شراء الأراضي.. دفع فاتورة لصعود قطار الموت

تحقيق | وائل شرحة –

◄ معظم الأمناء الشرعيين يحررون وثائق ملكية دون النزول إلى الأرض المشتراه

◄ قضاة: عدم وجود نص عقابي لمن يقوم بتحرير وثائق غير دقيقة.

وصل إليه الخبر عن ثمة اعتداء تعرضت له أرضيته الكائنة بحي الخانق بأمانة العاصمة من قبل بعض الأشخاص.
انطلق دون تردد للتأكد مما يحدث في ملكيته التي كان يحلم ببناء منزل متواضع عليها يمكث فيه مع أسرته.. لكن الحلم سقط مع حالمه على الأرض المتنازع عليها برصاص مسلحين من الطرف الآخر.
شيعت جثت (الضحية) في اليوم الثالث من تاريخ الحادثة.. ودعه أهله وأصدقائه وكل من حظر مراسيم الدفن في منزله وأدعوه “القبر” النهاية الحتمية والأخيرة وانطلقوا إلى موقع الأرض المختلف عليها لتحريرها من المعتدين بعد أن عجزت الجهات الأمنية والقضائية عن ضبط المعتدين ووقف الاعتداء.. إلا أن الطرف الذي وصف بالمعتدين باشر أهالي الضحية بوابل من الرصاص الحي والتي نالت من حياة ثلاثة آخرين ليصبح عدد القتلى أربعة وإصابة آخرين من الطرفين ..

