كثير جهات تتباكى على التعليم. وتقول إن أنصار الله غيروا المناهج التعليمية، وابدلوا موضوعات كانت في خدمة الإخوان والوهابية النجدية.
هؤلاء الذين يتباكون اليوم على التعليم والمناهج التعليمية كانوا هم من بدأ الاعتداء على التعليم والمناهج والهوية اليمنية، بتدريس كتب لا تمت للعلم والتعليم والهوية الوطنية بصلة.
في المعاهد التي سموها ( علمية ) وليس فيها أي ذرة من علم، ولا صلة.
كانوا يدرسون كتبا لا تمت للتربية والأجيال والعصر بصلة. وكان منهج هؤلاء في تلك المعاهد مزاجي، استقوه من مؤلفات أشخاص من أمثال فقه سيد سابق، وتطرف سيد قطب الذي كفر المجتمع واتهمه بالجاهلية.
وخرافات حسن البناء وشعوذات الزنداني.
ولم يكن هناك مجال للعلوم الإنسانية والعلمية، بل إن منهاج هذه المعاهد كان يقوم على التعبئة والتكفير للخصوم السياسيين.
لم تكن هذه العلوم غير التربوية منحصرة بما تسمى المعاهد العلمية، بل تعدى ذلك إلى مدارس وزارة التربية والتعليم، وكان نفوذ هذه الجماعات يصل إلى الجامعة، وبالذات الكليات التربوية.
اذكر إننا كنا في بداية التمانينيات من القرن الماضي في سنة رابعة / كلية التربية جامعة صنعاء، وفرضوا علينا مقررا إسلاميا وهابيا سموه الثقافة الإسلامية رفضنا دراسته، فأجلوه إلى العام القادم.
كما قاموا حينها بإغلاق قسم الفلسفة في كلية التربية،لأن فيه علوما عقلية فلسفية تثير أسئلة.
كانت المناهج التي تدرس بما سمي المعاهد ( العلمية ) تقوم على معادات العلم والعقل والإنسان، وتؤسس للكراهية والأحقاد والطائفية وتقديم الإسلام بصورة مذهبية حزبية متخلفة. بل كانوا يدعون للإرهاب صراحة، ويعتسفون قوله تعالى : ( واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ).
بل لقد سمعت مدرسا كان يعمل في هذه المعاهد يقول : ( نحن إرهابيون ).
أما طريقة تدريس المواد المقررة في تلك الثكنات فقد كانت طريقة عجيبة تمتلئ بالحشو والتلقين.
لقد كانت تلك المعاهد عبارة عن ثكنات عسكرية تتدثر بالتعليم، بل كانت تعد المتطرفين والإرهابيين لتصديرهم إلى الداخل والخارج. فمعظم الذين ذهبوا إلى افغانستان والبوسنة والهرسك والفلبين كانوا من جماعات هذه المعاهد، بل إن كل من قاموا بعمليات تفجيرات، أو انتحارات كانوا من خريجي هذه المعاهد الخاصة بالاخوان المتأسلمين والوهابية النجدية.
كانت هذه المعاهد الدينية تستهلك من الميزانية العامة للبلاد ما يزيد عن ١٤ مليار ريال، وكان كل الإخوان الهاربين من بلدانهم يتواجدون في هذه المعاهد بشكل دائم، بل كانت ملجأ للتطرف والمتطرفين، كانوا يصبون كل أحقادهم في إنشاء جيل متطرف يعدونه لتحقيق أحقادهم، وفرض خرافاتهم على الأمة بقوة البطش.
يومها لم يجرؤ أحد على رفع صوته مستنكرا ذلك التخريب للأجيال اليمنية.
الوحيد الذي أشهر صوته في وجه هذه الثكنات هو المرحوم سعيد الجناحي عبر صحيفة الأمل التي كان يصدرها في صنعاء، فانهالت عليه سهام الاتهامات من كل حدب وصوب.
كانت المهمة التي أوكلت لهذه الثكنات هي تفكيك النسيج الاجتماعي لليمن بالطائفية والمذهبية، ونشر المذهب التكفيري الوهابي النجدي.
كان عفاش مرتهنا للإخوان. أوهموه بإنهم قادرون على حمايته مما سموه الزحف الماركسي. وكان الإخوان ونظام عفاش مرتهنون جمبعا لنظام بني سعود الإرهابي.
كانت هذه الثكنات تحمل حقدا لليمن واليمنيين وللثورة والجمهورية، حتى النشيد الوطني كان ممنوعا على طلبة هذه الثكنات، وممنوع رفع العلم الجمهوري على مبانيها.
