الجمعيات التعاونية.. مسار نهوض واستثمار منظم في طور التشكيل

الزراعة في ريمة مصدر دخل أساسي، ولكن؟

كلفة إنتاج ونقل عالية في سوق بلا آلية منصفة للمنتج المحلي

الاهتمام الكبير الذي يوليه أبناء محافظة ريمة بالجانب الزراعي وحراثة الأرض يبدو واضحا فيما يتحقق على أرض الواقع من نقلة نوعية في تعدد المحاصيل الزراعية وزيادة المساحة المحصولية للمحاصيل المطرية من الذرة والشعير والشام والدجرى والكشد، والتوسع في زراعة المحاصيل النقدية من البن والهرد والزنجبيل والتمر الهندي، ومختلف أنواع الخضروات والفواكه التي يكاد أن تحقق الكثير من المزارعين اكتفاء ذاتيا في إنتاجها.
وتعد الزراعة من أبرز الأنشطة التي يمارسها سكان المحافظة الواعدة ريمة، حيث يزرع العديد من الخضروات والفواكه والحبوب والبقوليات والبن، فضلاً عن الاهتمام بتربية الحيوانات والنحل وإنتاج العسل؛ إلا أن النحل تعرض في الفترة الأخيرة لعدة عوامل تسببت في انحسار إنتاجه إلى درجة انعدامه في بعض مناطق المحافظة، ويرجع المواطنون السبب إلى نقص في خبرات المربين بمهارات وتقنيات العناية بالنحل وتنميتها كاستثمار تجاري.
والمتأمل في أعماق التركيبة الاجتماعية المتجانسة لأبناء محافظة ريمة، يدرك أن ثمة روحية عظيمة تتخذ من الثقافة القرآنية «وتعاونوا على البر والتقوى…»، والهوية الإيمانية «الإيمان يمان والحكمة يمانية»، مسارا لا حياد عنه نحو الاستجابة المثلى لدعوة سماحة قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، يحفظه الله إلى تحقق الاكتفاء الذاتي من المنتج المحلي من المحاصيل الزراعية.
كما تمثل توجيهات رئيس المجلس السياسي الأعلى المشير مهدي المشاط إلى إعادة الاعتبار للشخصية اليمنية المتكاملة في أدوارها والمعتزة بقيم العمل والإنتاج الزراعي صانعة الحضارات عبر التاريخ خطوط عريضة لبرنامج تفعيل المشاركة المجتمعية في التنمية، وإطلاق المبادرات المجتمعية في مجالات الطرقات والتعليم والمياه والصحة والنظافة…الخ.
الثورة /يحيى الربيعي

واقع الحال
اتجه الكثير من مزارعي ريمة إلى زراعة محاصيل الذرة بأنواعها المختلفة، والدخن وذلك بهدف التخفيف من معاناتهم والإسهام في تغذية السوق المحلية بالفائض، سيما في ظل الأوضاع الراهنة جراء العدوان والحصار، وتعد الذرة الرفيعة والشامية والدخن والذرة الحمراء هي المحاصيل الأكثر زراعة في السهول والوديان في مختلف مناطق المحافظة للموسم الجاري.
وسجل إنتاج محصول الذرة والدخن خلال الموسم الجاري زيادة عن الأعوام السابقة من حيث الاهتمام والتوسع في رقعة زراعتهما، حيث يؤكد المزارعون أن العودة إلى الأرض شكلت نسبة كبيرة هذا العام، خاصة وأن المحصول في الأعوام الماضية شكل عاملا محفزا للكثير في العودة إلى الزراعة، فالمزارع يحصد من (النيحة؛ نصف لبنة) ما يتراوح بين 2 – 3 أقداح، فالذي يملك 100 «نيحة»- مثلا- يصفي ما بين 20 – 30 قدحا، وهي كمية تلبي احتياج أسرة صغيرة لسنة من الذرة، فيما تقل حصيلة المزارع من مادة الدخن إلى 10 أقداح، ويرجع ذلك إلى أن زراعة الدخن عادة ما تكون قليلة، ومثله الشام والدجري والكشد والفول السوداني وبعض البقوليات مثل الفاصوليا والفول التي تزرع عادة بينية مع الذرة والبن وبنسب قليلة قد لا تفي بتلبية احتياجات الكثير من الأسر ذات العدد الكبير من الأفراد.

خرمش
كما يجري في هذه الأيام حصاد فاكهة الخرمش (القشطة) (شجرة موسمية تعتمد بشكل أساسي على مياه الأمطار) التي تنتج منها مديريتا الجبين والجعفرية أكثر من 242 طنًّا في الموسم الواحد، وتعد احدى الفواكه التي تصدّرها محافظة ريمة إلى الأسواق المحليّة. وأشهر الأسواق المحلية التي يجمع إليها محاصيل المحافظة هما سوق علوجة وسوق الحدية، ومنهما يتم إرسال المنتجات إلى بيت الفقيه، ثم إلى عواصم محافظات الجمهورية والخارج.