كثيرة مشاكل وخلافات الأراضي والتي تشب بين طرفين ويقتل بسببها ويصاب الكثير دون أن تضع الجهات المسؤولة حداٍ لهذه الظاهرة التي بدأت تتوسع جذورها إلى القرى بعد أن كانت محصورة في المدن والعواصم الرئيسية التي تشهد زحفاٍ عمرانياٍ سريعاٍ.
في منتصف يناير من العام الجاري لقي ثلاثة أشخاص مصرعهم برصاص مسلحين على خلفية نزاع على أرض بمديرية التعزية محافظة تعز وأصيب ثلاثة آخرون, بحسب المركز الإعلامي الأمني التابع لوزارة الداخلية.
العام الماضي أيضاٍ شهد العديد من حوادث القتل بسبب الاختلاف والنزاع على الأراضي.. كان أبرزها في الرابع من نوفمبر العام الماضي بين بني سويد وبني عاثين بمديرية ضوران التابعة لمحافظة ذمار والتي راح ضحيتها ذلك اليوم (11) شخصاٍ وإصابة (17) آخرين بسبب اختلافهم على أرض.
وبحسب ما تناقلته وسائل الإعلام آنذاك, فإن عمر هذه القضية يصل إلى 35 عاماٍ وقد راح ضحيتها من طرفي النزاع ” بني سويد وبني عاثين ” ما يقارب الـ (60) شخص وإصابة أكثر من (120) شخصاٍ من الطرفين بإصابات بليغة ومتوسطة, حتى العام الماضي.
أحد مشائخ المنطقة حمل, الأجهزة الأمنية والسلطة المحلية نتائج النزاع والاختلاف بين القبيلتين, كونها لم تبحث عن حل أو تمنع الطرفين من الاستحداث في الأرض المتنازع عليها حتى يتم الفصل فيها.
حاولنا الحصول على إحصائيات لضحايا نزاعات الأراضي من وزارة الداخلية لتدعيم هذا التحقيق بالأرقام والإحصائيات للوقوف أمام هذه الظاهرة الخطيرة التي تحصد مئات الأشخاص, إلا أن مدير عام التخطيط والتنظيم بالداخلية العميد الدكتور/ عبد المنعم الشيباني اعتذر لنا عن وجود أرقام لحوادث الأراضي وضحاياها.. مشيراٍ إلى أن هذه الحوادث تندرج تحت بند جريمة القتل وليس لها بند خاص.
تقرير صادر عن وزارة الداخلية, أشار إلى أن الأجهزة الأمنية ضبطت (31,737) جريمة من إجمالي عدد الجرائم الجنائية والبالغة نحو (38,249).. ولفتت الداخلية إلى أن هذه الحوادث نتج عنها وفاة (2,625) شخصاٍ بينهم (169) أنثى وإصابة (14,878) شخصاٍ منهما ( 1,150) أنثى.
من جانب آخر يؤكد نائب مدير منطقة بني الحارث المقدم نبيل الحرملي على أن 50% من القضايا التي تصل إلى المنطقة سببها اختلافات ونزاعات طرفين أو أكثر على أرض ما.. مشيراٍ إلى أن المنطقة تحول أغلب هذه القضايا إلى النيابات المتخصصة وبعض الأوقات ترفض النيابة قبولها كونها قضية مدنية نقوم بإحالتها إلى المحاكم.
ويرى المقدم الحرملي أن القضاء مساهم ومشارك في انتشار وحدوث هذه القضايا, وذلك لعدم إصدار أحكام أو أوامر حازمة بوقف أي استحداث أو بناء في الأرض المختلف حولها حتى يتم الفصل في القضية وسحب ضمانات من المتخاصمين بذلك, بدلاٍ من رفع الدعوى والإجابة.
وعن الأسباب والعوامل التي تقف وراء قضايا الأراضي يقول الحرملي ” أكثر الخلافات تكون بسبب الأمناء غير الشرعيين, إذ أنهم يكتبون وثائق ومستندات البيع والشراء بدون وثائق الأرض الأصل, بالإضافة إلى انتشار ظاهرة حمل السلاح كونها تسبب في أكثر حوادث الأراضي بإرتكاب جريمة القتل ونواجه نحن أيضاٍ المتاعب والصعوبات في الضبط والسيطرة على الأطراف المتنازعة”.
النيابات والمحاكم تعاني أيضاٍ من قضايا الأراضي, التي بدأت تتصدر أعلى مرتبه في بعض النيابات, خاصة المناطق التي ما تزال تشهد زحف عمراني.
القاضي محمد عايش, وكيل نيابة غرب الأمانة يقول ” نسبة قضايا الأراضي التي تصلنا كبيرة وترتفع بشكل غير عادي, خاصة في المناطق التي لم يصل إليها الزحف العمراني بعد”.
ويضيف القاضي عايش ” أسباب وقوع هذه القضايا والخلافات تعود بالدرجة الأولى إلى الأمناء الشرعيين, إذ أن بعضهم يكتب وثائق الملكية والمبايعة دون التأكد من مستندات البائع, وكذلك قيام بعض الملاك ببيع الأرض لأكثر من شخص, أو شخصان يبيعان أرض واحدة, لشخصين مختلفين كون كل منهما يعتقد بأنها ملكه”.
في السياق ذاته أعتبر القاضي المدني بمحكمة بني الحارث محمد المحجري إيجاد وتنظيم السجل العقاري ورفع اليقظة الأمنية وهيبة الدولة وتفعيل النصوص الجزئية المتعلقة بالتلاعب في التصرف العقاري, من أهم أسباب حدوث مشاكل الأراضي, بالإضافة إلى العشوائية الموجودة في بعض الأحياء وعدم متابعة ومراقبة الأمناء الشرعيين من قبل وزارة العدل والتحري منهم قبل منحهم التراخيص, وكذا عدم وجود نص عقابي لمن يقوم بتحرير وثائق عقارات الأراضي دون أن يكون مصرح لهم رسمياٍ, ساهم في ارتفاع قضايا العقارات من عام إلى آخر.
ويضيف القاضي المحجري ” لابد من إيجاد نصوص تشريعية في جانب التنظيم الإداري للسجل العقاري وكذا تفعيل النصوص العقابية ضد المتلاعبين في العقارات وتمثيل واستجابة رجال الأمن لأوامر القضاء وتنفيذها, لأن ذلك سيحد من إنتشار هذه الظاهرة ونتائجها”.
الأمين الشرعي بمنطقة الروضة بني الحارث بكيل مزقر يؤكد أن بعض الأمناء مشاركين ومساهمين في حدوث هذه القضايا وذلك لعدم معرفتهم بالأرض أو العين المباعة قبل أن يحرر فيها وثائق المبايعة وعدم النزول الميداني والتأكد من الأرض وطلب المستندات والوثائق الأصلية للبائع, كون أكثر الأراضي يقوم الورثة ببيعها بينما قد قام المورث ببيعها.
وشدد الأمين بكيل مزقر على ضرورة أن يكون لدى الأمناء الشرعيين والكتاب معرفة بالعين أو الأرض التي سيتم بيعها والتأكد من صحة ملكها وعدم وجود مشاكل فيها وعدم قيامهم بكتابة المبايعات إلا بعد حل الخلافات والنزاعات القائمة حولها أن وجدت.
ويرى مزقر أن الحلول لهذه القضية مكمنه في “سرعة إتخاذ الإجراءات القانونية والفصل في القضية من قبل القضاء باعتباره من المشارك الرئيسي في حدوث قضايا القتل بسبب خلافات ومشاكل الأراضي وذلك بتأخره في فصل القضية وعدم التوجيه بوقف أي استحداث في العين المتنازع عليها حتى يتم حل المشكلة”.
نائب مدير منطقة بني الحارث المقدم/ نبيل الحرملي يشدد على ضرورة تعاون الجهاز القضائي مع الجهاز الأمني والمتمثل بإيجاد ضمانات كافية وقرارات صارمة بعدم التصرف في الأرض من قبل الطرفين, وكذا توجيه وزارة العدل الجهات الأمنية بالقبض على كل الأمناء غير الشرعيين بعد التأكد من عدم شرعيتهم, لأن ذلك سيحد كثيراٍ من هذه القضايا ويخفف من عدد ضحاياها.
ويضيف الحرملي ” كما لا بد على وزارة الداخلية أن تكثف حملات منع التجول بالسلاح, وعدم التصريح بحمل السلاح إلا لمن تراه يستحق الحماية وملتزم بالنظام والقانون وسلاحه مسجل وموثوق لدى الأجهزة الأمنية, وكذا إعادة الحملات الأمنية التي كانت تقوم بالنزول الميداني قبل عامين إلى أي أرض يدور حولها نزاع أو خلاف”.
الحد من هذه الظاهرة يتطلب, بحسب وكيل نيابة غرب الأمانة, أولاٍ تأكد الأمناء الشرعيين من ملاك الأراضي الحقيقيين وتوثيق الأرض من قبل المشتري عند شرائها في السجل العقاري للتأكد منها ومعرفة حدودها.
وكيل وزارة الداخلية القطاع الأمن العميد عبد الرحمن حنش أكد على أن الوزارة أعدت خطط وبرامج لحملات أمنية ستنفذ خلال العام الجاري 2014م خاصة بمنع وضبط أي شخص بحوزته السلاح في أمانة العاصمة وعواصم المحافظات.
ودعا العميد حنش كافة المواطنين بمختلف مكوناتهم السياسية والاجتماعية والوجاهات القبلية إلى التخلي عن حمل السلاح وعدم التجول به, ما لم يكون مصرح لهم من الداخلية بحمله, كون ظاهرة حمل السلاح ترسم وتشكل صورة سيئة عن اليمن لدى الشعوب الأخرى وتخلف إضراراٍ كبيرة على الوطن في مختلف جوانب الحياة.

قد يعجبك ايضا