لا شك أن من أبرز سمات التشريع الإسلامي : سماحته ويسر أحكامه فليس فيه حرج ولا مشقة ولا عسر ولا تعقيد بل فيه اليسر والرحمة والخير والتبشير. والذي يتصفح تعاليم الإسلام يرى هذه الحقيقة واضحة بأجلى معانيها وأوضح صورها ونماذجها في العقيدة والعبادة والمعاملة.
أما سماحة الإسلام في العقيدة فليس فيها تعقيد ولا غموض ولا نظرية جامحة ولا فلسفة حائرة بل تتركز عقيدته في الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره.
وليس في عقيدته إيمانا بما جاء به البشر بل إيمان بما أنزل الله على رسوله قال تعال: “ءامن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون.. ” سورة البقرة (285).
أما سماحة الإسلام في العبادة فهي عبادة ميسورة في متسع كل إنسان أن يأتي بها فلا صعوبة فيها ولم يكلف الله تعالى عباده إلا بما في وسعهم قال الله تعالى: “لا يكلف الله نفسا إلا وسعها” سورة البقرة آية (286).
وقد شرع الله العبادات وأحكامها ومع يسرها فقد رفع الحرج عنها: “وما جعل عليكم في الدين من حرج” سورة الحج آية رقم (78).
فمن لم يستطع الوضوء بالماء لمرض أو جرح يمنعه الماء أو لأنه لم يجد الماء بل فقده شرع الله له التيمم بالتراب الطاهر “فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا” سورة المائدة آية رقم (6).
في الوقت نفسه شرع الله الصلاة وما فيها من قيام وقعود وركوع وسجود ومع يسر هذه العبادة فقد رفع الحرج عنها ورخص لغير القادر على القيام أن يصلي من قعود ولغير القادر على أدائها من قعود أن يؤديها مضطجعا أو أن يؤديها بإشارة رأسه إلى أن وصل الأمر من التيسير ورفع الحرج أن يكتفي في حالة المرض أن يجري الأركان على قلبه عند عجزه عن الحالات السابقة¿
إنها الرحمة الإلهية قال تعالى “يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر” (سورة البقرة 185).
أما عن سماحة الإسلام في عبادة الصيام فقد رخص الله الفطر في رمضان للمريض والمسافر سفرا طويلا ويقضي في أيام أخر قال تعالى : “فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين” سورة البقرة آية رقم (185).
ومثل ذلك الحامل والمرضع على أن تصوم في أيام أخرى قضاء.
أما عن الحج فلم يشرع في كل شهر ولا في كل سنة بل أوجبه الله تعالى مرة واحدة في العمر كله ولم يفرضه على الجميع بل على المستطيع فحسب قال سبحانه ” ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا” سورة آل عمران آية (97).
وإذا نظرنا إلى سماحة الإسلام في المعاملات وجدنا الهدي النبوي يرشد إلى السماحة في كل المعاملات من بيع أو شراء أو اقتضاء فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “رحم الله رجلا سمحا إذا باع سمحا إذا اشترى وإذا اقتضى” رواه الإمام البخاري.
ومن أعظم جوانب السماحة في الإسلام أنه كما راعى السماحة في العقيدة والعبادة والمعاملات نجد أنه راعى السماحة مع معاملة المسلمين لغيرهم قال الله تعالى: “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين” سورة الممتحنة آية (8).
ومن سماحته في هذا الجانب أنه قرر حماية أهل الذمة والمستأمنين ما داموا في دار الإسلام وهذا الحق الذي قرره الإسلام لحمايتهم يجب أن يعمل به أهل الأديان الأخرى في معاملة الأقليات الإسلامية حماية لهم وتمكينا لعبادتهم حتى يتم التعاون بين عنصري الأمة.
ولتنظر كيف أكد الإسلام على حقوق أهل الكتاب والمعاهدين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إلا من ظلم معاهدا أو كلفه فوق طاقته أو أخذ شيئا بغير طيب منه فأنا حجيجة يوم القيامة”. رواه الإمام البيهقي.
وإرساء لأسس التعاون والتواصل بين عنصري الأمة أحل الله طعامهم فقال “وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم ” سورة المائدة آية رقم (5).
كما شرع الإسلام الزوج بالمرأة الكتابية ولا رابطة في المصاهرة الاجتماعية أقوى من ذلك قال تعالى:” والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب” سورة المائدة آية رقم (5).
هكذا هو الإسلام دين السماحة في العقيدة والعبادة والمعاملة حتى من غير المسلمين.
عضو بعثة الأزهر الشريف بالجمهورية اليمنية
Prev Post
قد يعجبك ايضا