“شراكتنا مع الرياض تنقذ أرواح اليمنيين” .. بهذا العنوان نقلت الشرق الأوسط تصريحات نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي بيل روسو ضمن التمهيد الإعلامي للزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي إلى جارتنا السعودية وما يتطلبه هذا التمهيد من ضخ إعلامي يساعد على تنقية الأجواء الملبدة بين الطرفين جراء تداعيات صعود الديمقراطيين وما تبعه من أزمة عالمية تجلت في أوكرانيا، وها هي تتمدد على وقع تفاعلات الشرق والغرب إلى مختلف العواصم.
التصريح يتحدث عن إنقاذ أمريكي لأرواح اليمنيين، فالسعودية تقتلنا فيما واشنطن حريصة على أرواحنا لدرجة أنها – أي واشنطن – توظف شراكتها مع ابن سلمان في سبيل إنقاذ أرواح اليمنيين … لا أدري وأنا أحاول التعامل بمسؤولية مفرطة مع هذا التصريح الأمريكي كيف سأقنع ملايين اليمنيين ممن تشردوا وقتلوا وعانوا وعذبوا وتضرروا بأن واشنطن بالفعل حريصة على حياتهم وتعمل من أجل إنقاذهم مما حل بهم من كوارث وأزمات؟.. والأخطر من ذلك كيف سأنجح في إقناع محمد حيدرة (الفاعل التنظيمي الرئيسي في الحملات المناهضة لواشنطن) من أجل استبدال كلمة (تقتل) بـ (تنقذ) في عبارة (أمريكا تقتل الشعب اليمني) لتصبح (أمريكا تنقذ الشعب اليمني) حتى تبدو العبارة متوافقة تماماً مع تصريحات بيل روسو, وإذا نجحت في هذه المهمة فكيف سأقنع إبراهيم مطرز (الخبير في العلاقات الأنصارية) في حذف مقطع عادل الجبير وهو يعلن من واشنطن عن بدء العمليات العسكرية الهجومية على اليمن , وكيف سأقنع أبو يحيى الذي يحرص على استدعاء أمريكا عند حديثه عن كل مصيبة تحل بنا كيمنيين , وكيف سأغير من قناعة من أصيبوا ولا زالوا يحتفظون ببقايا القنابل المكتوب عليها USA)) وإذا نجحت في كل المهام السابقة فمن يتمكن من إقناع من يهتفون ليل نهار بالموت لأمريكا لأنها من أرادت لهم الموت فقنابلها تتساقط على منازلهم وحصارها تمتد آثاره إلى كل قرية وعدوانها من خلال أدواتها لم يستثن أحدا بمن فيهم أتباع تلك الأدوات، وفي النهاية يأتي صديقنا روسو ليقول إن أمريكا تنقذ أرواح اليمنيين.
ترى هل أدرك المسؤول الأمريكي أن تصريحاته غير موفقة حتى وإن كان الهدف منها تجميل الوجه القبيح لإدارته ليس لأن تجميل القبيح يزيده قبحاً بل لأن واقع اليمنيين يكشف للجميع شيئاً آخر، ومن هنا فليس من المهم إقناع اليمنيين بما يتناقض مع واقعهم المعاش الذي تحضر فيه أمريكا بسلاحها ورعبها وإرهابها ودمارها وحصارها لكن هل من الممكن أن نقنع المسؤول الأمريكي صاحب التصريح المذكور أعلاه بأن بلاده في اليمن للقتل لا للإنقاذ للدمار لا للبناء وبالتالي عليه ألا يتوقع من أبناء هذا الشعب سوى التعبير عن واقعهم دون تزييف أو تحريف، ومن هذا المنطلق نؤكد كم كانت تصريحاته ملفتة وهو يتحدث عن الشراكة وإنقاذ أرواح اليمنيين فمثل هذه التصريحات لا تستوجب السخرية بل قد تستدعي القهقهة ليس لأن الأمريكي يقدم نفسه هنا في موقع الحريص على أرواح اليمنيين بل لأنه يصر على الظهور من موقع الوسيط البعيد تماماً عن هذه الحرب التدميرية وما خلفته من ضحايا وما تسببت به من كوارث في كافة المجالات، ولو أردنا التعامل مع التصريحات الأمريكية على أنها بالفعل صادقة فكيف سنتعامل مع أرشيف ضخم من الجرائم التي تحمل جميعها وبلا استثناء البصمة الأمريكية؟!.
كيف لنا ونحن نتابع مثل هذا الحديث أن نلغي من ذاكرتنا الدور الأمريكي الرئيسي في هذا العدوان من التخطيط له وتشجيع السعودية والإمارات على تنفيذه إلى التسليح والإدارة وتحديد الأهداف والتغطية السياسية والدبلوماسية بل والمشاركة الفعلية في بعض العمليات، ناهيك عن الإشراف اليومي عليه لدرجة أن أحدهم – وهو قائد عسكري في الطرف الآخر – أكد في لقاء تلفزيوني موثق استحالة تحرك أي طائرة حربية لتنفيذ أي غارة ما لم تحصل على موافقة مسبقة من غرفة المستشارين العسكريين الأمريكيين في الرياض .. ذلك ما يتعلق بالقصف الجوي فكيف إذا فتحنا بعضاً مما وثق بشأن الحصار وإدارة العمليات البرية والبحرية وكيف إذا استحضرنا أمامنا مشهد القنابل الأمريكية التي تلقيها طائرة أمريكية يقوم على صيانتها خبراء أمريكيون وتتلقى الأوامر من غرف عمليات يديرها الأمريكيون، وكيف لنا إذا استدعينا بعضاً من تصريحات مهتمين وباحثين بل وبرلمانيين أمريكيين الذين قالوا يوماً إن هذه الحرب ستتوقف إذا قرر الرئيس الأمريكي إيقافها. ؟!
من يطلع على المزيد من التفاصيل مما نشر خلال السنوات السابقة بشأن الدور الأمريكي سيدرك تماماً مدى ما يتمتع به المسؤول الأمريكي من مصداقية وهو بصدد الحديث عن الهدنة وقبل ذلك وقف الحرب أو وقف اطلاق النار، إضافة إلى التباكي المستمر على الملف الإنساني فالأمريكي – وضمن استراتيجية إيكال المهمة للأدوات في المنطقة لتنفيذ الحروب الأمريكية – يحرص على عدم الظهور كمنفذ للعدوان ليلصق الجرائم المرتكبة بأدواته للضغط عليها وقت الحاجة أو لتبرئة ساحته عندما تصل أصداء هذه الجرائم إلى الداخل الأمريكي أو للتهرب من تحمل أية تبعات أخلاقية على ما يلحق هذا الشعب من قتل وتدمير، ولعل تصريح المسؤول الأمريكي خير دليل على ذلك، فتصريحه يحمل دلالة أن السعودية هي من تمارس القتل وتنشر الموت في اليمن بينما واشنطن تعمل على إنقاذ اليمنيين.. وكأن القاتل هنا ليس الأمريكي نفسه أو من خلال أدواته .. ترى هل لاحظتم ذلك؟.