والنتيجة هو ما تعيشه اليمن اليوم من انقسامات وصراعات مذهبية، أدت على يد هؤلاء الحاقدين الى استدعاء العدوان على البلاد وتمزيقها ونهب ثرواتها وتجويع وحصار شعبها.
في الثمانينيات كانت الجماعات الدينية الممولة من السعودية قد توهمت السيطرة والإخضاع لكل مرافق الدولة، ودور العبادة والمدارس والجامعات، وطبعت الحياة بطابع مذهبي وهابي، واحتوت مناطق المذهب الشافعي، وحاربت الصوفية والمتصوفة، وهدمت المقامات والقباب وأضرحة رجال الله الصالحين.
وشنت هجوما على المرأة، وكفنت الطالبات في المدارس والمعاهد الدينية بالنقاب، بل وفرضته على نساء اليمن.
ولم يبق أمامها إلا مناطق المذهب الزيدي الذي يمانع تمددها بأي شكل من الأشكال. لذلك ركزوا على مناطق المذهب مستعينين بمشائخ المرتزقة، الذين اشتروهم بالمال السعودي الذي أغدقت به السعودية عليهم. ومن أولئك الذين اشترتهم السعودية وجماعاتها؛ الشيخ الأحمر وأولاده الذين كانوا يأتمرون بأمر بني سعود ويعتبرون أنفسهم يد السعودية في اليمن واحتياطها القوي، زرعوا ما يسمى المعاهد العلمية في عقر دار المذهب الزيدي، كما هو الحال في دماج صعدة الذي كلفوا به التكفيري مقبل بن هادي الوادعي للقيام بمهمة إنشاء ثكنات وهابية في دماج صعدة، تحت غطاء تعليم الحديث؛ جالبا اليها كل من هب ودب من مناطق الداخل. ومن كثير أقطار أجنبية، وخصصوا لتلك الثكنات ميزانية سعودية ضخمة لشراء وإسكات من يعترض عليهم، والصرف عل القادمين إلى هذه الثكنات، بل كان الشيخ الوادعي يوزع سلاحا وذخائر تحت غطاء الشراء من سوق الطلح في صعدة !!
وصل الغرور بتلك الجماعات إلى إلغاء مدارس التعليم العام واستبدالها بالمعاهد الدينية الوهابية في بعض المناطق؛ تحت إرهاب هذه الجماعات والمتعاونين معها من الأجهزة الأمنية والحكومية. ومن يعترض فإن تهمه جاهزة : ( شيوعي ومخرب ومعارض للإسلام ،ومزق القرآن ) وغيرها من التهم التي تحبكها الجماعات لمعارضيها، أو من يقفون في طريقها.
كانت مناطق الجهل والتخلف في الأرياف هي ميدان نشاط هذه الجماعات للتغرير بالفقراء واستقطاب أولادهم إلى الأقسام الداخلية، ونشر التطرف، والتحريض على الآخر. وتسفير هؤلاء المغرر بهم إلى مناطق الحروب في الداخل والخارج.
لقد دمروا أجيال بكاملها بهكذا تعليم وتخريف. ومازال بعض ضحاياهم في قبضة الأمريكي في جوانتنامو وجورجيا وكثير سجون تابعة للمخابرات الأمريكية.
أخرجت منظومة التعليم المسماة بالمعاهد (العلمية) – زورا -جيشا من العاطلين الذين لا يجيدون مهنة، سوى مهنة الهدرة وتلفيق الأكاذيب، ولديهم استعداد للعمل مع من يدفع لهم من الطغاة والمستبدين والأشرار ودول الاستكبار العالمي في والخارج.
لقد كان هذا الجيش العاطل هو احتياطي الإمبريالية الأمريكية والرجعية السعودية تستعين به وتستدعيه متى وكيفما شاءت.
وكان القتال، في أفغانستان والبوسنة والهرسك والفلبين، ثم فيما بعد في اليمن في حرب ٩٤ إحدى هذه المهام المكلف بها جماعات التأسلم الوهابي الاخواني والمكلف بها هؤلاء العطالة.
كانت مملكة آل سعود قد حددت للجماعات التابعة لها في اليمن فترة للانقلاب على عفاش وإعلان دولة وهابية في شمال اليمن، لكن عفاش هرب إلى الوحدة. فعارضت هذه الجماعات إعلان مشروع دولة الوحدة. ثم التقى عفاش مع هذه الجماعات مستغلا معارضتها للوحدة، فجمعت هذه الجماعة أكثر من ٦٠ ألف، مما عرف بالأفغان العرب، وزعتهم على الفرقة وعلى معسكرات عفاش للانقلاب على الوحدة وغزو الجنوب، وسرقة إمكانياته وثرواته وإقصاء كوادره، والقضاء على إنجازات الدولة الجنوبية.