اليمن والإخوان

يكتبها اليوم / عباس السيد

عباس السيد

تعود علاقة الإخوان المسلمين، بالسلطة في اليمن إلى أربعينيات القرن الماضي، حينها كان التنظيم الذي أسسه حَسَن البنَّا في مدينة الإسماعيلية ـ قبل أن ينقله إلى القاهرة ـ لا يزال في مرحلة التأسيس.
استغل حسن البنا حُسن نوايا الإمام يحيى وتديُّنه، وعدم خبرته في السياسة والعلاقات الخارجية، ونسج علاقات واسعة مع الإمام ومسؤولي حكومته الذين كانوا يزورون البنَّا ويمضون أياما في ضيافته بالقاهرة، حتى أن البنا سمَّى ابنه سيف الإسلام “تيمَّنا” بسيف الإسلام أحمد نجل الإمام يحيى .
وفي إطار التعاون بين الطرفين، أرسل البنا إلى اليمن أدواته وعيونه على هيئة مدرسين وتجار ومستثمرين، بينهم الجزائري “الفضيل الورتلاني” الذي دخل اليمن كمستثمر، ثم تبوأ منصب وزير الخارجية بعد نجاح خطة الإخوان في اغتيال الإمام يحيى في 17 فبراير 1948، بينما تولى العراقي جمال جميل منصب وزير الحربية والأمن في مملكة عبدالله الوزير التي لم تُكمل شهرا واحدا، قبل أن يتمكن سيف الإسلام أحمد، من إسقاط الانقلاب واستعادة عرش والده.
وبغض النظر عن سياسة العزلة والأوضاع المتردية في ظل حكم الإمام يحيى آنذاك، تعد جريمة اغتياله من أبشع الجرائم السياسية، بالنظر إلى أطرافها وأبعادها، وبما تمثله من انتهاك للسيادة وخيانة .. إلخ.
لم يأبه البنَّا لحجم الجريمة، وحاول بشتى السبل دعم الانقلاب في صنعاء التي كان يحلم أن تكون عاصمة التنظيم الذي كان لا يزال غريبا في القاهرة، المدينة التي يتجول في شوارعها الجنود البريطانيون بأمان وهم ثملى من السكر .
والمفارقة الغريبة أن المرشد حسن البنا، كفَّر مجموعة من شباب التنظيم حين قاموا باغتيال رئيس الحكومة المصرية، محمود النقراشي في 28 ديسمبر 1948، نفس العام الذي اغتيل فيه الإمام يحيى ـ ووصف البنا أولئك الشباب بأنهم “لا إخوان ولا مسلمين”.
بعد نحو أسبوعين من اغتيال النقراشي، وعام على اغتيال الإمام يحيى، تم اغتيال حسن البنا في 12 فبراير 1949 .
هذا العرض التاريخي ليس للشماتة، رحمة الله تغشى الجميع، لكنها حقائق يجري تحريفها وخصوصا من “عشاق السلطة والنفوذ”، فجريمة اغتيال الإمام يحيى، تُقدَّم في الكتب التاريخية والمناهج المدرسية باعتبارها “ثورة دستورية” وهذا يجسد حجم الزيف والتضليل الذي نعيشه .
انتهى العهد الملكي بأئمته، يحيى، وأحمد، والبدر، لكن البذور التي زرعها حسن البنا في اليمن أثمرت وانتشرت، ومثل كل الأحزاب السياسية والدينية كان للإخوان أو الإصلاح نصيب في ما وصلنا إليه في اليمن من خير وسوء .
ليس لدي مشكلة مع الإصلاح أو الإخوان أو أي حزب ديني، يميني أو يساري، طالما أن الجميع يخضعون لدستور واحد يُعلي مصلحة اليمن وشعبها، بعيدا عن أي توجيه إملاءات خارجية، فنحن شعب عمره آلاف السنين، له ميراث حضاري وسياسي عريق، يستطيع تحديد مساراته وخياراته، ولا يمكن أن نكون دمى في أيدي الآخرين.
لقد آن الأوان لإخواننا في حزب الإصلاح وهم يتعرضون لعملية اجتثاث شاملة في المحافظات المحتلة، المحافظات التي فتحوا أبوابها للخارج، وها هو يُخرجهم منها، ويرميهم من النوافذ والأسطح، آن الأوان لكي يراجعوا سياستهم وأن يعيدوا ضبط بوصلتهم قبل أن يفوت الأوان .
أنا هنا لا أعبر عن طرف معين، ولا أستعطف، لكن يعز عليَّ كما يعز على أي يمني، أن يتعرض مكون سياسي يمني يؤمن بالوحدة اليمنية لعملية اجتثاث ومسح من الخارطة السياسية والجغرافية اليمنية وبواسطة قوى خارجية . فلنكن جميعا إخوانا لليمن .وليس للرياض أو أنقرة والدوحة .
أعرف، ستقولون : وماذا عن طهران ؟!
والجواب : هناك فرق بين الحليف والكفيل وبين مرشد وآخر .

قد يعجبك ايضا