تهامة.. قلب اليمن وجرحها النازف
يكتبها اليوم / حمدي دوبلة
يستقبلك أريج عطرها من مسافات بعيدة، تدغدغ حناياك أصوات شواطئها الساحرة، تأسرك روائح مزارع الفل والكاذي والمانجو.
يتعانق في ثناياها شموخ البحر مع كبرياء النخيل وسحر وجاذبية خيرات الأرض المعطاءة، تنجذب ببساطة نحو بساطها الحافل بالجمال الطبيعي، هناك يمتزج تاريخ عريق بتراث حي.. مهن حرفية متوارثة منذ الأزل لا تزال تنبض بالحياة في قصة وفاء لا يخبو بريقها ولا يتغير بتقادم الزمن ولا بتقلّبات الليالي.
– في تهامة، وفي حاضرتها مدينة الحديدة تحديدا، تتجلّى أمام ناظريك ثنائية البحر والتاريخ، لتحكي قصة عشق لا ينتهي.. بطلها إنسان عظيم اختزل في وجدانه كل معاني الحب والجمال والعطاء الإنساني وسجايا البشر السويّة.
– بساطة أهلها وطيبة قلوبهم، وشحة مقوماتها الخدمية، لا تلغي حقيقة امتلاكها لدعائم اقتصادية عملاقة، كانت عبر مئات السنين ولا تزال موردا رئيسيا للدولة المركزية، ومعين خيراتٍ لا ينضب ولا يبخل ولا يستأثر بشيء، بل ولا يقابل الجحود والتنكّر والكفران، إلّا بمزيد من العطاء والوفاء والإيثار.
– بلاد الفل والبحر والسواعد السُمر والقلوب البيضاء، عانت لعقود وعقود من الظلم والقهر والتهميش، ولا تزال تعيش المحن والشدائد والخطوب البشرية منها والطبيعية، وصارت في وقتنا الراهن كما قال السيد القائد في كلمته إلى أبناء محافظة الحديدة الأسبوع الماضي عنوانا بارزا وتجسيدا حيّا لمعاناة ومظلومية الشعب اليمني، وقد صبّ الأعداء كل أحقادهم لثماني سنوات من الجو والبحر والبر، وما يزالون يطبقون الحصار على الناس بعد أن زرعوا الموت، ألغاما في كل الدروب، وما نجم وينجم عن ذلك من مآسٍ وآلام تتوالد.
– السواد الأعظم من أبناء تهامة في المناطق والقرى المتناثرة على الشواطئ وفي الوديان والسهول والهضاب وفي كثير من المدن والحواضر، لا يزالون يعيشون في أكواخ وسرادق لا تقيهم حرّ الصيف ولا زمهرير الشتاء ولفحات الشمس الحارقة، لم يحصدوا من ثروات وخيرات أرضهم وبحارهم غير الألم والحسرة والآهات.
– تحوّل هذا الصيف في مدينة الحديدة إلى جهنم أخرى تشوي الوجوه والجلود، ومع غياب خدمة التيار الكهربائي أصبح الملايين وخصوصا من الأطفال والمرضى وكبار السن فرائس سهلة للأمراض الجلدية وأمراض الجهاز التنفسي وبات الجميع في وضع لا يُطاق، ومن استطاع منهم الحصول على كهرباء مولدات القطاع التجاري بات هو الآخر ضحية لطمع وجشع التجار، وإذا بفواتير الكهرباء تصل إلى مبالغ خيالية. لن أبالغ في القول إن أسعار الفواتير تتجاوز مبلغ المائة ألف ريال شهريا في كثير من الأحيان، ما يفوق قدرات وإمكانيات الناس بأضعاف مضاعفة.
– لا يكفي أن يستشعر مسؤولو الحكومة والسلطات التنفيذية والمحلية معاناة الناس أو يتألمون لآلامهم عن بعد، بل يجب أن تتضافر الجهود للبحث عن معالجات عملية وعاجلة وفق الإمكانيات المتاحة، كما لن يكون مجدياً أو كافياً الحل الترقيعي بتوفير عدد من المولدات التي لن تستطيع توفير الخدمة لأكثر من ساعتين يوميا في أحسن الأحوال.
– نتمنى على الجهات المختصة ترجمة توجيهات السيد القائد – التي وردت في كلمته الأسبوع الماضي بإعطاء الحديدة الأولوية في الجانب الخدمي – على أرض الواقع، ومباشرة العمل فورا لإعادة تشغيل محطة رأس كثيب وغيرها من محطات الكهرباء الرئيسية في المحافظة، والتي كانت إلى وقت قريب تضيئ أجزاء شاسعة من يمننا الحبيب.
– نثق كثيرا بحكمة وقدرة قيادتنا في ابتكار الحلول ووضع المعالجات المناسبة لرفع جزء من المعاناة عن كاهل أبناء عروس البحر الأحمر، رغم كل التحديات والمصاعب، كما نؤمن إيمانا عميقا بجدارة تهامة وأبنائها الأشداء على تجاوز كل المحن، ليبقى أريجها العطر وبريقها المشرق ينبئان عن مستقبل أكثر تطورا وبريقا وحرية ورخاء لليمن من أقصاه إلى أقصاه.