الطفولة تئن على الرصيف

بعد أن عجز عن إيجاد مكان ينام فيه.. ألقى بجسده الصغير على هذا الرصيف الملتهب نهارا.. هذا الطفل الذي رفض يحدثني عن اسمه على مدار النهار يبحث له عن كسرة خبز من الخيرين أيام كثيرة.. وأنا أشاهده أمام هذه البوفية أو تلك.. ملابسه المهلهلة والمتسخة على الدوام تحمل حجم البؤس الذي يعيشه هذا الطفل وكل ما أعرفه عنه أنه يعيش حياة التشرد لا مأوى يحتوي جسده ولا قلب يضم ألمه ولا بشر يخفون عليه.. الكثير من البشر تحولوا في مثل هذه الحالات إلى ذئاب تنال من الطفولة ولا تدعها وشأنها على الأقل.
مرت السادسة صباحا واشتد حر الشمس الطفل يزخ في نوم عميق على رصيف في شارع المطار.. هكذا دون أن يفترش تحته شيئا وما كان يلتحفه هو الشمس وكأنه يستبدل برد المساء الذي جمده على ذات الرصيف بحرارة الشمس.
كان الناس يمرون من جواره وكأنه كتلة اسمنتيه كأي جماد لا يحدثون.. منظر مألوف أو ليس الوحيد لكي يثير الفضول عن أحد وما ألفه الناس اكتفوا بإلقاء نظرة غير مكترثة لما ينام على الأرض أو يئن في الرصيف.
بالفعل أطفال كثر (ذكور وإناث) يفعلون الأمر ذاته ما يذكره الناس فيما بعد أن الجرائم التي يرتكبها الأطفال.. يتركون ما يتعرضون له أثناء نومهم على الرصيف من أذى وتحرش واختطافات واستغلال جنسي.. الذئاب ينهشون الطفولة وكل ما تستطيع الجهات الرسمية فعله هو إحصاء المأساة التي تتوزع بين المحافظات.. المأساة التي تتسرب من المنازل الفقيرة إلى الأرصفة الظالمة.. يتحدثون عن جرائم يرتكبها الأحداث.. ويرجعون ذلك إلى الأوضاع الاقتصادية ولا يفعلون شيئا من اجل هؤلاء يقرون أن الكثير من الأطفال المشردين يستغلون في التسول والسرقة والجنس.. لا يبحثون عن المجرمين الحقيقيين الذين يستغلون الأطفال في الجريمة.. لا يقبضون على أحد.
إحصائية وزارة الداخلية تحدثت عن (2606) طفل ارتكبوا جرائم مخالفة للقانون كالسرقة والقتل والتسول والإيذاء وقالت الإحصائية عينها أن (2268) طفلا اعتدي عليهم في جرائم شتى لكن الجهات تلك لا تخبرنا عن القبض على مجرم واحد من تلك العصابات التي تستغل الأطفال.. بمعنى أوضح يحضر الأحداث كمجرمين.. ويغيب المجرم الحقيقي في حالة كهذه.
الجهات الرسمية تتحدث أيضا أن الإحصائية الكبيرة تلك ناتجة عن الأوضاع الاقتصادية والفقر الذي تعيشه الأسرة في الوقت الذي نرى تلك الجهات بمختلف مسمياتها تشتري السيارات الفادهة بمئات الملايين وهذا الطفل النائم على الرصيف وغيره كثيرون في كثير من الأوقات لا يجدون كسرة الخبز التي تضمن لهم البقاء على قيد الحياة.
وبحسب المنظمات العاملة في اليمن فإن نسبة الفقر تتجاوز الـ(50%) ونصف الأطفال يعانون من سوء التغذية وعلى أساس هذه المؤشرات يأتي دعم المنظمات الدولية وبدلا من تخفيف نسبة الفقر وإنقاذ جزء بسيط من الذين يعانون من سوء التغذية تتسع دائرة الفقر وتزداد حالات الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية.
هذه المفارقة ببساطة تحمل معنى واحدا هو الاستحواذ على أموال الداعمين لأشخاص محدودين في بعض الجهات الرسمية.
الطفل الذي يظهر في هذه الصورة لا يعلم بما يحدث.. لا يعلم بما يفعله الرسميون من وراء معاناتهم ونومهم على الرصيف.. كل الذي يدركه جيدا أنه بدون أسرة بدون مأوى وبدون طعام.
أطفال بالعشرات يختطفون شهريا وأطفال بالعشرات يغتصبون شهريا وأطفال يستغلون بالعشرات يوميا في أعمال مجرمة قانونا.
نظرة تمعن ونظرة إحساس تجاه هؤلاء الملائكة المعذبين في الأرض لا محالة أنها ستخفف من معاناة الأطفال.. فكروا جيدا في الأمر.

قد يعجبك ايضا