في ظل ظروف بالغة التعقيد، وقد سهر العالم عليها واختصموا واتخذوا من بعض ما أنجزنا مادة للمزايدة والحرب التي أعلنوها على اليمن.
نحن اليوم ندير معركتنا الثقافية مع العدوان وهي معركة تبدو أشد ضراوة من الحرب العسكرية، لأنها تعمل على تفكيك البنية الثقافية، وتعمل على تجزئة الهوية الوطنية الكلية، وتتخذ منها سلماً للوصول للهزيمة التي عجزوا عن تحقيقها في الجانب العسكري.
بالنسبة لحركة النشر كيف تقيمونها؟
– حركة النشر ماتزال مستمرة، وهي تدل دلالة قطعية أن المجتمع الثقافي في صنعاء ما يزال حياً وقادراً على العطاء، فقد شهد الواقع صدور ما يزيد عن (500) عنوان توزعت على مختلف فنون الفكر والأدب والثقافة، وهو رقم كبير بالقياس إلى الحالة المعيشية والاقتصادية التي عليها المجتمع في ظل ظروف العدوان والحصار وانقطاع المرتبات، فالمجتمع الثقافي ما يزال يقاوم عوامل الفناء بالكلمة الحرة والنبيلة التي ترفض تعويم المصطلحات وعوامل الفناء التي يريدها العدوان لليمن.
بالنسبة للهيئة التي سجلت حضوراً ملفتاً في المشهد الثقافي، وشهدت هجوماً شرساً من المرتزقة الذين باعوا أقلامهم وأفكارهم للعدوان.. كيف تقيم أداءها؟
– الخوض في موضوع تقييم الهيئة هو متروك للمتابعين لحركة ونشاط المشهد الثقافي كوني على رأس هرمها الإداري، لكني أقول إن الهيئة تعمل بطاقة كبيرة وإمكاناتها صفر ريال، كل ما تركناه من أثر كان عبارة عن مبادرات وجهود فردية، تفاعلت معنا القيادة السياسية في الكثير من تلك المبادرات، وقد صدرت توجيهات بتحسين وضع الهيئة في النفقات التشغيلية لكنا نجد صعوبة كبيرة في تنفيذ التوجيهات، هناك عراقيل يضعها الكثير من المعنيين إما بحسن نية أو بسوء نية الله يعلم بالنوايا، لكن أقول وبكل شفافية أن توجيهات الرئيس في تغذية حساب الهيئة لدى البنك المركزي بالنفقات التشغيلية لم يتم تنفيذها إلا لمرة واحدة فقط وهي الفترة من يناير – مارس 2022م، وحتى اللحظة نخوض صراعا مع المعنيين في صندوق التراث والتنمية الثقافية في صرف النفقات وفق توجيهات الرئيس دون فائدة تذكر.
كيف تفسر مثل هذا التعنت من قبل المعنيين في صندوق التراث؟
– التفسيرات متعددة لكن بالنسبة لي لا أجد تفسيرا مقنعا لأني لا أجد إجابة للسؤال القائل لماذا هذا التعطيل؟ ولصالح من؟ في ظل حرب ثقافية يشنها الطرف المرتزق الذي باع فكره وقلمه للعدوان.
ربما سوء تقدير، لأن كل المبررات واهية وليست بحجم التحديات.
تحدثت عن صدور ما يقرب من (500) عنوان.. هذا عدد كبير هل تظن أن هذه الاصدارات تلامس الهم العام؟
– لا.. معظم ما صدر أو قل غالبه يتمحور حول الذات وهو خارج التصنيف، فالذات تشعر بالفناء في ظل العدوان والصراعات، ولذلك فاللغة تتجه إلى الذات، والذات تحاول البقاء خلف اللغة وتعتصم بها خوف الفناء، وهي حالة طبيعية في مثل هكذا ظروف فاليوم –كأًي زمن مشابه له من حيث عدم الاستقرار يقوم الأدب الشعبي بالترويج لمعجم لغوي بديل، هو في حقيقته يقتصر على التعبير عن آراء بسيطة وشائعة ومتداولة بين الناس.
