صرف المرتبات أولوية
يكتبها اليوم / وديع العبسي
تساهلت الأمم المتحدة طوال أسابيع الهدنة الماضية في الضغط على دول العدوان لصرف مرتبات الموظفين، ليتبين بعد ذلك أن الأمر لم يكن إلا ترحيلاً متعمداً لورقة مساومة ومقايضة تستخدمها المنظمة الدولية من أجل مكاسب باتت هي من تعمل لأجلها بدلاً عن دول التحالف.
وفي لقاء غروندبرغ الأخير مع رئيس الوفد الوطني المفاوض في عُمان أشار المبعوث الأممي إلى “عرضه” صرف المرتبات خلال التمديد الثاني للهدنة التي أرادها ستة أشهر هذه المرة، ليكشف بذلك عن سوأة الأمم المتحدة التي قدمت نفسها بهذا العرض كفاعل بيده فك قيود المرتبات، ثم كطرف مُعادٍ يزايد في ما هو استحقاق إنساني ومن غير الأخلاقي التلويح به كجزرة.
ولأن كلام غروندبرغ لا يتمتع بكل الصدقية فتجارب الوعود والنكث بها مسألة ألفها اليمنيون من الأمم المتحدة طوال سنوات العدوان، فإن صنعاء اليوم وكل المجتمع اليمني باتوا عازمين على انتزاع هذا الحق بالسلم أو بالنار، وإما أن تستعيد الأمم المتحدة آدميتها وتعمل بتوجهات إنسانية وتطلق مرتبات الموظفين طالما وهي من تعرض وتناقش في هذا الأمر، وإما لا هدنة، كما تؤكد ذلك كل الفعاليات الوطنية سياسية كانت أو عسكرية.
مئات الآلاف من الموظفين دخلوا دائرة المعاناة منذ نهاية عام ٢٠١٦، بينما قوى العدوان تتقاسم كعكة الثروات وترمي بالفتات إلى أدواتها المشرعِنة لفعل النهب، حتى إخوتنا في المحافظات المحتلة يعيشون وضعاً مأساوياً في مدن تغرق في الفوضى، وغياب الخدمات، ما يثير التساؤل عن مصير ملايين الدولارات يومياً من عائدات النفط، وعن وُجهة تلك السفن العملاقة التي تزور موانئ المحافظات الجنوبية والشرقية لتنهب ما استطاعت من النفط الخام بمعدل شحنة على الأقل كل شهر؟
وتشير الأرقام إلى أن ما تم نهبه من عائدات النفط الخام في اليمن خلال الفترة من 2016 وحتى 2022 وصل إلى 14 ملياراً و450 مليون دولار، حسب تقرير نُشر قبل أيام.
وتستمر دورة النهب وتمكين القوى الأجنبية من السيطرة على منابع الثروات في الوقت الذي يعيش فيه أصحاب هذه الثروات لحظات قاسية من الحاجة والمعاناة من أجل تأمين قوت أطفالهم واستقرار أسرهم.
الحديث يدور اليوم عن موافقة دول ما تسمى بالرباعية (سابقاً) عن الالتزام بصرف المرتبات، وهو الأمر الذي يمكن أن يشكل انفراجة حقيقية مشجعة للترتيب لهدنة ويجعل من الهدنة وسيلة تفضي لإنهاء هذا العدوان الذي أكل أخضر ويابس اليمن بلا معنى.
شاءت قوى العدوان أم أبت، فإنه من الواضح أن مسألة الهدنة تبدو اليوم فاصلاً أكيداً إلى تحولات جذرية في مسار المعركة، وقد بات اليمنيون أكثر إدراكاً وقدرة لانتزاع حقوقهم المنهوبة واستعادة أرضهم المسلوبة من قبل التحالف وزبانيته، ولم يعودوا بحاجة لبيانات تعاطف ومناشدات عقيمة، أو مؤتمرات مانحين يسمعون جعجعتها ولا يرون طحينها، وإنما لفعل جاد يستند إلى أخلاقيات الخلاف والحروب التي تستثني المسألة الإنسانية من الصراع.