خليل المعلمي
لقد ارتبط تطور فن الرسم والرؤية بالتقدم العلمي للإنسان حتى وصل إلى اختراع التصوير الفوتوغرافي في العام 1835م، الذي أحدث نقلة نوعية جديدة تماماً لوعي وتلقي الإنسان، وصاحب ذلك تشكيلاً جديداً كان له الأثر الأكبر في تطور الفن التشكيلي الكلاسيكي، وبعد عشرين عاماً أقيم أول معرض للتأثيريين عام ١٨٦٠م، اتخذ أسلوب إعلاء وجدان الفنان والاهتمام أكثر بأحاسيسه الداخلية وتطويع الألوان لهذه الرؤية وسيطرته في اللوحة.
بحث في الجمال والإبداع
ويعتبر كتاب “سحر الألوان” للفنان “سعيد شيمي” بحث في الجمال والإبداع السينمائي الملون، وهو يطرح العلاقة المتداخلة بين الألوان في اللوحة التشكيلية، ومدى الاستفادة التي استلهمتها الصورة السينمائية من تاريخ الرسم عبر مراحل تطوير الحضارة الإنسانية، فمنذ فجر البشرية التي عبرت عن أفكارها في صورة على جدران الكهوف والمعابد، شكلت الحضارات القديمة للبشرية حلقة من حلقات المعرفة والتقدم، وكانت الصورة أي الرسم والنحت الغائر والبارز والمنظور المعماري مثل المعابد في الحضارات القديمة في مصر وبلاد الرافدين، ومع ظهور المسيحية في أوروبا لم يجد رجال الدين غير الصورة المرسومة على جدران الكنائس وحوائطها وسقوفها، بينما تحولت الصورة في الإسلام إلى عظمة القص والمعنى المتخيل من قراءة القرآن والمعاني الفنية في اللغة العربية وجمال الخط العربي على جدران المساجد.
ومع عصر النهضة في أوروبا أصبحت الصورة تتداول في لوحات مرسومة للمناظر الطبيعية وللأساطير والصور الشخصية كزينة تعلق في البيوت والقصور، وكانت الألوان ببهجتها أو قتامتها وشكل الضوء الموجود في اللوحة تتطور مع تطور ثقافة البشرية.
فمن خلال 264 صورة ملونة لأهم اللوحات التي تمثل مراحل تطور الفن التشكيلي العالمي وعبر ثلاثة أبواب مكونة للكتاب في أول أجزائه يرصد الباحث ثلاث نقاط هي الضوء وطبيعة الألوان والرؤية ومنظور انثروبولوجوي تاريخي للون وقوته.
المرجعية التشكيلية
يؤكد الكاتب في الباب الأول ومن خلال فصل معنون بالمرجعية التشكيلية لسينمائيين، أنه يوجد مخرجون ومديرو تصوير ومهندسو مناظر لا تقل رؤيتهم الإبداعية عن رؤية عظماء البنائين والفنانين في الحضارات القديمة وفناني الرسم في عصر النهضة أو المدارس الأحدث في القرنين التاسع عشر والعشرين، وأن السينما استطاعت بكونها فناً شعبياً أن تنشر عن طريق وسائلها البصرية والسمعية فنون الرسم والموسيقى والعمارة والنحت وغيرها.
ظهور الألوان
في الباب الثاني يبين الكاتب كيف دخلت الألوان في الصورة الفوتوغرافية والسينمائية، واستخدمت السينما ثلاثة محاور لجذب المشاهدين من أمام التليفزيون، وهي: الإنتاج الضخم المبهر، واستخدام الشاشة العريضة المتسعة والمجسمة، والمحور الثالث لاسترجاع عرش السينما هو أن يكون كل الأفلام مصورة بالألوان، وهو المحور الأساسي في هذا الكتاب الذي هو بحث في الجمال والإبداع السينمائي الملون.
أما الباب الثالث الأكثر ارتباطاً باللون في السينما الحديثة المتطورة يسميها الكاتب مرحلة الاستنارة اللونية، حيث استعمل اللون بطريقة أكثر فاعلية وقيمة ليس مجرد ألوان للبهجة أو ألوان متشابهة للطبيعة.
تأثير اللون
ويبين المؤلف قوة تأثير اللون في السرد الدرامي للفيلم حيث لعب اللون كعنصر مساعد ومدلل على أشياء حسية وسيكولوجية وانطباعية وفسيولوجية ورمزية في المشهد السينمائي تستخدم هذه الدلالات بطريقة لا شعورية تساعد الدراما المرئية، ويؤكد قيمة الألوان في السينما بمنطق الفنان التشكيلي مع عدم اغفال باقي العناصر التي تصنع الصورة في السينما التي هي فن جماعي.
ويشرح الكاتب أفكار العديد من أبرز المخرجين العالميين مثل مايكل انجلو انطونيوني، وانجمار برجمان وألوانه النفسية ويحلل فيلم “ظلال الأجداد المنسيين” الذي عرض تحت اسم “الخيول” للمخرج سيرجي بارادجانوف.
اهتمامات
تناول الكتاب اهتمام مديري التصوير بالتراث العظيم من الفن التشكيلي على مر العصور، يستعينون بنقاط من: الانطباع العام في الزمان والمكان والشكل والألوان والأسلوب وغيرها لأنه سيزيد من ثقافة الرؤية للمصور السينمائي، كما يمثل محوراً مشتركاً للاهتمام وضبط الرؤية بين مدير التصوير والمخرج “الديكورات والملابس”، ومن مديري ومصممي التصوير الذين طوروا السينما: الإسباني نيستور ألميندروس، والمكسيكي جون ألونزو، والأمريكي جون بيلي، ومواطنه كونراد هـال الذي حصل على جائزة الأوسكار في التصوير مرتين، والسويدي سفين نيكفيست، والمخرج المصري الذي تنبه إلى الرؤية التشكيلية السينمائية الراحل ممدوح شكري، ومواطنه شادي عبد السلام الذي حدد شكله السينمائي المصري بالعودة إلى أصول الفنون التشكيلية الفرعونية التي عبر بها عن شخصية المصري المعاصر الذي يستعيد أصوله التاريخية لينهض من جديد، ولا يغفل الكاتب في هذا المجال أن يذكر تجربته في تصوير الأفلام الحديثة ومنها فيلم “عمر2000”.
الصورة السينمائية
ويوضح الكتاب طرق التحكم في الصورة السينمائية، باختيار نوع الفيلم الملون واختيار العدسات، والمكان والوقت المناسب لتصوير واستخدام المرشحات بأنواعها المختلفة من المرشحات العامة إلى مرشحات الكثافة المحايدة والاتزان اللوني والألوان المتداخلة ومرشحات تكرار الصورة في اللقطة الواحدة وغيرها، إلى جانب استعمال اللون كهدف نفسي «سيكولوجي»، أو جمالي أو تأثيري انطباعي، أو فانتاري أو كلون خارج الواقع أو كهدف شاعري أو كبعد تاريخي زمني.
وعلى هذا يبقى الكتاب عصياً على الإيجاز، لا غنى عنه لكل المشتغلين في السينما إبداعاً ونقداً وتذوقاً.