نسقت لصفقات بين دول العدوان والتنظيمات وسهلت وصول الأسلحة اليهم

 

كيف تلاعبت أمريكا بالإرهاب ليواكب مصالحها في اليمن

صنع الأمريكيون من الإرهاب شبحاً «وقرروا مطاردته» فغزوا الدول واحتلوها ودمروها ، وسيطروا عليها تحت يافطة «مكافحة الإرهاب» المصطنع من قبلهم .
وفي اليمن استثمر الأمريكيون ورقة التنظيمات الإرهابية وحركوها ليتخذوا من تحركاتها ذريعة لتواجدهم العسكري واستباحة أراضيه وضرب مواطنيه بطائراتهم المسيرة، وصولاً إلى التحكم به سياسياً وعسكرياً وأمنياً.
وبعد رحيلها من اليمن مرغمة بعد ثورة الـ 21 من سبتمبر وتزعمها للعدوان، دفعت أمريكا بهذه التنظيمات إلى المشهد اليمني ومولتها بشكل مباشر وغير مباشر عن طريق أدواتها « السعودية والإمارات» لتقاتل لحسابها ولصالحها.

تحقيق/ محمد الروحاني

مبررات الوجود العسكري
في أكتوبر 2000م ، تعرضت المدمرة الأمريكية « يو اس اس كول» لحادث تفجير بينما كانت ترسو للتزود بالوقود في ميناء عدن ما أسفر عن مقتل 17 ملّاحاً أمريكياً وإصابة 39 آخرين .
لم يكن تفجير المدمرة «يو اس اس كول» سوى فعل مصطنع من قبل أمريكا التي عملت على مدى سنوات لإعادة عناصر تنظيم القاعدة من افغانستان إلى اليمن للقيام بمهام من هذا النوع لاحقاً .
ونتيجة للضغوط التي مارسها الأمريكيون على السلطة الحاكمة آنذاك، وقعت اليمن مع واشنطن اتفاقاً في مجال محاربة الإرهاب استباحت بموجبه أمريكا الأجواء اليمنية وانتهكت السيادة اليمنية بطائراتها التي كانت تنفذ الضربات تلو الضربات ضد اليمنيين بدعوى « الإرهاب» لينتهي الأمر بالتواجد العسكري على الأرض .
وخلال هذه الفترة أسس السفير الامريكي في صنعاء غرفة استخبارات وهو ما أكده الكاتب الأردني مأمون أفندي، في مقال له نشرته صحف عربية عديدة منها صحيفة (السفير العربي) اللبنانية، في 2010م، حيث قال: إن معظم المخططات والمشاريع الأمريكية في المنطقة العربية كانت تدار من أكبر غرفة استخبارات في صنعاء وفق الوثائق المسربة آنذاك.
كشف المستور
في مارس 2022م ، كشفت قناة «المسيرة» عن مكالمة هاتفية جرت بين الرئيس الهالك علي عبدالله صالح و مدير وكالة الـCIA الأمريكيّة الأسبق “ جورج تينيت “ يطلب فيها “ تينيت “ من الهالك صالح إخراج أحد العناصر الاستخباراتيّة المعتقلة في سجن الأمن السياسي بالعاصمة صنعاء، على إثر تفجير المدمرة “يو إس إس كول.
كما تظهر مكالمة أخرى إبلاغ “ صالح “ لـ “ تينيت “ الموافقة على إطلاق سراح العنصر المعتقل بصنعاء وتسليمه للأمريكيين .
المكالمة أظهرت بوضوح علاقة الاستخبارات الأمريكية بعناصر تنظيم القاعدة الإرهابي في اليمن وتوريط النظام السابق في المؤامرة وخيانة البلد.
توسع الدور الأمريكي
بعد قيام ثورة 2011 م ، واستلام المخلوع « هادي» السلطة توسع الدور الأمريكي في اليمن حيث سافر هادي في سبتمبر 2012 م إلى أمريكا وإلتقى الرئيس الأمريكي حينها «أوباما على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وفي هذا اللقاء أعاد المخلوع “هادي ” التأكيد على التزامات سلفه “علي صالح” وما رسم السفير الأمريكي من توجهات.
وبموجب مباحثات أمريكية مع السلطة آنذاك وصل مجموعة من جنود المارينز الأمريكي لحماية السفارة الأمريكية بصنعاء بالتزامن مع إرسال 200 جندي أمريكي إلى قاعدة الديلمي في العاصمة صنعاء ، و1500 جندي إلى قاعدة العند .
وفي العام 2013 م ، تحدث المخلوع « هادي» عن وجود غرفة عمليات مشتركة في صنعاء لمحاربة القاعدة تديرها أربع دول .
