قد يبدو تناول موضوع مونديال كأس العالم في نظر البعض ترفا، وأن هناك العديد من القضايا في الساحة الوطنية والإقليمية والدولية تحتل الأولوية المطلقة، لكن لا أحد في المقابل يستطيع أن ينكر الشغف الجماهيري الكبير سواء في اليمن أو غيرها من بلدان العالم بهذا الحدث الكروي الهام، الذي يحدث مرّة كل أربع سنوات، ليحظى دونا عن غيره من الأحداث والمنافسات الرياضية الإقليمية والدولية بمتابعة واسعة، من قبل الصغار والكبار والنساء والرجال والرياضيين وغير الرياضيين.
-مونديال قطر الحالي – أو كما يطلق عليه البعض مونديال العرب كونه يُقام لأول مرّة في أرض عربية – كان رائعا واستثنائيا في كل شيء، ولم يعكّر صفو روعته وجمالياته غير كابوس الاحتكار، الذي اغتال إلى حد بعيد رومانسية ومتعة الساحرة المستديرة، وأفسد على المشاهد اليمني تحديدا والعربي عموما فرحته وتفاعله مع المواجهات، التي تجري بكل تنافسية وندية وأخلاق رياضية على أرضية المستطيل الأخضر.
-حتى مونديال فرنسا عام 1998م كنا في اليمن مثل غيرنا في البلاد العربية نستمتع بمشاهدة مباريات كأس العالم مجانا على شاشة القناة الأرضية بيسر واطمئنان، قبل أن تدخل على هذه اللعبة الأكثر شعبية في العالم، إمبراطوريات المال العابرة للحدود والتي لا تفكّر إلا بجني الأموال الطائلة، على حساب الأخلاق والمشاعر الإنسانية ليكون البسطاء من الناس حول العالم، أول الضحايا لهذا الجشع الذي لا يشعر أصحابه بالذنب ولا بأي تأنيب ضمير وهم يسرقون المتعة من عيون السواد الأعظم من البشر.
-يرفع الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا” شعارات رنّانة حول حقوق الإنسان، وعن المساواة والعدالة، وكيف أن هذه اللعبة مصدر للتقارب والسلام بين بني الإنسان، لكن عندما يتعلق الأمر بالمال فكل تلك القيم الإنسانية النبيلة تتلاشى ويخبو بريقها، بل تكشّر هذه المؤسسة الدولية الكبرى عن أنيابها لتنزل عقوبات وإجراءات رادعة ضد من تسول له نفسه مشاهدة مباراة لكرة قدم دون أن يدفع ما لا يستطيع ولا يطيق وما يفوق قدراته وإمكانياته المادية.
-الاتحاد الدولي للعبة – وهو من كان في المراحل الأولى من زمن التشفير – يزعم معارضته لاحتكار مشاهدة كأس العالم على قناة محددة أو حصرها على الفئات الاجتماعية الثرية فقط، بات الآن متشددا أكثر من القنوات صاحبة الحقوق الحصرية، ولا يتغاضى أو يبدي أي تساهل إزاء محاولات وسعي بعض الفقراء لمشاهدة مجانية للمباريات، على غرار الجمهور اليمني، الذي وجد في بعض المباريات التي نقلتها مشكورة قناة “الهوية” متنفسا ليستمتع ببعض مباريات مونديال قطر وينسى القليل من همومه وأحزانه، لكنه لم يفعل وضغط – كما قيل – بكل قوة على الدولة المضيفة لوقف بث المباريات.
-على الفيفا أن تترجم بعض شعاراتها ومبادئها عن العدالة والمساواة وعن عالمية اللعبة في أرض الواقع، وأن تقف في صف الفقراء وليس ضدهم، وتساهم بإيجابية لتأمين حصولهم على هذا الحق الإنساني المكفول في كل الأعراف والمواثيق الدولية، وألاّ تنحاز بصورة عمياء لبريق الأموال التي أفسدت كل جميل على وجه الكرة الأرضية.