بُن
وعلى مسار المحاصيل النقدية تحتفظ ريمة بمكانتها كثاني محافظة يمنية انتاجا للبن فقد بلغ إنتاجها من البن بحسب آخر إحصائية لمركز الإحصاء الزراعي بـ 3 آلاف و313 طنا من مساحة تقدر بـ 7 آلاف و495 هكتاراً.
ويعتبر البن مصدرا مهما من مصادر الدخل في محافظة ريمة وقد كانت الآلاف من الأسر تصب كل جهودها في زراعة شجرة البن والاهتمام بها، كونها تعتمد على محصول البن كمصدر دخل أساسي لها إلا أنه ومع تراجع الإنتاج في السنوات الأخيرة، اضطر الكثير من المزارعين أو أبنائهم إلى التخلي عن زراعته والسفر إلى مناطق أخرى للبحث عن عمل.

معاناة
توسع زراعة شجرة القات لعائدها الاقتصادي، وزيادة انتشار البن المستورد هو نتاج لغياب السياسة التسويقية الجيدة بالإضافة إلى انتشار الكثير من الآفات الزراعية التي تصيب شجرة البن وتتسبب في تساقط المحصول قبل نضوجه، وعجز المزارع عن مكافحتها نتيجة ارتفاع أسعار السموم الخاصة بالقضاء عليها وتردي الوضع الاقتصادي للمزارعين ناهيك عن نوبات الجفاف التي تستمر لفترات طويلة وتؤدى إلى يباس واقتلاع الكثير من أشجار البن، وكل ذلك من أهم العوامل التي أدت إلى تراجع سعر البن المحلي، الأمر الذي دفع بالكثير من المزارعين إلى العزوف عن زراعة البن والاهتمام به، ويعد غياب سوق مركزي بآلية تسويق عادلة وتجهيزات حفظ وتخزين مناسبة هو العائق الأكبر في مفاقمة معاناة المزارعين.

احتكار
تبقى معاناة مزارعي محافظة ريمة قائمة بسبب تدني قيمة المنتج سواء من البن أو غيره، وهو تدن يرجع- حسب افادة الكثير ممن شارك في النقاش من المهتمين وذي الشأن- إلى تلاعب كبار التجار الذين يسيطرون على الأسواق المحلية ويعمدون إلى شراء المنتج من المزارعين بأثمان بخسة مما يؤدى إلى تفاقم الأوضاع لديهم، مسببا لهم المعاناة، فالمزارعون باتوا لا يستطيعون توفير النفقات اللازمة للزراعة ناهيك عن أجور العمال للمزارع بسبب بيعهم للمحاصيل بتلك الأثمان الزهيدة.
ويوضح مزارعون حيث زرناهم في مزارعهم في (مغارم سمة وقطو الجبين) وبعض وديان مزهر أنهم يتوافدون إلى الأسواق المحلية في المحافظة من كل المناطق الجبلية رافدين السوق بمختلف أنواع البن إلا أنهم يواجهون احتكارا واسعا وتحكما من قبل التجار الكبار في أسعار البن كي تعود الفائدة لهم، اما المزارعون فانهم رغم تعبهم طوال العام في زراعته وجنيه إلا انهم يعودون إلى مزارعهم يجرون أذيال الخيبة ولايقدرون على تعويض خسارتهم في الزراعة طوال العام.

تلاعب
ويشارك المزارعون- حسب بعضهم- في ذلك من حيث حصاد البن- على سبيل المثال- بطريقة عشوائية قبل نضجه واحمراره وعدم تجفيفه بالشكل المطلوب وهذه الأخطاء تسهم في تقليل قيمة المنتج، ومن الأسباب الأخرى تلاعب التجار الذين يخلطون المنتج الرديء مع المنتج ذات الجودة العالية ويقومون بتسويقه إلى المحافظات اليمنية مما يؤدى إلى تشويه سمعة البن المنتج في ريمة، حسب ما أفاد بذلك بعض المزارعين.
كما أكد المزارعون أن إغلاق المنافذ البرية والبحرية أمام تصدير هذا المنتج الثمين إلى دول العالم كان له أثر كبير في حدوث الانتكاسة التي يعانيها مزارعو البن في اليمن بشكل عام، إذ كان في السابق يصدر إلى مختلف دول العالم وكان للبن اليمني سمعته الطيبة بجودته ومذاقه الذي جذب الأنظار إليه من مختلف البلدان طوال حقب من الزمن.

