حين يكتب، فهو يكتب بماء القلب وضوء الوجدان وحبر الحب.. يكتب بصدق وعشق وإبداع وألق ودهشة وروعة..
كلماته باقات محبة… وقصائده بساتين ورد وحقول أشواق وآمال وأمنيات.. وفضاءات للحرية والتطلع لما هو أجمل وافضل وأرغد.
كلها تتغنى بروعة الإنسان والوطن والجمال والحب..
وكلها تترنَّم بالسلام والانتماء العميق والأصيل للوطن المسافر والمقيم في سويداء القلب والروح..
إنها كلمات وقصائد وخواطر شاعر اليمن الكبير المبدع الدكتور عبدالعزيز المقالح.. هذه الهامة الثقافية والوطنية الكبيرة التي تزهو بها ساحة الثقافة والإبداع والفكر اليمني والعربي والعالمي.. سواء في حياته أو في مماته سيبقى علامة هامة وتجربة عظيمة وثرية وخصبة بالعطاء الإبداعي والأدبي والثقافي الخلاق والمتميز.
د/ عبدالعزيز المقالح، الشاعر، والأديب الكبير والمثقف المسكون بهموم الإنسان والوطن والجمال والحب، يتألَّم لواقع الإنسان والأرض ويحلم بالغد الأجمل.. غد السلام والحب والنقاء والإخاء والوئام..
إبداعاته تحمل الحب، وليس غير الحب.. وتحلّق بأجنحة الأمل مهما كانت غيوم اليأس كثيفة..
إن رحيل الدكتور عبدالعزيز المقالح، يمثل خسارة كبيرة للساحة اليمنية والعربية الثقافية وذلك لما يمثله من أهمية كبرى وعلامة فارقة وهامة في مسارها الحافل بالتجارب الإبداعية المبهرة والفقيد الراحل يحتل فيها الصدارة.
وما أعجز الكلمات في هذا الظرف المؤلم والقاسي أن تنقل ما يمور في الأعماق من مشاعر الأسى والألم والفقدان تجاه فجيعة رحيل فقيدنا الكبير.
ولعل شاعرنا الكبير عبدالعزيز المقالح قد أعطانا صورة عن جانب من الألم من خلال قصيدة تحت عنوان « أعلنت اليأس» والتي نشرها قبل عدة سنوات من رحيله..
وقد أثارت هذه القصيدة الكثير من التأويلات والتفسيرات وأثارت لدى الكثيرين أسئلة تقطر بالشجن… نظراً لتلك السطور المحملة بالأسى والشجن واليأس والخيبة..!!
هذه القصيدة ليست « إعلانا لليأس» بل إعلان للأمل ولإشراقة متجددة للحياة ولعبق ربيع محبة يفتح أحضانه للجميع..
إنها قصيدة معبرة عن ذلك الشجن الذي طمر الروح.. كما أنها صرخة للتحدي وللتأمل وللوقوف أمام ذلك اليأس الذي يحاول أن يغرس مخالبه وأنيابه في القلب والجسد..
أنها سيمفونية حزينة… لكن أنغامها تصدح بما هو أجمل وأروع..
إنها قصيدة قلب يدلي باعترافاته في محراب الشجن.. لكنها اعترافات نابضة بالحياة والأمل والإصرار رغم قتامة المعاني الكثيرة..
قصيدة « أعلنت اليأس» كان لها وقعها المؤثر في قلوب الكثيرين..
رحم الله الشاعر الكبير والأديب المناضل الدكتور عبدالعزيز المقالح وأسكنه في رياض الخلد.
**
في السطور التالية ننشر قصيدة الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح:
أنا هالكٌ حتماً
فما الداعي إلى تأجيل
موتي
جسدي يشيخُ
ومثله لغتي وصوتي
ذهبَ الذين أحبهم
وفقدتُ أسئلتي
ووقتي
أنا سائرٌ وسط القبورِ
أفرُّ من صمتي
لصمتي.
* * *
أبكي
فتضحكُ من بكائي
دورُ العبادةِ والملاهي
وأمدُّ كَفِّي للسماء
تقولُ : رفقاً يا إلهي
الخلقُ – كل الخلق –
من بشرٍ ومن طيـرٍ
ومن شجرٍ
تكاثر حزنْهم
واليأسُ يأخذهم – صباحَ مساءَ –
من آهٍ ..لآهٍ
* * *
حاولتُ ألَّا أرتدي
يأسي
وأبدو مطمئناً
بين أعدائي وصحبي
لكنني لمَّا رحلتُ
إلى دواخلهم
عرفتُ بأنهم مثلي
وأن اليأس ينهشُ
كل قلبِ .
أعلنتُ يأسي للجميع
وقلتُ إنَّي لن اخبـي .
* * *
هذا زمانٌ للتعاسة
والكآبةْ .
لم يترك الشيطانُ فيهِ
مساحةً للضوء
أو وقتاً لتذكار المحبةِ
والصبابةْ .
أيامهُ مغبرّةٌ
وسماؤُه مغبرّةٌ
ورياحه السوداء
تعصف بالرؤوس العاليات
وتزدري التاريخ
تهزأ بالكتابةْ.
* * *
أنا ليس لي وطنٌ
أفاخر باسمهِ
وأقول حين أراه:
فليحيا الوطنْ .
وطني هو الكلماتُ
والذكرى
وبعضٌ من مرارات الشجنْ
باعوه للمستثمرين وللّصوص
وللحروبِ
ومشت على أشلائهِ
زمرُ المناصب والمذاهب
والفتن .
* * *
صنعاء …
يا بيتاً قديماً
ساكناً في الروح
يا تاريخنا المجروح
والمرسوم في وجه النوافذ
والحجارة
أخشى عليك من القريب
ودونما سببٍ
أخاف عليك منكِ
ومن صراعات الإمارةْ.