المسئولية الجماعية هي تلك التي يقوم بها مختلف أفراد المجتمع دون استثناء كل في نطاق عمله وتخصصه وأماكن تواجده …ولا يجب حصر المسئولية في جهة بعينها أو مؤسسة رسمية أو تطوعية وغيرها …وإنما حديثنا عن المسئولية من منطلق ديني وعقائدي يصف كل فرد مؤمن بأن صفات إيمانه متشعبة وغير مقتصرة على وصف أو عمل بعينه …حيث أن شعب الإيمان بضع وسبعون شعبة تبدأ بقول ( لا إله إلا الله) كمسئولية عليا تجاه العقيدة وتنتهي بأبسط درجات المسئولية تجاه المجتمع ومحيطه النظيف المتألق في وصفه عليه الصلاة والسلام … إماطة الأذى عن الطريق وبين المسئولية العليا والأدنى يجب أن نعرف ما بينهما من المسئوليات الواجب أداؤها باعتبارها واجبات دينية نص عليها الشرع وحتمتها ضروريات الحياة لتكون برنامج عمل الفرد المنتمي إلى الجماعة يقوم بها جميع الناس في المجتمع سواء كانوا أحزاباٍ أو منظمات أو جماعات وهي من الأهمية بمكان والتفريط بها والتساهل في القيام بها يؤدي إلى فساد المجتمعات وزوال الحضارات وكثرة الصراعات وقد تتعطل الحياة في كثير من جوانبها المختلفة.. وحرية الفرد هي مسئولية يجب أن لا تعارض مصلحة الجماعة والسكوت عن الأخذ على يدي الظالم والمعتدي والمفسد في الأرض جريمة كبيرة وخلق سيء وآثاره مدمرة على الجميع ولذلك مما نقل عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قوله : ( كان يْقال: إن الله لا يعذب العامة بذنب الخاصِة ولكن إذا عْمل المنكر جهاراٍ استحقوا العقوبة كلهم ).
إن وجود المصلحين في الأمة هو صمِام الأمان لها , وسبب نجاتها من الهلاك العام , ولهذا قال تعالى: (وِمِا كِانِ رِبْكِ ليْهúلكِ الúقْرِى بظْلúمُ وِأِهúلْهِا مْصúلحْونِ) (هود: 117) ولم يقل صالحون… ومن هذه المسئوليات الجماعية حفظ السلم الاجتماعي ونشر الأمن والمحافظة على الدماء والأعراض والأموال والتآلف والتآخي والتراحم ونبذ العصبية والفرقة والنعرات الجاهلية سواء كانت حزبية أو مذهبية أو مناطقية .. فبناء الأوطان يحتاج إلى التعاون والتوافق على الأقل في الثوابت التي تحفظ الدين والأرض والإنسان ولا بأس أن نختلف في طرق العمل ووسائل البناء وأساليب العمل والإنجاز فهذه حقيقة بشرية لا يمكن أن تنتهي من أي مجتمع. .. ومن هذه المسئوليات الجماعية مسئولية التقيد والالتزام بالأنظمة والقوانين التي تنظم حياة المجتمع وتطبيقها على جميع الناس وهذا دليل على التطور الثقافي والاجتماعي الذي وصلت إليه الدول والشعوب والمجتمعات ولا حياة سليمة وراقية ومزدهر إلا بقوانين تنظم علاقات الناس مع بعضهم وعلاقاتهم مع غيرهم وواجباتهم وحقوقهم.. والغرب والشرق لم ينهض ولم يتطور إلا بقوانين نظمت حياتهم فكيف ونحن أمة النظام والقانون فديننا الحنيف نظم جميع جوانب الحياة وعندما التزمها المسلمون كانوا بناة حضارة عريقة ما زالت مآثرها إلى اليوم .. وهناك مسئولية الإعلام فدوره كبير في توجيه الرأي العام وفي ترسيخ القناعات حسنها وقبيحها وعلى الإعلاميين أن يعوا هذا الخطر العظيم وأن يعرفوا أن على عاتقهم مسؤولية عظيمة إن لم يقوموا بها حق القيام فإن كثيرٍا من المبادئ والقيم الحسنة ستختفي من النفوس وتضيع الكثير من الحقائق وتزور الكثير من الوقائع .. عندها تحدث الكثير من المشاكل والاختلالات والفتن والصراعات ..
الكل يدعي أنه يشعر بالمسؤولية تجاه دينه تجاه نفسه تجاه وظيفته وموقعه تجاه إخوانه المسلمين تجاه منصبه ووظيفته تجاه مجتمعه ووطنه وأمته .. الكل يدعي ذلك لكن الواقع يوضح أن الفرق شاسع بين الادعاء وبين الأداء والشعور بالمسئولية وممارستها في واقع الحياة .. هذا سيدنا عمر ومعه سيدنا عبد الرحمن بن عوف يتجولان في المدينة رأيا قافلةٍ في ظاهر المدينة فقال لعبد الرحمن: تعال نحرسها لوجه الله فإذا بطفل يبكي فقال لأمه: أرضعيه فأرضعته ثم بكى قال: أرضعيه -يبدو أنه كان عصبي المزاج في المرة الثالثة قال.. يا أمة السوء ارضعيه قالت له: ما شأنك بنا إنني افطمه قال: ولمِ¿ قالت: لأن عمر -ولا تعلم أنه عمر- لا يعطينا العطاء إلا بعد الفطام يروى أنه ضرب جبهته وقال: ويحك يا بن الخطاب كم قتلت من أطفال المسلمين¿ فلما صلى الفجر بالناس, ما سمع الناس قراءته من شدة بكائه وأمر أن يعطى كل مولود في الإسلام راتباٍ يجري عليه شهرياٍ لكننا اليوم نتجرد عن مسئولياتنا ..وعند احتدام الصراع وحدوث الكوارث قد تجد كل طرف يحمل المسئولية الطرف الآخر وبدل التعاون والتكاتف للخروج من الأزمة وإنهاء الصراع ..تبدأ مرحلة جديدة من تفاقم الوضع وغياب المسئولية. وبدل أن يلمس الناس الحل وتنتهي أزمتهم إذا بالتراشق الكلامي ورمي التهم والتنصل عن الواجب فلا نسمع عن مذنب تم عقابه ولا مقصر تم إيقافه ومع هذه الصور نتساءل إلى متى سنظل نعاند ونتجرد عن مسئولياتنا.
mphsahman@gmail.com
Prev Post
Next Post
قد يعجبك ايضا