كان العارف بالله‘ السيد العلامة الحبيب سهل بن إبراهيم بن عقيل باعلوي – مفتى محافظة تعز – من عمالقة العلماء المجاهدين، الذين لا يخافون في الله لومة لائم، وله مواقف كثيرة تدل على ذلك، فقد واجه الفاسدين والمتنفذين، وقال لهم في لقاءٍ جَمَعَهُ بهم: “إن الشجر والحجر لو نطقا لشهدا أنكم فاسدون وظالمون ومجرمون” ، فلم ترعبه أسلحتهم، ولا جلاوزتهم، ولا عساكرهم المحيطون بهم لحمايتهم؛ لأن عظمة الله قد ملأت قلبه فصغر ما دونه في عينيه ..
ولقد واجه – بنفسه دون أن يشاركه أحد من أبناء جنسه – في التصدي للتيار التكفيري، حيث فضح حقيقة أفكارهم، وبيّن للأمة خطرهم في إعلانهم وإسرارهم.. ولعلّ منابر المساجد والزوايا تشهد بذلك، ناهيك عن المنابر الإعلامية في الصحف والإذاعات والقنوات الفضائية.
كما قام – رحمه الله – بتعرية آل سعود، واصفاً إياهم بأحذية النصارى واليهود، وأنه يجب استئصالهم من هذا الوجود، حيث بيّن أن الأمة لن تنهض ولن تصل إلى الدرجة العالية المنيفة إلا بقلع هذه الشجرة الخبيثة (آل سعود).
هكذا كان شجاعاً يغلب عليه الطابع الثوري، لهذا كان من كبار الثوار ضد الطواغيت والمستكبرين قديماً وحديثاً، وكان ديدنه الدؤوب (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، لايخاف في الله لومة لائم.
ولم يمنعه كبر سنه وشيخوخته من التحرك والجهاد في سبيل الله تعالى، فقد صدع بالحق في كل مكان استوطنه، ولما قامت ثورة ال21 من سبتمبر تحرك ودفع بالشباب إلى ساحات الثورة، وخطب في أكثر من مسجد وساحة، مستنهضاً الهمم، يشد العزائم، داعياً إلى التحرر والاستقلال، وعدم الخضوع والخنوع للمستكبرين والظالمين.
لقد كان – رحمه الله – يحمل همّ أمة، مستشعراً المسؤولية الملقاة على عاتقه، يتألم لكل ما يسمعه ويراه من تكالب الأعداء على أمته، لهذا كتب الكثير من المقالات التي بيّن من خلالها الواجب الذي ينبغي على المسلمين إقراره والعمل به تجاه أعدائهم، فطرح لهم مواضيع تشحذ هممهم وتصقل عزائمهم، وبيّن لهم الحلول التي تُمَكِّنُ الأمة من الخروج من مستنقع الخزي والذل والمهانة …. إلخ.
فكل مقالاته كانت تفوح بأزكى راوئح الجهاد، التي يهدف من خلالها إلى أن تكون الأمة عزيزة قوية ومستقلة برأيها، لا تقبل الانبطاح ولا المساومة على عزتها وكرامتها ..
أما أخلاقه – رحمه الله – فقد كانت عالية، وصفاته حالية، خفيف الظل شفَّاف، ليس بخدَّاع ولا لفَّاف، يهزّه النسيم ولا تحركه زلزلة الجبل العظيم، يجود بما معه من المال سواء في الحل أو الترحال، صاحب جود وكرم ومبادئ وقيم.
وقد عرفته كثيراً، خاصة في الأسفار، أثناء مشاركتنا معاً بمؤتمرات إسلامية في بعض الدول والأمصار، فقد رأيت الابتسامة لا تفارق شفتيه المشرقتين بالأنوار، يتواضع لكل من قدم عليه، ويتحبب لكل من انتسب إليه، إذا جلست بين يديه رأيت فيه براءة الأطفال، وإن حدّثك أبهرك بكلامه العال.
وكان – رحمه الله – له زاوية مفتوحة للزائرين، يرتادها العلماء والمتعلمون، وموائده مبسوطة للفقراء والمساكين، فتراه يغمرهم بطيب روائحه وأنسامه، ويفيض عليهم بكرمه وإحسانه، يتلاطف معهم ببعض المفاكهة الظريفة والممازحة اللطيفة؛ كي يزيل عنهم هيبة المقام، ومن ثم يستطيعون أن يبوحوا له بالكلام.
كان قريباً من الجميع، ويُعِدُّ نفسه الخادم لهم والمطيع، ولهذا أحبه كل قاصٍ ودانٍ، حتى صار الكل به متفانٍ ..
فسلام الله عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يُبعث حياً..