بصفتك كاتب ومحلل سياسي وأديب لك الكثير من الاسهامات.. كيف تقرأ المسار العام للواقع اليمني؟
– ما هو مقروء اليوم لا يشذ عن الحقيقة القائلة أن النشاط العسكري خفت ولم يعد خياراً ماثلاً أمام قوى العدوان، اتجهت الحرب إلى البعد الثقافي، فالحرب أصبحت حرب أفكار، وحرب الأفكار تتطلب جهداً مضاعفاً وحركة ثقافية واعية وقادرة على صناعة التحولات وفي الحقيقة تتطلب فضلاً عن الإيمان بعدالة القضية إلى توفر الإمكانات، والقيادة تدرك هذا الأمر وأعتقد أننا سوف نشهد تحولاً عميقاً في المسار الثقافي، فالمعادلة اليوم إما أن تكون أو لا تكون، وفي المساحة الفاصلة بين الحالين مبادرات واستراتيجيات يفترض ملؤها حتى لا نترك مساحة يتحرك فيها العدو فتصبح اليمن بلا هوية حضارية ولا تاريخية ولا ثقافية، وتضيع التضحيات بدون نتائج إيجابية في موضوع السيادة والكرامة والحرية والاستقلال.
من وجهة نظرك كأديب وكقيادي في المؤسسة الثقافية الرسمية.. ما الذي يعوز المشهد الثقافي الوطني؟
– المشهد الثقافي اليمني غني ومتنوع وضارب بجذوره في حقب التاريخ المختلفة وظاهرة التعدد فيه ظاهرة صحية ومحمودة، لكن يعوزه الاهتمام والتنمية المستدامة حتى يكون أكثر حضوراً وفاعلية، دول الجوار تصنع وجوداً ثقافياً من الصغائر أو من الارتكاز على إرثنا ومن ثم ادعائه، وهم بذلك يملأون فراغا يشتهي الامتلاء، نحن نملك هذا الامتلاء لكننا أهملناه أو نهمله دون وعي منا بأهميته، ولذلك حين يخاف الآخر من اليمن أو من حركة التحولات فيها يلجأ الى إفراغ اليمن من محتواها الثقافي، حدث ذلك في فترة الستينيات من القرن الماضي وقد أطنب البردوني في الحديث عنه في كتابه «الثقافة والثورة في اليمن» وقد حدث مثل ذلك في زمننا الحاضر، حيث سبق المهاد لحالة الانقسام التي عليها الواقع اليوم في مسارين هما: استقطاب الكوادر الثقافية وإغراؤها بالمال والعقود ذات القيمة المادية المرتفعة، وفي شراء المخطوطات وحرقها، وفي إفراغ البنية الحضارية والتاريخية من محتواها الزاخر وتحريف موجهات التاريخ وحرف مساره، هذا العمل ظاهر للعيان ويتم الاشتغال عليه بوتيرة عالية، وحين تنظر إلى الدول التي استهدفت خلال ما يسمى بالربيع العربي تجدها دولاً ذات عمق تاريخي وحضاري، وهذا أمر يتسق مع التوجهات والاستراتيجيات التي ترى أن الحرب مع المسلمين هي حرب أفكار في المقام الأول، وحرب الأفكار تستهدف الفرد والمجتمع حتى تجعله يشعر بالفراغ الثقافي والحضاري والتاريخي، وهو الأمر الذي نشهده في كل معالم وتجليات المرحلة.
