العنوان استقيته من عبارات أطلقها أحد الفلسطينيين أثناء الاحتفال بمولد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في القدس الشريف ، فقد سأله الصحفي عن أهمية إحياء المولد ودوره في مقاومة الصلف الصهيوني ، أجاب بسرعة وبدون تلكؤ: أشقاؤنا في اليمن وبتلك الحشود البشرية التي لم يشهد لها التاريخ الإنساني مثيلا والهتافات المدوية التي ملأت الآفاق، قدموا أفضل رد على التطبيع والمهرولين نحوه من إخواننا العرب ، في الأولى قال “أشقاؤنا اليمنيون” وفي الأخيرة قال “إخواننا العرب” وهو يعني ما يقول، لأن هؤلاء قد فرطوا بكل شيء ولم يبق لديهم أي شيء يمكن أن يربطهم بالعروبة على شكل أشقاء.
بالفعل مثَّل المولد النبوي الشريف والملايين التي احتشدت في الميادين ، بالذات في ميدان السبعين بأمانة العاصمة، أعظم تظاهرة في الزمن الحاضر بل والماضي على مستوى العالم وليس على مستوى اليمن فقط ، والموقف بالنسبة لنا والمشاركة الجماهيرية الواسعة عكسا مدى تعطش أبناء اليمن الميمون للاحتفاء بذكرى مولد النبي أعظم قائد عرفته البشرية رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، فلقد أبدى الجميع شغفا كبيرا وحبا منقطع النظير أكد الولاء المطلق والصادق لله وللرسول ولآل البيت ، وهي محطة هامة لاستلهام الدروس والعبر من مشاهد الفداء والتضحية التي جسدها الرسول وأصحابه الكرام حتى رفعوا راية الدين وانتشر في جميع أرجاء الأرض ، كيف لا والرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد أحيا موازين العدل وأعاد القيم والأخلاق التي كانت في الماضي ويحاول الأعداء اليوم القضاء عليها أو التأثير على جزء كبير منها وإبدالها بقيم ومظاهر وأنشطة تتعارض كلياً مع هوية الإسلام ومنهجه القويم ، كما يحدث اليوم في السعودية وبقية دول الخليج وحالة المُسخ البشري التي أصبحت سائدة ، وحلت محل المبادئ العظيمة وبدلاً من الاقتداء بالمنهج القويم والأخلاق الفاضلة والقيم النبيلة للرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، يعملون على بث العادات والتقاليد الغربية بما هي عليه من خلاعة وعدم إحساس بالآدمية ، لا لشيء إلا لأنهم اعتبروا الإسلام كابحا للحريات بحسب توصيفاتهم السقيمة .
لذلك يأتي إحياء المولد النبوي الشريف بما يشتمل عليه من فرحة وبهجة، ليُنعش في نفوس الناس هذه القيم العظيمة ويُذكَّر من أصبحوا على مشارف الانفلات والخروج من نطاق الآدمية إلى نطاق الحيوانية، بالرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، ليتمثل الجميع منهجه وكل أفعاله في السلوك والممارسة اليومية في الحياة ، وبالذات حينما يكون الاحتفاء بذات الأسلوب الذي شهدته اليمن وبهذه المظاهر والأنشطة الاحتفالية العابقة بروحانية الإيمان وقدسية الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، والتي شكلت عامل إيقاظ للنفوس بعد أن أصابها الوهن أو الأخرى التي أصبحت غير عابئة بالدين والرسول الكريم وبهذه المظاهر العظيمة .
في نفس الوقت كان الاحتفال بهذا المستوى الكبير من الحضور والفاعلية ردا عمليا على حملات الإساءة التي حاولت تشويه رسول الإنسانية محمد صلى الله عليه وآله وسلم والتأثير على مكانته ، وكادت بالفعل أن تلقى بعض الاهتمام من قبل المسلمين الذين أصبح النبي بالنسبة لهم مجرد طقوس وحركات يؤدونها لا التزام وإتباع كلي وولاء مطلق للرسول والمنهج الإلهي .
وبالتالي فإن عظمة المناسبة ودلالة الاحتفاء بهذا الشكل الكبير أيقظت لدى الآخرين نفس الروح فبادروا إلى إحيائها وتمردوا على كل تعاليم البدعة والضلالة التي روجها آل سعود من خلال مذهبهم المُتسم بالتطرف والغلو ، أو جماعة الإخوان المسلمين التي سارت على نفس النهج وأصبحت أكثر تطرفاً من الوهابية وتعمل على تفسيق وتبديع كل شيء جميل أو طقوس نبيلة تخدم الإسلام وتُعلي رايته ، وهذا ما شهدناه خلال السنوات الماضية والتي كانت عبارة عن حملات ممنهجة حاولت النيل من قدسية الإسلام وهز مكانته في نفوس اليمنيين، إلا أنها باءت بالفشل، بل وسقطت في مزابل التاريخ بعد أن ظهرت معالم النور وأشرقت من جديد في سماء اليمن وهي اليوم معين لا ينضب يستمد منه المجاهدون قوة النصر والإرادة وهم يدافعون عن حياض الوطن ويتمسك بها كل يمني كخيار ومنهج لا بديل عنهما ، وستظل الرايات مرفوعة إن شاء الله إلى أبد الآبدين ، والله من وراء القصد ..