وعقب تصريحات « هادي» أطلقت طائرة أمريكية بدون طيار أربعة صواريخ هيلفاير على موكب عرس من 11 سيارة في البيضاء، قتلت الغارة ما لا يقل عن 12 رجلاً وألحقت إصابات بـ 15 آخرين على الأقل.
كما نفذت الولايات المتحدة في نفس العام تدخلا عسكرياً ميدانياً مباشراً، حيث اقتحمت فرقة من قوات المارينز الأمريكي بعض بيوت المواطنين في محافظة لحج اليمنية.
بالتزامن مع التوسع الأمريكي كان نشاط تنظيم القاعدة في اليمن يتوسع ووصلت عملياته إلى العاصمة صنعاء والى قلب وزارة الدفاع « تفجير مستشفى العرضي» .
الرحيل المذل
في 2014 م، حدث مالم يكن في حسبان الأمريكيين، إذ اندلعت ثورة الـ 21 من سبتمبر ، معلنة نهاية الوصاية على اليمن الأمر الذي اضطر الأمريكيين لإغلاق سفارتهم في صنعاء وسحب جنودهم من اليمن والذين كان آخرهم المائة جندي الذين سحبتهم أمريكا في الـ 21 من مارس 2015م، والذي وصفته وكالة الاستخبارات الأمريكية بالانتكاسة وفق ما نقلته صحيفة « الواشنطن بوست» بعد خروجهم بيوم واحد .
العدوان على اليمن
بعد مغادرة الأمريكيين اليمن وصعود قوة مناوئة لهم إلى الحكم أوعز الأمريكيون لعملائهم في المنطقة «السعودية والإمارات» بشن عدوان على اليمن في محاولة لإعادته إلى ما قبل ثورة الـ 21 من سبتمبر التي أفقدتهم سيطرتهم على اليمن والتحكم بقراره السياسي والعسكري طيلة السنوات التي سبقت الثورة .
البيضاء منطلق جديد للقاعدة
مع بداية العدوان على اليمن أعادت أمريكا «التنظيمات الإرهابية» إلى الواجهة وجعلت من البيضاء منطلقاً لهذه التنظيمات باعتبارها منطقة استراتيجية تتوسط عدداً من المحافظات، الأمر الذي سيساعدها في التمدد على نطاق واسع في اليمن .
ومنذ بداية العدوان على اليمن وقفت التنظيمات الإرهابية ومرتزقة العدوان في خندق واحد ومعركة واحدة باعتراف التنظيمات الإرهابية، التي أقرت صراحة بمشاركة عناصرها لمرتزقة العدوان في عدة جبهات في اليمن ، وهو الاعتراف الذي وضع حداً لنفي تحالف العدوان المستمر مشاركة التنظيمات الإرهابية في معاركه التي يديرها في اليمن وأزاح الستار عن حقيقة الدور الذي يقوم به تحالف العدوان برعاية أمريكية في تمويل وتسليح الإرهاب على الأراضي اليمنية .
صفقات واتفاقات
منذ إعلان تحالف العدوان حربه على اليمن في مارس 2015م ، عمد وبرعاية أمريكية إلى إبرام صفقات مع التنظيمات الإرهابية للانخراط في صفوف قواته التي تقاتل في اليمن وهو ما أكدته تقارير الصحف والوكالات الغربية ، حيث كشفت وكالة ” أسيوشيتد برس ” في اغسطس 2018 م ، في تقرير مطول عن إبرام تحالف العدوان برعاية أمريكية لاتفاقات سرية مع تنظيم القاعدة تضمن للتنظيم الحصول على مواقع جديدة يقيم عليها معسكراته مقابل انخراطه في المعركة التي يديرها في اليمن .
وبحسب التقرير فقد انسحبت القاعدة في 2016م، من مدينة المكلا الساحلية الجنوبية وسبع مناطق في محافظة أبين المجاورة، بموجب صفقات تم التوصل إليها مع تحالف العدوان برعاية أمريكية .
وأوضح التقرير الذي قال أنه يستند إلى شهادات ومقابلات مع أكثر من 20 مسؤولاً، بينهم ضباط أمن يمنيون وقادة جماعات ووسطاء قبليون وأربعة أعضاء في القاعدة، أن تلك الصفقات تضمنت ضم 10 آلاف من رجال القبائل المحليين، بما في ذلك 250 من مقاتلي القاعدة إلى الحزام الأمني، القوة اليمنية المدعومة إماراتياً في المنطقة .