ماذا عن الضجيج المثار حول ديواني البردوني اللذين صدرا عن الهيئة وتضمنا مالم ينشر من قبل؟
– بالنسبة لديواني البردوني «رحلة ابن شاب قرناها» و «العشق في مرافئ القمر»، هما ثابتان للبردوني ومن يزايد بنكرانهما كتب خلال عقدين من الزمان يطالب بطباعتهما، ومن أنكرهما أيضا من موقع المسؤولية التي كان عليها أثبتهما أنهما تحت الطبع في الأعمال الكاملة، لذلك فالقضية تقرأ في سياق المماحكات السياسية، هم يشعرون بالهزيمة من التفوق الثقافي، ولم يكن أمامهم إلا المسارعة بالنفي والنكران، والأغرب أن يأتي الإخوان في صدارة من ينافح ويقول بالنكران والنفي في نسبة الديوانين للبردوني، وهم من كفر البردوني في عقد التسعينيات من القرن الماضي، الموضوع الذي اشتغلوا عليه هو الخوف كما قالوا في حملتهم من تمرير مشروع أنصار الله من خلال رمزية البردوني قالوا ذلك صراحة، ولذلك كان النفي حتى يحدثوا قدراً من البلبلة، لكن الذي اشتغل على تعريف الوطنية والعمالة قد حشرهم في زوايا أخلاقية ضيقة وهذا سر الامتعاض، بل قالوا كان الأجدر أن تخرج هذه الأعمال من عندهم.
والحقيقة أن نصف الوطني ونصف العميل لا يستطيع أن يخدم وطنه ولا ثقافة وطنه وقد تجلى هذا الأمر خلال حملتهم.
ماهي مشاريع الهيئة القادمة في مجال الكتاب؟
– نعمل حالياً على طباعة الأعمال الكاملة للبردوني بما فيها الديوانان الآخران حيث كنا وعدنا بطباعتهما على لسان عضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي في المؤتمر الصحفي الذي تم الاعلان فيه عن طباعة الديوانين الآخرين، وقد صدرت توجيهات رئيس المجلس السياسي الأعلى المجاهد المشير مهدي المشاط بتعزيز الهيئة بتكاليف الطباعة، ولدينا مشاريع كثيرة نعمل على أن ترى النور قريبا وهي تأتي في سياق مشروع تنشيط المشهد الثقافي وعودته للفاعلية التي كان عليها قبل العدوان.
ماذا عن ديوان «دم الحسين.. الثورة.. الوطن» الذي تم تداوله في سياق الحملة على الهيئة من قبل المرتزقة؟
– هو ليس ديواناً شعرياً بل مجموعة من المقالات كتبها البردوني في مراحل مختلفة، تقرأ الواقع الثوري العربي في سياق تاريخي، وفيها يرى البردوني أن الحسين – عليه السلام – رمز إنساني للثورة الحقيقية ويقول إما أن يكون الإنسان حسينياً وإما أن يكون يزيدياً ولا توسط بين الطرفين، ويرى أن تعطل الإرادة الخيرة بمقتل الحسين – عليه السلام – أدى الى انتصار الانتهازية السفيانية الأموية، ويرى بالقياس أن تعطل الفترة التي نعيش من الإرادة العربية أوصل الأمة إلى طغيان الصهيونية والامبريالية حتى أصبحت كل المنطقة العربية كولاية أمريكية أو كمستوطنة صهيونية….، آراء جريئة تشخص الحال الذي عليه واقعنا العربي وإن شاء الله ترى هذه المقالات النور قريباً، لأنها مصابيح تكشف عتمة واقعنا العربي، وتهدي إلى طريق الصواب لمن أراد الهداية والنظر السليم للأشياء.
كلمة أخيرة تود قولها في ختام هذا اللقاء؟
– ما أود قوله هو أن اليمن مسؤولية جميع المنتسبين إليه، وحريته واستقلاله وفرض سيادته على كامل أراضيه مسؤولية الكل، فهو لا يعني جماعة دون أخرى، وعلى الذين وقعوا تحت تأثير أغراء العمالة أن يعودوا إلى رشدهم ,كما أود التأكيد أن الحرب انتقلت إلى الجانب الثقافي، ولا بد من اليقظة فالحرب التي تدار اليوم هي حرب أفكار وصراع حضارات وتلك هي مؤشراتها في واقعنا العربي، وتفاعلاتها وتداعياتها وهي الصورة المثلى لها، وعلينا أن ندرك ذلك وحتى نتحكم في مقاليد المستقبل، لا بد لنا من الاشتغال على الاستراتيجيات وثقافة المشروع.