كلفة
ويبين المزارعون في ريمة أن توفر مياه العيون والغيول والآبار الجارية طوال العام هي من العوامل الرئيسية لاستقرار من تبقى من سكان الأرياف رغم معاناة الأسفار راجلين وعلى ظهور الحمير ينقلون منتجاتهم من أنواع الفواكه والخضروات التي تزرع في حوائط تلك المصادر المائية. لكن ذلك سرعان ما يتحول من الصورة المشرقة إلى غم وخزن الشكوى من ارتقاع كلفة وسائل النقل التقليدية، إذ تتراوح كلفة نقل كيس من الخضار أو الفاكهة أو البن أو الحبوب وزن 50 كجم ما بين 7-5 آلاف ريال على ظهر حمار، وتصل قيمة الحمار في بعض المناطق المحرومة من طرق السيارات إلى 500 ألف ريال، وعن أجور النقل بالسيارات ومخاطره حدث ولا حرج.

جهود
وكي يواجه المزارع في ريمة كل هذه المعوقات ويتغلب عليها، يؤكد مدير عام مكتب الزراعة والري إبراهيم التكروري أن ثمة جهوداً ملموسة تسعى لتحسين تجويد الإنتاج المحلي من المحاصيل النقدية كالكركم والزنجبيل والتمر الهندي والخرمش وتجويد منتجاتها بطرق علمية وحديثة.
ويشير التكروري إلى أن العمل جار- وتحت إشراف اللجنة الزراعية والسمكية العليا وزارة الزراعة والري ومؤسسة بنيان التنموية- على تشكيل الجمعيات التعاونية الزراعية متعددة الأغراض التي ستتولى مهام إحياء المهن الحرفية الزراعية والصناعية التقليدية وتعمل على إدخال الآليات الحديثة المناسبة على مختلف حلقات سلاسل قيمة الإنتاج الزراعي والصناعي والتغليف والتخزين والتسوق وتفعيل الاقتصاد المجتمعي من خلال تشجيع إنشاء وتنمية المشاريع الصغيرة والأصغر ورعاية الأسر المنتجة.
ويضيف: «ستعمل الجمعيات على تدريب المزارعين على المعاملات الزراعية الحديثة وطرق الجني والتجفيف والتخزين والتدريج والفرز المناسبة لكل منتج، إضافة إلى تزويدهم بأدوات زراعية حديثة تساهم في ازدهار الزراعة»، مؤكدا بأنه من المعول على الجمعيات- أيضا- فتح باب المساهمة في إنشاء سوق مركزي خاص بمنتجات المحافظة يحقق آمال وتطلعات المزارعين للوصول إلى نهضة حقيقية في الجانب الزراعي.

بارقة أمل
وكما يقال في الأثر «بداية الغيث قطرة»، دشنت جمعية الجعفرية التعاونية الزراعية متعددة الأغراض توزيع 4 أطنان من بذور الذرة الشامية المحسنة على المزارعين في محافظة ريمة.
وفي التدشين أشار رئيس الجمعية احمد الوليدي إلى أن أهمية توزيع البذور المحسنة للذرة الشامية على المزارعين تكمن في تشجيعهم وحثهم على الاهتمام بزراعة أراضيهم لضمان زيادة الإنتاج والتوسع في المساحات الزراعية نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز الأمن الغذائي.
فيما أشاد المزارعون بجهود الجمعية في تسهيل الإجراءات على المزارعين في الحصول على المدخلات بيسر وجودة لما ذلك من نتائج إيجابية من شأنها تعزيز مسارات تحقيق نهضة زراعية تعود بالنفع والفائدة على المزارعين في الاكتفاء ذاتيا ورفد الأسواق المحلية بالمنتج المحلي كبديل عن المستورد.

مخزون استثماري
تمتلك محافظة ريمة مخزونا مائيا كبيرا يكفي لقيام نهضة زراعية مستدامة، ويوضح مدير مشاريع مياه الريف بالمحافظة هاشم الأمير أن المخزون المائي في محافظة ريمة متاح بشكل استثماري، مؤكدا إمكانية الوصول إلى المياه السطحية على بعد15 – 20م، والجوفية على بعد 100 – 150م في رؤوس الجبال، مشيرا إلى إمكانية عمل شبكة ري منظمة يتم من خلالها استغلال هذه الثروة في توسيع المساحة المحصولية لزراعة الحبوب والبقوليات والهرد والكركم والتمر الهندي والبن عبر شركات مساهمة أو جمعيات تعاونية قوية قادرة على تقديم قروض بيضاء للمزارعين.

قد يعجبك ايضا