انخراط مباشر
شاركت «القاعدة» منذ انطلاق العدوان على اليمن في الكثير من المعارك جنباً إلى جنب مع مرتزقة العدوان، حيث أكدت ” أسوشيتد برس ” في تقريرها انها أجرت مقابلة من خلال صحفي محلي مع خالد باطرفي قبل أن يصبح الأخير أميراً لتنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب، والتي اعلن خلالها باطرفي، “إن مقاتلي القاعدة يتواجدون على جميع خطوط المواجهة الرئيسية التي تقاتل المتمردين الحوثيين”، حسب تعبيره.
ووفق التقرير فإن مقاتلي القاعدة ، ينضمون إلى المعارك بشكل مستقل في بعض الأماكن ، لكن في العديد من الحالات يقوم قادة المليشيات من الطائفة السلفية المتشددة وجماعة الإخوان المسلمين بإحضارهم مباشرة إلى صفوفهم حيث يستفيدون من تمويل تحالف العدوان .
كما أورد التقرير شهادة لأحد الناشطين الذي يقاتلون ضد الجيش واللجان الشعبية في محافظة تعز قال فيه إن القادة تسلموا أسلحة ومساعدات أخرى من تحالف العدوان ووزعوها على جميع المقاتلين بما في ذلك مقاتلي «القاعدة» .
رعاية أمريكية
تقرير ” أسوشييتد برس” أكد أن الصفقات بين تحالف العدوان والتنظيمات الارهابية كانت تجري بتنسيق ورعاية أمريكية وهو ما اعترف به مشاركون بارزون في تلك الاتفاقيات، حيث قالوا إن الولايات المتحدة كانت على علم بالترتيبات وعلقت أي هجمات بطائرات بدون طيار.
كما أورد التقرير تعقيب لـ مايكل هورتون زميل في مؤسسة “جيمستاون”، وهي مؤسسة تحليلات أمريكية تتعقب الإرهاب قال فيه: أن عناصر الجيش الأمريكي يدركون بوضوح أن الكثير مما تفعله الولايات المتحدة في اليمن هو مساعدة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
وأضاف «هورتون» لقد أصبح من المستحيل تقريبا تمييز من ينتمي بالفعل لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب ومن لا ينتمي اليها منذ أن أبرمت الكثير من الصفقات والتحالفات”.
لم تكن الأسوشييتد برس وحدها من كشفت عن قتال التنظيمات الإرهابية إلى جانب تحالف العدوان في اليمن بل وتعدى الأمر إلى اعتراف وسائل إعلام أمريكية بذلك ومنها قناة الـ CNN التي كشفت في فبراير 2019م عن وصول أسلحة أمريكية زوّدت بها واشنطن التحالف السعودي الإماراتي في اليمن إلى مقاتلين مرتبطين بتنظيم “القاعدة”.
ورقة أمريكا الأخيرة في اليمن
لم تكن تطورات المعارك في اليمن لصالح أمريكا خصوصاً في محافظة البيضاء معقل التنظيمات الإرهابية ومحافظة مارب التي تحتضن أعداداً كبيرة من هذه العناصر، حيث استطاع الجيش واللجان الشعبية من تحرير العديد من المناطق في البيضاء وتطويق مدينة مارب عندها شعرت أمريكا بالخطر فأوعزت للتنظيمات الإرهابية في يوليو 2021 م بشن هجوم واسع على مناطق الجيش واللجان الشعبية في محافظة البيضاء، في عملية أطلق عليها اسم «النجم الثاقب» لمحاولة استعادة المناطق التي حررها الجيش واللجان الشعبية من تنظيمي «القاعدة وداعش»، بغية إعادة قدم التنظيمين إلى المحافظة، لتعود معهما يد أمريكا إلى وسط اليمن.
مراقبون أكدوا وقتها ان مشاركة «القاعدة وداعش» تحت المسمى الجديد «المقاومة السلفية» كان الرهان الأمريكي على استعادة البيضاء بعد الفشل الذريع الذي منيت به أياديها في كافة الجبهات؛ إذ سبق العملية تحشيد استمر لعدة أشهر، جمعت أمريكا من خلاله مئات المتطرفين من كافة الدول عن طريق فروع الجماعات المتطرفة التي تعمل جميعها لصالح الإدارة الأمريكية، وجرى تصديرهم إلى مارب ومنها إلى البيضاء.
الدعم الأمريكي للتنظيمات الإرهابية خلال هذه العملية أكده لقاء الفار علي محسن الأحمر، بقائد قوات البحرية الأمريكية الوسطى قائد الأسطول الخامس الفريق بحري براد كوبر، حيث انطلقت العملية عقب اللقاء مباشرة، بزخم كبير يعكس حجم الدعم الأمريكي الممنوح للجماعات المتطرفة، واستماتة العناصر خلال الزحف على المناطق الحرة، ومشاركة الطيران التابع لقيادة العدوان في المعركة.
