في الذكرى الثانية لرحيل شاعر الجمال والوطن:

حسن الشرفي.. الخالد في ذاكرة وتاريخ اليمن

 

الثورة / خليل المعلمي

«لم يكن يمر يوم من أيام حياته إلا ويكون فيها إما كاتباً أو قارئاً»، بهذه الكلمات صرح الشاعر الكبير حسن الشرفي في إحدى مقابلاته مع وسائل الإعلام، تحل علينا الذكرى الثانية لرحيله بعد رحلة إبداعية ونضالية أثرى فيها الساحة الثقافية والأدبية لعقود من الزمن بالعديد من الإصدارات الإبداعية في الشعر والأدب والثقافة.
في قرية «الخواقعة» في مديرية الشاهل بمحافظة حجة ولد الشاعر حسن الشرفي في العام 1944م، جاء من جبال حجة الشاهقة وطبيعتها الخلاقة ومناظرها الساحرة، ومن أوساط الشعب وطبقته الكادحة، من رعي الأغنام والتي كانت مهنته في طفولته وصباه، كتب الشعر في سن مبكرة من عمره، تعلم في كتاب قريته، قرأ للعديد من شعراء العصر الجاهلي والإسلامي، المتنبي والمعري وشعراء العصر الحديث شوقي والبارودي وأبو ماضي والزبيري والمقالح. بحبه للشعر استطاع الشرفي تطويع الكلمة لتخدمه في كتابة الشعر صدر له العديد من دواوين الشعر والتي وصل عددها إلى ستة عشر ديوانا كتب الشعر الفصيح والحميني وشعر التفعيلة..
كان مبدعاً مبهراً وشاعراً متمكنا ورجلاً عظيما يستمد هذه العظمة من الأرض اليمنية الطبية والتاريخ اليمني العريق، ومن شموخ هذا البلد العظيم، وخلال مسيرة حياته الإبداعية كان حاضراً بشعره في مختلف المحطات والمنعطفات التي شهدها الوطن والمنطقة والعالم، وكان له العديد من القصائد السياسية التي لم تخلُ من النقد اللاذع للسياسات الخاطئة والممارسات الرعناء، فكان مناضلاً بشعره وفكره الراقي وعقليته النيرة ونقده الموضوعي الذي جعله في صدارة المشهد الشعري والأدبي الثوري سابقاً ولاحقاً.
يمثل الشاعر حسن عبدالله الشرفي أحد أعلام القصيدة اليمنية الكبار في القرن العشرين، تميز بغزارة إنتاجه الأدبي مع إجادة واضحة ومقدرة فذة على تطويع اللغة وامتلاكه لمخزون لا ينضب من المفردات مما مكنه من كتابة الشعر بأنواعه “العمودي والحميني والتفعلية”.
ويعتبر مدرسة شعرية رفدت القصيدة اليمنية بنتاجٍ زاخر من الكتابات الشعرية الفريدة، ولهذا فلا بد من التأكيد على إعادة طباعة كتبه ودواوينه لتشكل منهلا للقراء والباحثين والمهتمين، لتظل مدرسته مشرعة الأبواب للأجيال الحالية والقادمة، وقد امتلك الشرفي تجربة خاصة أمتاز فيها بقول الشعر العمودي والحميني والحر وكان في كل منها فارسا كبيراً، وكان غزارة إنتاجه يمثل إضافة نوعية للقصيدة اليمنية في تجلياتها العظيمة لاسيما في علاقته الفريدة بالصورة والحكمة الشعريتين.
يصفه النقاد والأكاديميون بأنه شاعر الحب والأغنية، شاعر الوطن، شاعر معركة النفس الطويل، لم يضع نفسه يوما في ضيق الانتماء لمنطقة، فكان شاعر اليمن، وشاعرا باليمن، ولم يتخندق في مذهب إلا مذهب الحب، خصوصا حب اليمن.
كان فارساً يسوس البيان بمهارة استثنائية، صهوته القصيدة وسلاحه الكلمة التي امتشقها في وجه العدوان منذ أول ليلة قصف وغدر حيث كتب فجر السادس والعشرين من مارس 2015 قصيدته الأولى في مواجهة عدوان غادر حقود، باسم اليمن الواثق من نصر الله، فقال متحدياً وشامخاً وواثقا قائلاً:
دكوا الجبال وزلزلوا القيعانا
هيهات أن نستشعر الإذعانا
أنتم بقوتكم ونحن بضعفنا
وغد لمن لم يخذل الميدانا
شرف الرجولة أن تحارب جهرة
لا مثل من جعل الخفا عنوانا
