على مدى ستة عقود، لم تستطع الولايات المتحدة إسقاط النظام في كوبا، الدولة الصغيرة التي تبعد نحو 400 ميل عن الساحل الأميركي .
حتى بعد سقوط الحليف السوفيتي، لا يزال النظام الكوبي صامداً، وهو بمثابة شوكة بالخاصرة الأميركية بما يمثله لدول وشعوب أميركا اللاتينية من نموذج للتمرد على الإمبريالية والهيمنة الأميركية .
كوبا دولة صغيرة مساحتها أقل من محافظة حضرموت، وسكانها لا يتجاوزون 11 مليونا . والسبب في فشل المخططات الأميركية في إسقاط النظام الكوبي لا يعود إلى القوة العسكرية لكوبا، فلا مجال للمقارنة هنا .
صمود النظام في هافانا يستمد قوته من التفاف الشعب الكوبي حول نظامه ورضاه عن أدائه، وعن مستوى الرعاية الاجتماعية والخدمات التي تقدم للشعب في كل المجالات .
وعلى سبيل المثال، تكاد كوبا الدولة الوحيدة في العالم التي لا يوجد فيها عيادات طبية أو مستشفيات خاصة، فالدولة تتكفل بتوفير كافة الخدمات الطبية.
عزز النظام الكوبي علاقته بالشعب، ونجح في الصمود أمام أعدائه، بينما سقط الاتحاد السوفيتي رغم عظمته لأن نظامه فشل في تعزيز علاقته بالشعوب والمجتمعات السوفيتية .
في اليمن، لا يزال النظام المنبثق من ثورة الـ 21 من سبتمبر صامدا رغم تكالب قوى تحالف العدوان واستخدامها كل الإمكانات والوسائل لإسقاط النظام في صنعاء، والسبب في ذلك يعود بعد الله إلى التفاف الشعب حول سلطة أنصار الله، لأنها عكست في مواقفها وسياساتها مصالح الشعب والوطن .
بعد ثمان سنوات من العدوان والحصار، ظهرت بعض الاختلالات والقصور في الأداء الحكومي، وهو ما وصفه قائد الثورة بـ “المزري” ودعا قيادات ومسؤولي السلطة في أكثر من مناسبة إلى تعزيز العلاقة مع المجتمع، أولاً لأن تحمل المسؤولية أمانة يجب الوفاء بها، وبهذا تتجسد “الهوية الإيمانية” لقيادات السلطة ومسؤوليها.
والأمانة في الوظيفة العامة لا تنحصر في الشرف والنزاهة، بل تشمل الكفاءة أيضا، وبدون الكفاءة لا يستطيع المسؤول تأدية مهامه ناهيك عن قدرته على الإبداع وإيجاد الحلول .
ثانيا: لأن تعزيز العلاقة مع المجتمع يعزز صمود وتماسك الجبهة الداخلية في مواجهة العدوان المستمر .
كما أن خدمة السلطة للمجتمع، يخدم السلطة أيضا، فمن رضى المجتمع تستمد قوتها الحقيقية ويطول عمرها مهما كان حجم وعدد أعدائها .
طورت قوى الاستعمار أساليبها، وأصبحت السلطات والأنظمة الحاكمة هي الهدف الأول لها فإذا تمكنت من إسقاطها واستبدالها بأخرى موالية له تتحقق بقية أهدافها .
طال أمد العدوان والحصار على شعبنا، وهي سابقة لم يشهدها التاريخ من قبل.
أصبح العدوان وتداعياته جزءاً من الواقع، ولم يكن أمام اليمنيين خيار سوى التطبيع مع هذه الأوضاع رغم قسوتها، والتطبيع هنا لا يعني الاعتراف أو الاستسلام، بل الصبر والصمود في مواجهة العدوان كل في موقعه .
ومن الطبيعي أن تشغل الأوضاع الداخلية والأداء الرسمي مساحة واسعة من حديث الناس على حساب العدوان وانتهاكاته وجرائمه وأهدافه التي يسعى إلى تحقيقها .
وبغض النظر عما إذا كانت الأصوات التي توجه النقد أو الاتهامات للسلطة وتحميلها مسؤولية تردي الأوضاع مدفوعة من قوى معادية أو لا، فإن هذه الأصوات والمواقف لن تخدم العدوان إلا إذا كانت صادقة، أما إذا كانت كاذبة أو مبالغاً فيها فلا خشية منها، لأن الشعب يدرك مصالحه وليس قطيعاً يتداعى وراء مفسبك أو متكتك .
وعلى السلطة والأجهزة المعنية أن تتعامل مع هذه الحالات بحكمتها المعهودة وتسامحها الذي لا يزال محل إعجاب المناهضين قبل الموالين، والتعامل مع أسرى العدوان خير دليل .
وعليها أيضاً أن لا تجعل من العدوان شمّاعة للمقصرين والمستهترين، أو حصانة للفاسدين .
aassayed@gmail.com