اعتمد التعليم في المعاهد ( العلمية ) الدينية الوهابية على إيجاد الفرد ذي البعد الواحد؛ البعد الديني غير السليم، بل المنحرف، فلو كانوا علَّموا الطلاب والتلاميذ الإسلام المحمدي الرسالي الثوري السليم لما وصلنا إلى الحال من التمزق والفرقة والتناحر، وبعث الطائفية المقيتة التي دعوا لها.
سلبوا الطالب المتلقي مشاعره الإنسانية، بل لقنوه إن كل القيم الاجتماعية والإنسانية هي قيم كفر لا يحتاجها الإنسان المسلم في حياته، وإن الحياة الحقة هي حياة الأخرة، أما الدنيا فقد خلقت للكفار، وقالوا إن على المسلم الابتعاد عنها ومحاربتها. فالإنسان المسلم لا يحتاج للفنون والآداب والموسيقي في نظرهم، فالمسلم خلق للعبادة والحرب والجهاد. جعلوا الإنسان المسلم في مواجهة مع العالم، وفي توتر دائم، وفي عداء مع الآخر، بل غير متصالح مع نفسه، ومع محيطه، فما حوله هو كفر وفسق، وخروج عن الملة ومنكرات؛ بل عزلوه عن العصر.
هذه التنشئة والتعليم المنحرف حرم الطلاب من منجزات العصر، وجعلهم يواجهون العصر بالكراهية والحقد، لأن الإنسان عدو ما لا يعرفه.
حرِّم عليهم الاستماع إلى الأغاني والموسيقى، وحرِّمت عليهم مشاهدة برامج التلفاز، كما حرِّمت عليهم مشاهدة الرسومات واللوحات، وجعلوهم مشدودين إلى الماضي وحياة البداوة التي نزل فيها القرآن في بداية الإسلام قبل أكثر من ?? قرنا.
وهم لا يقرون بالتغيرات العاصفة التي حدثت في حياة الإنسان المسلم والمجتمعات الإسلامية والإنسانية جمعاء، ولا يقرون أن الإنسان أخ للإنسان، كما قال الإمام علي بن أبي طالب.
التعليم في اليمن كان ومازال مفخخاً بالدجل والشعوذة، وتمجيد الاستبداد؛ ومهمته ليس إيجاد نهضة، أو تطور، بل إعادة إنتاج التخلف، أما مهمة التعليم في ما كان يسمى المعاهد ( العلمية ) الوهابية فهو إعادة إنتاج الماضي بكل مساوئه.
يفيد أحد الذين تلقوا تعليما في هذه المعاهد قائلاً: لم يكونوا يعلموننا الحب والتعايش مع الناس، بل كانوا يعلموننا الكراهية والحقد، وتعظيم المشايخ الوهابيين والخضوع للحاكم الفرد، ( أطعه وإن أخذ مالك وجلد ظهرك… )
لقد صنعوا من هذه الجيوش التي استقطبوها إلى المعاهد الدينية أناسا متبلدي الفكر مفرغين من كل معاني الإنسانية، إنهم صنعوا جنديا مطيعا، ولكنه هش يسقط أمام أي محاور.
لقد صنعوا عبيدا مطيعين للحاكم الجاهل ولكل قوى الاستغلال والتخلف والجهل والهمجية والبداوة، صدروهم لقتال المسلمين وتركوا اليهود والمحتلين.
أما المرأة فكانت عدوهم اللدود؛ فهي الشيطان، ورمز للغواية والمنكر، ويجب تركها بدون تعليم، لأن تلقيها العلم، وتعلم القراءة والكتابة يجعلها تنحرف، لذلك عندهم المرأة يجب أن تبقى في البيت ولا خروج لها إلا إلى القبر، واعتسفوا الأحاديث النبوية في حق المرأة : ( ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ) … ( والنساء كلهن في النار …) وفرضوا على المرأة صغيرة وكبيرة حجابا متعدد الطبقات، عندما تشاهدها به وكأنها كائن غريب جاء من كوكب آخر.
لقد عطلوا الطاقات الإنتاجية لأولئك الشباب الذين التحقوا بتلك المعاهد؛ وقالوا لهم إن الكفار هم الموكلون بخدمة المسلمين، وإن المسلم ما عليه إلا الصلاة والصيام، حتى يأتيه اليقين، وإن الله قد قسم الدنيا والآخرة؛ الدنيا للكافر والآخرة للمسلم.
وأكثر ما عطلوا طاقة المرأة الإنتاجية، وبالذات في الريف، إذ فرضوا عليها الحجاب والقعود في البيت.