الزعامة الخالدة بمنطق العلم
يكتبها اليوم / عبد العزيز البغدادي
جاء في تقديم مكتبة الجاحظ الجزء الأول من كتاب الحيوان لأبي عثمان عمر بن بحر الجاحظ: ص (3): (وبعد فالجاحظ إمام فذ من أئمة البيان في العربية وليس من الإسراف والمغالاة أن نعده زعيم البيان العربي، نطلق القول في ذلك إطلاقاً، هو زعيم للبيان العربي في قوته وأسره، وفي دقته وصحته وحلاوته وجماله وفنه. كان الجاحظ زعيماً للبيان العربي، وهو كذلك أحد زعماء المكتبة العربية التي كانت في الصدر المقدم من مكتبات الدنيا في ما أسرت للإنسانية والفكر العربي واللسان العربي من خير وما بسطته على ظلام المدنيات المتهافتة من نور.).
لذا فالزعامة بلغة العلم والعلماء تعني منح الصدارة لمن له في العلم باع، والاستبصار بمن يملك بصيرة تنير الطريق دون استبداد أو استلاب، وترفض تحويل الزعيم الفذ أو القائد الرمز إلى إله أو نصف إله يتوجب طاعته طاعة دون اختيار، فالطاعة العمياء تعمي المطيع والمطاع، وتسبب لهما الأذى، والحوار الجاد المحب مفتاح البصر والبصيرة ومصدر النماء.
وبذلك استحقت الزعامات الحقة المكانة التي ارتقتها على أيدي العلماء والمفكرين الحقيقيين قبل أن نصل إلى ما وصلنا إليه من انحطاط وضعة على يد المحسوبين على السياسة والفكر السياسي والديني الذين ليسوا أكثر من ألعوبة بيد عتاة مجرمي العالم في هذا العصر الذي تذوق فيه أمة العروبة والإسلام ويلات الموت والخضوع في حين يعيش كثير من بلدان العالم حياة مشرقة ويستثمر نتائج نور العلم والتنوير، ويستمتع بها ويعايش ويستفيد من أسباب الحياة مهما وجدت من ثغرات (فبعض الشر أهون من بعض).
والجاحظ.. صاحب العديد من المؤلفات الفكرية والنقدية مثل كتاب: الحيوان، والبيان والتبيين، والبخلاء، والمحاسن والأضداد، ومن أوائل دعاة إعمال العقل الذين لاحقتهم تهم التكفير والزندقة أو الخروج على الدين المقدم كقوالب جامدة للتحكم في الإنسان والحياة نتج عنها ما نراه اليوم من جمود وتحجر وانغلاق جعلت أمة الإسلام والمسلمين في ذيل الأمم وعلى هامش الحياة الإنسانية الزاخرة اليوم بكل ما في الحياة وما ينسب إليها من خير وشر وحق وباطل وما عسى أن تكون الحياة سوى التفاعل بين المتناقضات.
يعيش النور ويبقى رافضاً البقاء عند نقطة الحديث عن التنوير والتضليل وممارسة كل أساليب الظلم والظلام والإظلام.
والجاحظ باعتباره أحد أبرز المحسوبين على المعتزلة الذين تعرضوا للإقصاء والتهميش في تاريخ العرب والمسلمين من قبل عصابات إقصاء العقل من التكفيريين (النسخة الأولى وما تلاها من نسخ من مختلف المذاهب والطوائف.
ورغم وجود من يرى بأنه لا مجال للإصلاح من خلال الفكر الذي يتمترس بالدين فإني أعتقد أن بإمكان الإنسان الحقيقي دوماً السعي للتخفيف من ضحايا الصراع على السلطة باسم الدين أو أي فكر تحت أي مسمى وبشتى الوسائل والطرق وبما يبقي الجميع على اتصال مستمر بركب الحضارة التي تعلي من قيمة الإنسان وترفض عبودية الإنسان لأخيه وإبقاء العبودية لله علاقة بينه وما يعبد قائمة على الاختيار الحر لأن خلاف ذلك هو الشرك والاتهام بالكفر هو عين الكفر.
التمدن والحضارة المعاصرة بإيجابياتها وسلبياتها تجعل جميع البشر حاضرين في كل تفاصيلها بما تتضمنه من ابتكارات وتطورات في مختلف جوانب الحياة العلمية التي ما برح البعض يجتر بعض مقدماتها التي ساهم بها بعض علماء المسلمين في يوم ما فكافأهم المجترون بالاتهام بالكفر والزندقة مثل الفارابي وابن رشد وابن سيناء والكندي والبيروني وغيرهم ممن عانوا من جحود الجهلة والمتسلطين لمجرد كونهم حاولوا إخضاع جوانب الحياة للسؤال والتجريب والفحص والبحث العلمي معتمدين على أفقهم الواسع وفهمهم الواعي للدين بما يحترم العلم ولا يسمح بإبقائه سلاحا بيد الحاكم المستبد يتهم به من يعارضه ليقصيه ويدني إليه من يواليه ، العلماء الحقيقيون هم من رفضوا كل الحسابات الذليلة ولهذا خلدهم التأريخ رغم أن الكثير منهم لقي حتفه على يد الطغاة ثمناً لرفضه الحسابات السطحية الذليلة التي تكشف حالة الضعف وضيق الأفق ولهذا عاش العلماء الشهداء خالدين في الوجدان ومات الطغاة.
حتى متى سوف نبقى عبيد التفاسير
والعلم في قفص الاتهام
حتى متى سوف يبقى؟؟.