التورط البريطاني

يكتبها اليوم / وديع العبسي

 

 

أن يعلن السفير البريطاني دعمه للجرعة التي أقرتها حكومة معين المشكّلة من قبل تحالف العدوان، فليس ذلك بالأمر المستغرب، وإنما يضيف قرينة جديدة لإثبات أن المستعمِر القديم الجديد كان منذ البداية متورطاً وشريكاً أساسياً في استهداف اليمن.
الجديد، هو في توقيت هذا الإعلان بعد اعتماد جرعة قاتلة من حكومة المرتزقة، فهو يأتي مترجما للوعيد الذي أطلقته أمريكا بأن اليمنيين على موعد مع تصعيد في الحرب الاقتصادية عبر أدواتها في الداخل، وهو ما يكشف بشاعة النوايا بتعمد الاستهداف وتعميق حالة البؤس التي يعيشها اليمنيون بسبب العدوان والحصار والاحتلال.
كما ليس بخاف أن الكشف عن هذا المستوى من الحقد إنما يأتي على خلفية حالة الحصار الذي فرضته صنعاء على مهربيّ النفط والغاز بتفعيلها معادلة حماية الثروة اليمنية وتنفيذها عدة ضربات تحذيرية كان لها وقعها وتأثيرها الواضح على المستفيدين من عملية النهب وفي المقدمة أمريكا وبريطانيا.
الأمر الآخر – الذي يعبر عنه إعلان المباركة البريطانية هذه – هو الحالة الانفعالية التي تلبست لندن وواشنطن بسبب ما شهدته صنعاء قبل أيام من حراك تفاوضي أسفر عن تفاؤل بتحقيق انفراجة في ما يخص تنفيذ المطالب الإنسانية ومن ضمنها صرف المرتبات، دون أن يكون لهما حضور في التفاصيل ولو من بوابة الأمم المتحدة، الأمر الذي دفعهما للتعجيل بتصعيد الحرب الاقتصادية من خلال الرفع غير الإنساني لتعرفة الدولار الجمركي وأسعار الوقود وتعرفة المياه والكهرباء ورسوم النقل الثقيل، مع علم الجميع بالتبعات الكارثية التي ستلحق بالمواطن، المسحوق أصلا بفعل الإدارة الاقتصادية الفاشلة لحكومة المرتزقة، وهو التوصيف الذي خلصت إليه منظمة هيومن رايتس أمس الأول بتأكيدها أن هذه الحكومة فشلت خلال السنوات الثمان الماضية في الوفاء بمهامها وتقاعست عن الوفاء بالتزاماتها القانونية الدولية لحماية الحقوق الاجتماعية والاقتصادية لملايين اليمنيين.
والمستفز في إعلان الدعم البريطاني لهذا الإجراء، هو التلقائية التي تعامل بها المدعو ريتشارد اوبنهام في إعلان مباركته لهذا الإجراء، والتي تشير إلى أن المستعمر القديم لعدن الباسلة لم ينس أنها قد لفظته إلى غير رجعة، فضلا عن ترحيب حكومة التحالف بهذا الدعم، رغم أن الأمر يُفترض أنه شأن داخلي إن كانت هذه الحكومة تدرك معنى أن تكون حكومة ذات سيادة.
قد يرى البعض أن الإسراع في إقرار الجرعة متبوعا بالدعم البريطاني، هو بقصد تعكير أجواء أي تفاهمات أو مكاسب تحققها صنعاء من مشاورات تمديد الهدنة، ما يمكن أن يتسبب في استمرار حالة البؤس لدى اليمنيين حتى مع تنفيذ كل المطالب الإنسانية، وهو ما يُعرِّي الادعاءات بالرغبة في إحلال السلام في اليمن والتأسيس لعلاقة جوار تقوم على الاحترام المتبادل وتكامل المصالح.
أما إقرار الجرعة من قبل مجموعة معين التي لم يحرك فيها احتجاجات وإضراب التجار أي ساكن، فإنها تأتي في الخط الذي يخدم مصالح هذه الجماعة التي لا تحظى بأي تأييد شعبي، لتغطية وصرف الناس عن سلسلة فضائح الفساد التي انغمست فيها وعرف بها الجميع.
المستجد الملفت، هو أنه وبينما السفير البريطاني يعدّ لِقمّة تجمع رباعية العدوان بزعم دعم إجراءات حكومة المرتزقة الاقتصادية، تستبق وزارة الخارجية الأمريكية كل ذلك وتحاول النأي بنفسها من أي مسؤولية قانونية أو أخلاقية عن هذا الفعل الذي قد يمثل إعاقة مباشرة للتسوية وتمديد الهدنة، ويجعل صنعاء في حِلّ عن أي التزامات، فأمريكا – وربما في محاولة لحفظ ماء الوجه – زعمت على لسان وزير خارجيتها بلنكن أن التواصل مع السعودية بغرض التوصل مع صنعاء إلى حل لتمديد الهدنة، كان قائما، وأن ما تم إحرازه من تقدم في الملف الإنساني، يأتي بعد التواصل والاتفاق بين واشنطن والرياض، وعلى هذا النحو اعتادت أمريكا التعامل حتى مع أقرب حلفائها، وبريطانيا ستجد نفسها في موقف لا تحسد عليه.

قد يعجبك ايضا