محافظ عدن طارق سلام، قال وقتها إن أمريكا دفعت بعناصر تنظيم القاعدة التي دربتها في المعسكرات التي أنشأتها بالمحافظات الجنوبية المحتلة، للقتال في محافظة البيضاء، بعد فشل مرتزقة تحالف العدوان في تحقيق أي تقدم، لافتاً إلى أن «المعسكرات الأمريكية التي أنشئت في المحافظات الجنوبية المحتلة، هدفها إعداد عناصر التنظيم وتسليحها لخوض المعارك التي تديرها أمريكا» .
معسكرات للقاعدة في شبوة
بعد فشل رهان الأمريكيين في البيضاء وتمكن الجيش واللجان من تحرير هذه المحافظة من التنظيمات الإرهابية عمدت أمريكا إلى إنشاء معسكرات لهذه التنظيمات في محافظة شبوة المحاذية لمحافظة البيضاء لاستخدامها لاحقاً منطلقاً للعمليات على مواقع الجيش واللجان في محافظة البيضاء، وهو ما أكده قائد كتائب الوهبي اللواء بكيل صالح بن صالح الوهبي، الذي كشف عن إنشاء تحالف العدوان معسكرات للجماعات التكفيرية التابعة لما يسمى بـ «داعش والقاعدة» في محافظة شبوة ، ودعمه بالأسلحة الحديثة .
دعم أمريكي مباشر
الدعم الأمريكي المباشر للتنظيمات الإرهابية أكدته الصور التي نشرتها صنعاء في يوليو 2021م والتي أظهرت أسلحة عليها شعار الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) في عملية “النصر المبين” بمرحلتها الثانية والّتي أدّت إلى تحرير مديريتي نعمان وناطع من عناصر جماعات ” داعش والقاعدة ” بمحافظة البيضاء .
إلى جانب الدعم المباشر كان الأمريكيون يقدمون دعماً غير مباشر لهذه التنظيمات عن طريق عملائهم، حيث أظهرت الصور والوثائق- التي نٌشرت في أغسطس 2020م بعد تطهير قوات صنعاء منطقة يكلا بالبيضاء من عناصر “القاعدة وداعش”- الدعم السعودي الذي كان يقدم لهذه العناصر ومنها منح حج مجانية من مركز الملك سلمان مقدمة لعناصر التنظيمات الإرهابية للعام 1439هـ ـ 2018م، بالإضافة إلى صور أخرى عن أموال سعودية وأجهزة تصوير واتصالات حديثة وجدت في مواقع عناصر “القاعدة وداعش” ، إلى جانب مواد غذائية مقدمة من مركز الملك سلمان للإغاثة .
إنزعاج أمريكي من معارك مارب
مخاوف الامريكيين على «التنظيمات الارهابية « زادت مع اقتراب الجيش واللجان الشعبية من مدينة مارب حيث ظهر الانزعاج الكبير من قبل أمريكا والتي أبدت علناً امتعاضها من تقدم الجيش واللجان الشعبية لتحرير مدينة مارب، ودعت عبر أكثر من مسؤول للتوقف عن تحرير المدينة، رغم علمهـا ومعرفتها بتمركز التنظيمات التكفيرية فيهـا وتواجـدهم بشكل كبير وبمجـاميع تقدر بـالآلاف ، ويتضح مـن ذلـك مـدى خـوف أمريكا من القضاء على تلك التنظيمات التكفيرية التي تتخذها كذريعة وشماعة للتدخل في شؤون اليمن واحتلال أراضيها.
إحياء القاعدة في حضرموت
قبل أيام نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صور تظهر جنوداً أمريكيين خلال اجتماع مع قيادات عسكرية وأمنية ومدنية في مديرية بروم بمحافظة حضرموت التي تنتشر عناصر «القاعدة» في جبالها ووديانها وشواطئها .
مراقبون أكدوا أن الظهور العسكري الأمريكي بمديرية ميفع على علاقة بمسألة بقاء المديرية مرتعاً خصباً لـ «القاعدة وداعش» التنظيمين الإرهابيين المنتشرة عناصرهما في جبال ووديان وشواطئ المديرية .
ووفق المراقبين فإن الولايات المتحدة تعمل بسرعة على تفكيك المحافظات الجنوبية وتدشين سيناريو الفوضى المفتعلة والمنتظمة بإدارة من تحالف العدوان بقطبيه السعودية والإمارات، مشيرة إلى أن تنظيمي القاعدة وداعش في حضرموت سيكون لهما دور في المرحلة المقبلة في الفوضى والسيطرة على المحافظات الجنوبية أو أجزاء منها بالتزامن مع استمرار إدارة الاقتتال والصراع داخل الفصائل المحلية التابعة لتحالف العدوان بقطبيه.

قد يعجبك ايضا