أم الأئمة عظمة الارتقاء البشري

د تقية فضائل

 

 

عندما نتأمل سيرة البتول الزهراء بنت نبينا _صلى الله عليه وآله وسلم _ فسنجد أن سنوات عمرها التي لم تتجاوز الثمانية والعشرين ربيعا كانت كفيلة برسم نموذج أقل ما يقال عنه إنه المثالية البشرية بأزهى صورها ؛ ويبدو أن بشارة جبريل _عليه السلام _ إلى رسول الله بمولدها كانت تنبئ بحكمة إلهية تزف لرسول الله و للكون ميلاد رمز للسمو الإنساني عامة ولسمو المرأة خاصة؛ ولا نبالغ إذا ما قلنا إنها كانت نبراسا يهتدى به وقدوة تحتذى، فقد جسدت فاطمة البتول التبتل لخالقها فانقطعت إليه رغبة في رضاه واليوم الآخر، وكانت الزهراء ساطعة متألقة في آفاق الإيمان، كما أنها مباركة فأينما حلت كانت البركات والخير بصحبتها ، وزكاء النفس وطهرها سمتان لازمتها حتى لقبت بالزكية الطاهرة ، وهي ريحانة شذاها عطر الكون من حولها بطيب أخلاقها وشمائلها، صديقة لاتعرف الكذب رغم أنها المحدثة البارعة التي تبهر المستمعين ببلاغتها ومقدرتها على الإقناع ، فهي بحق تمثلت كل خلق كريم حتى قال _صلى الله عليه وآله وسلم _ “كلما اشتقت إلى الجنة قبلتها “، إنها سيدة نساء العالمين وسيدة نساء أهل الجنة .
كما تشي تلك البشارة السماوية بسمو دورها وأهميته في خضم أحداث استثنائية عظيمة الشأن تغير مجرى حياة البشرية على يد والدها الرسول الأعظم _صلى الله عليه وآله وسلم _ وكانت على صغر سنها تتحمل مسؤولية العناية بأبيها خاصة بعد وفاة أمها السيدة خديجة _عليها السلام _ فكانت الحانية الرؤوفة بأبيها تغدق عليه الحب و العطف و الرعاية ولم تكن تحب أحدا قدر حبها لأبيها ، حتى سماها _صلى الله عليه وآله وسلم _ أم أبيها، كانت تضمد جراحه وتسهر على راحته وتشاركه آلامه وتسلي خاطره وتواسيه بما يسعد قلبه ويخفف عنه ما كان يجده من إساءة المعرضين عن الحق من الكفار، وبالمقابل نجد أنها أحب الناس إلى قلب رسول الله فهي من قال عنها إنها بضعة منه ، من أغضبها فقد أغضبه ومن سرها فقد أسره _صلى الله عليه وآله وسلم _ وهي أشبه الناس به خُلقا وخٓلقا، منطقا وحديثا، كانت إذا دخلت عليه ينهض ويقبل رأسها ويدها ، حتى سئل عن سبب هذا الحب فأجاب لو أنهم علموا ما يعلم عن فاطمة لأحبوها بنفس مقدار حبه لها، وهذا لم يتأت فقط من شغف الأب ببنته البارة، بل هو انعكاس لنظرة ثاقبة تتلمس رقيها الإنساني وسموها الروحي وسيرتها الصالحة، ولا أدل على ذلك من جعلها لحياتها الأسرية مثالا للحياة الزوجية الكريمة التي يسودها الحب والاحترام والتعاون والشعور بالمسؤولية فزواجها في سن الثامنة عشرة بالإمام علي _ عليه السلام _ بصداق يسير وحياة بسيطة لا تعرف البذخ والرفاهية، وانجابها لأبنائها وحسن رعايتها لهم ليصيروا أئمة يهتدى بهم حتى لقبت بأم الأئمة.
من عظمة الله أنه جعل فاطمة البتول الزهراء مصدرا للإلهام ، وطاقة روحية نستمد منها القدرة على الارتقاء والسمو.
فسلام الله على بنت النبي وزوجة الوصي وأم الأئمة المثل الأعلى للمرأة المسلمة.

قد يعجبك ايضا