الاحتفالات النبوية عنوان الهوية اليمنية

العلامة / عدنان الجنيد

 

 

ها هو الشعب اليمني، في هذه الأيام، يحتفي ويحتفل ابتهاجاً بقدوم ذكرى مولد الجناب الأعظم، صلى الله عليه وآله وسلم، ويعبّر عن فرحته بهذه المناسبة بكل الإمكانات المتاحة لديه (مهرجانات – ندوات – محاضرات – مقالات – برامج تلفزيونية وإذاعية …. إلخ)، وكلها تصب في توعية الشعب حول معرفة النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – وتعظيمه، وحول ماذا يعني لنا الرسول ورسالته، فضلاً عن تعزيز الارتباط به، وتجديد البيعة له، والتأسي به، والسير على نهجه …، إلى آخر الأمور التي تربط الشعب اليمني بنبيه صلى الله عليه وآله وسلم..
وها هي صنعاء وبقية المحافظات، لا سيما التي يسيطر عليها الجيش واللجان الشعبية، تكتسي باللون الأخضر، فنرى اللافتات في الشوارع وعلى الجدران والسيارات، منقوشة بعبارات تشدنا نحو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ناهيك عن الرايات الخضراء المعلقة على المَحالِّ التجارية، والمؤسسات الحكومية، وكذلك الشارات المكتوب عليها (لبيك يا رسول الله)، التي نراها على جباه معظم الأطفال والشباب …
فلا ترى في صنعاء، وفي غيرها من المحافظات الحرة، إلا الألوان الخضراء، ولا تسمع إلا الزوامل والأناشيد، التي ترحب بذكرى مولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فتُهيِّج السامع نحوه صلى الله عليه وآله وسلم ..
كل هذا يجعلك تشعر أن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – قد بُعث من جديد، فينتابك الوجد، وتشعر بروحانية الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – متجسدة في كل مكان، لتفيض عيناك بالدموع، شوقاً إلى هاتيك الربوع، ربوع (طَيْبَة)، التي طابت برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ..
ولا عجب في أن ترى الشعب اليمني يحتفي بهذه المناسبة، بتلكم المظاهر الجميلة والعظيمة في آن واحد؛ لأن الاحتفالات بهذه المناسبات ومثيلاتها، لا سيما الدينية منها، ماهي إلا جزء من هويته وحضارته، وقد كان في القرون الماضية يحتفل بهذه المناسبة جماعات وأفراداً، حيث كان أفراد المجتمع اليمني، القاطنون في مناطق شمال الشمال، يحتفلون بهذه المناسبة في المساجد، وأما القاطنون في المناطق الوسطى، وفي محافظتي تعز والحديدة، والمحافظات الجنوبية، فقد كان الصوفية الشافعية يحتفلون بهذه المناسبة، في مساجدهم وزواياهم وأربطتهم، في شهر ربيع من كل عام، وبعضهم كان يخصص ليلتي كل جمعة وإثنين، للاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، على مدار السنة، وأيضاً كان الناس في بعض المناطق خلال أيام هذه الذكرى النبوية، يلبسون الجديد، ويوزعون الحلوى على الأطفال، وكذلك تبسط الموائد للفقراء والمساكين ..
وهكذا، ظل الناس يحتفلون ابتهاجاً بذكرى المولد النبوي الشريف، حتى جاء الوهابيون، في ثمانينيات القرن العشرين، بفكرهم الدخيل على الإسلام، وبدأوا بمحاربة كل المحتفلين بذكرى ميلاد رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – فبدَّعُوهم وفسقوهم وكفروهم، وذلك بإشارة خضراء من الأنظمة السابقة، التي أفسحت لهم المجال، ليفعلوا ما يريدون ..
وبهذا أُغلقت الكثير من الزوايا الصوفية، والأربطة الدينية، وتم استقطاب الكثير من أولاد مشايخ الصوفية، ناهيك عن غيرهم من عامة الناس، وأصبح الاحتفال بمولد النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – مُقتصراً على البعض فقط من الزوايا الصوفية، لا سيما التي كان لمشائخها حضور شعبي كبير..
وهكذا، بدأت تتقلص هذه الاحتفالات، حتى كادت أن تنتهي، ولولا ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر، التي أعادت للشعب اليمني هويته وكرامته، لما كانت هناك أي احتفالات نبوية، أو مناسبات دينية، فبعد هذه الثورة المباركة، بدأ الناس يتنفسون الصعداء في استعادة هويتهم، وباتوا يحتفلون بمناسباتهم النبوية والدينية..
نعم.. لقد أصبح الشعب بكل فئاته – بعد ثورته المباركة – مع قيادته وحكومته، يحتفل رسمياً بهذه المناسبة، في مؤسساته (الحكومية، والعسكرية، والتعليمية، والمهنية و….. إلخ)، يحتفل في الحارات والمديريات والمدن والمحافظات، ويعبّر عن فرحه برسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – بكل مظاهر الفرح والتعظيم له صلى الله عليه وآله وسلم..
وها هو الشعب اليمني اليوم – من خلال هذه الاحتفالات التي يقيمها – يرسل للعالم أجمع رسالة فحواها : «نحن – اليمنيون – شعبُ متمسكُ برسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – ومرتبطُ به، وكما نصرناه في الماضي على أعدائه، فها نحن اليوم ننصره في الحاضر، وقد توليناه قديماً وحديثاً، فلا نقبل الذل والهوان، ولا أن يهيمن علينا الصهاينة والأمريكان، ولن نكون تحت وصاية آل سعود ولا غيرهم من العربان، بل ولا أي بلدٍ من البلدان، وما صمودنا الشامخ، وثباتنا الراسخ، طيلة سنوات الحرب، إلا بسبب ارتباطنا برسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – وبآل بيته من أعلام الهدى» ..
هذا هو الشعب اليمني، وهذه هي هويته الإيمانية..
والإيمان يمانٍ، والحكمة يمانية.

قد يعجبك ايضا