عرس الزكاة.. رسالة للجميع..!

عبدالله حزام

أن تجد خمسينيا صار يردد : رب أوزعني.. وداهمته أمراض الكبر (بكسر الكاف )لم يكمل نصف دينه فتلك مأساة يتحمل وزرها المجتمع بأكمله مؤسسات دولة وقطاعاً خاصاً وأفراداً مقتدرين لأنها مسؤولية اجتماعية تحتمها فضيلة التواصي بالحق.
وحال الخمسيني استدعى ما بداخلي من شفقة وحزن فمثله كثيرون فاتهم قطار الزواج أو اعتقدوا ذلك .. لكن مطلع الأسبوع الجاري تحول مشهد الحزن السالف -بالنسبة لي – إلى سعادة بالتأكيد ليست مكتملة لكن أن تأتي متأخرة خير من ألا تأتي بعد أن علمت أن 10044 عريساً وعروساً من الفقراء والمساكين بينهم من صار في سن الخمسين سيلتئم شملهم تحت سقف الزوجية ببركة الهيئة العامة للزكاة من خلال عرس جماعي عنونته بـ”مشروع العفاف”.. سيقدم فيه لكل عريس 850 الف ريال.
حسنة المشروع في توقيته إذ تعيش البلد حالة أسى انسحبت على حياة الناس أجمعين بفعل عدوان متوحش عملت ماكينته الحربية والإعلامية طيلة 8سنوات على قتل كل شيء بداخلنا بعد أن أجهزت على سبل الحياة وربما لم يتبق سوى الطبيعيات من شمس وأوكسيجين… بمنأى عن حفلة الجنون العدوانية تلك..
وبينما صنعاء تلملم الجراح وتحاول صنع سعادة هنا أو هناك بالمقابل عمدت دول العدوان على قصف مساحات الفرح ..-بالتأكيد نتذكر عرس سنبان- وغيره من المآسي كصالة عزاء آل الرويشان… وكلها ستبقى ندوبا عميقة في مشاعر اليمنيين إلى أمد بعيد..
وهنا يأتي الفارق بين من يعلي من قيمة الحياة والفرح وبين من يقتلها مع سابق إصرار وترصد..
والجميل أن يركز العرس الجماعي على الأشد فقرا ومن كاد قطار الزواج أن يفوتهم ..
والأجمل التركيز على البعد العروبي عبر إدراج أبناء الجالية الفلسطينية في قوائم العرس الجماعي ،والبعد الإنساني بوجود الجاليات الأفريقية وبما يعكس أن اليمنيين دعاة محبة وتكافل تجاه كل من يعيش بين ظهرانيهم وحتى الأبعدين.. رغم سوء أحوالهم.
كما نجد في عمق الحدث أن فضيلة العرس الجماعي لاتقف عند حدود الترويج الإعلامي الذي سيرافق الحدث وهو امر طبيعي ومستحق بل في التوجه نحو محاصرة قضية غلاء المهور وارتفاع تكاليف الأعراس التي قال زميل إعلامي عنها : اجر الفنان أو المزومل أو الصالة قد يفوق مهر الزواج.
وهو بالفعل أمر مؤسف لأن الحكمة اليمانية تعطلت ماكينتها عند البعض وقفزت إلى الرؤوس خيبات مشاريع القات ومحاكاة ما عليه خط سير بعض أصحاب المال ممن يمشي في الأرض مرحا وهو بكل حنق أمر مستهجن خصوصا في هكذا ظروف يصعب فيها حال اليمني معيشيا حتى على الكافر والزنديق ..
قد يسأل فهيم…هل مشروع هيئة الزكاة بتزويج 10044 بني آدم يحل المشكلة؟ سأقول أنا العبد لله: بالتأكيد لا.. لكن حجم الرقم كبير وقدتتوزع فرحته على كل قرى وعزل ومديريات اليمن لأن المتزوجين من أغلب مناطق اليمن..
وحتى نفهم أكثر… العرس رسالة لكل اليمنيين آباء وأمهات شباناً وشابات أن هيئة الزكاة لن تزوج كل من يريد الزواج لكنها بين الفترة والأخرى تطلق رسالة عملية تؤكد أهمية تيسير أمور الزواج وعدم المغالاة في المهور وأن التباهي في حفلات الزواج وتكاليفها الباهظة مفسدة تستدعي العودة إلى سكة التوسط والاعتدال في الأعراس دونما شطط حذر منه الدين وتشمئز منه الفطرة السليمة..
وغير خاف على المراقب ما نشاهده اليوم وعلى شاشات تلفزة عربية كبيرة وصغيرة من حديث عن المثلية الجنسية علنا أو ترميزا بسطحية أو بواقعية تروج لهكذا مصيبة ..فيما لايزال البعض يتعامى عن ذلك ويراه غير واقعي أو كأنه حديث عن فئة تعيش خارج الكوكب.. مع أنه صار حقيقة ملعونة.
لكن نقولها وباطمئنان أن لدينا مؤسسات تواجه ذلك الفجور بوعي وبمسؤولية وتتكئ على فائض قيم وحكمة هي رصيد اليمنيين التي تحصنهم من مزالق الوقوع في فخاخ القادم من خارج الحدود والبعيد كل البعد ليس عن الدين فحسب بل حتى عن الفطرة السوية.. ففي الغرب يبحث الأبناء عن أنسابهم بين ركام من القبح والفجور بينما اليمن تنتصر للقيم..
وبقي أن نهمس في إذن المقتدرين من أصحاب المال والنفوذ ونقول لهم غادروا مربع البذخ غير المنطقي في حفلات الأعراس وتعلقوا بحبل فضيلة الرحمة والتواضع ومراعاة مشاعر الناس وتذكروا قول الأجداد : من يأكل وما يحسب يفقر وما يدري.
ولهيئة الزكاة:
مشروع الزواج الجماعي يحقق المقاصد الشرعية لكن مع صرامة في المعايير عند تحديد المستحقين للزواج..
وأبدا نقول : “لا تعطيني كل يوم سمكة ولكن علمني كيف اصطاد” .وأظن الهيئة اشتغلت على هذا المنوال وفي جعبتها حزمة مشاريع تؤسس لواقع إيجابي سيلمس الناس ديموميتة وأثره فعلا في حياة كثيرين.. وهنا لن يكون الانتظار مؤلما عكس قول حكيم من الزمن الغابر.

قد يعجبك ايضا