لقد أسهم الشاعر حسن الشرفي مع جيل من الرواد في بناء الحركة الشعرية الجديدة في البلاد، وصدر له ما يزيد عن عشرين ديواناً شعرياً، هو آخر جيل العمالقة الكبار الذين أخلصوا للقصيدة وأكثرهم إنتاجاً شعرياً.. كان يؤكد دائما انتمائه إلى اليمن، وصريحاً في مقابلاته جاذباً في حديثه، وذلك باعتراف المحاورين له في المقابلات، فإنه لا يتخلى عن صراحته وبساطته في الحديث.
حين يأتي ذكر الشاعر حسن عبدالله الشرفي تعود بنا الذاكرة إلى برنامج بريد المستمعين في التسعينيات من القرن الماضي، وقد كان الشاعر الشرفي أحد فرسان هذا البرنامج الذي جذب الكثيرين من المتابعين والمستمعين في الريف والحضر، في الوقت الذي كان الإعلام الفضائي في حدوده الدنيا من حيث عدد القنوات ومن حيث الانتشار.
كان الشباب في تلك الفترة يستهوي الإذاعات المحلية والعربية والدولية وكان الارسال الإذاعي بمثابة النافدة التي يطل من خلالها إلى العالم سياسيا واقتصاديا وثقافياً واجتماعيا، ومنها إذاعة صنعاء التي كانت تتميز بالبرامج المتنوعة الثقافية والهادفة، وقد امتع الشاعر الشرفي وبمعية عدد من المبدعين في الإذاعة جمهوراً واسعاً في الداخل وأصبح محطة تواصل مع هذه الجماهير المتعطشة للفن والثقافة.
الشاعر الكبير الراحل حسن الشرقي من شعراء اليمن والعرب الكبار في هذا العصر وصاحب تجربة شعرية وإبداعية متميزة وأحد أعلام الأدب والثقافة في اليمن الذين أثروا المكتبة اليمنية بالكثير من الأعمال الإبداعية والشعرية المتميزة والتي حملت ملامح وخصوصية الشاعر الكبير الراحل، ومثلت علامة فارقة في مسيرة ورحلة تطور الشعر اليمني وازدهاره، وقد كان الشاعر الراحل قريباً من أبناء مجتمعه معبراً عن قضاياهم صائغاً ماهراً لكل تطلعاتهم ومترجماً مبهراً لكل أحاسيسهم ومشاعرهم وكانت قصائده هي ترجمان قلوبهم وضمائرهم.
لقد مثل الشاعر الكبير حسن في حياته قمة الصدق والوضوح والتواضع الإنساني في تعامله مع الناس وكان لا يأبى -كما يقول زائروه- إلا استقبال وتوديع ضيوفه عند باب منزله، وكان موسوعة متنقلة في المعارف والآداب خصوصاً في علم اللغة ومفرداتها واشتقاقاتها اللامتناهية.
يقول في إحدى قصائده:
بعينها وإن غضب اللثـام
تغامزني النوارس واليمام
وما تدري القصيدة حين ترنو
من الساقي بها ومن المــدام
إذا رفت بها الأهداب مالت
غصون القلب وارتجف الغمام
كأني حين ألقيها نبي
يبلغها الرسالة أو إمام
وأي رسالة في القلب أحلى
إذا قرئت وليس بها كلام
كفاها أنها عندي أحاطــت
بمعناها المفاصل والعظام
بعينيها ملائكة وجــن
وشيء كالخرافة مستهام
سلوها هل تنام بها العشايا
وأين بكل فتنتها تـنام
أنا أدري لأن شغاف قلبـي
هنالك حيث يستعر الغـرام
تنام بكل أجنحة التشـهي
فحيث تطير يسترخي الرخام
ستة وسبعون عاماً مما نعد توفي عنها الشرفي.. لكنها عمر سرمدي سيبقى خالداً في ذاكرة وتاريخ البلاد، يقول عن نفسه: “أنا صديق حميم للقصيدة أعطيتها خمسة عقود من عمري، ولم يشغلنا عنها مال ولا جاه ولا منصب، فقد كانت وما زالت هي المال والجاه والمنصب، ومن دلائل إخلاصي لها أن نوافذي وأبوابي مشرعة لها على الدوام، بل إنني لا أجد ذاتي إلا في حضورها”، وكان يردد دوما “القصيدة تصمت ولا تموت»..
وفي فترة الحرب والحصار والتحالف ضد بلادنا، أنتج أكثر من خمس مجموعات شعرية فيها الكثير من الإبداع والأستاذية والأسلوب المتفرد الذي كان يمتاز به، إذ كان له نفس خاص يمثل تجربته الشعرية على مدى أربعين عاماً من النضال الثوري، ومن التثقيف ومن المشاركة بصوته الذي كان يصل إلى العالم العربي.
لقد خسر الوسط الثقافي والأدبي هامة سامقة من هامات الشعر وأميراً من أمراء الكلمة، أمامه تحتار الكلمات ويجف مداد الأقلام، وتخاف الصحف فتطوى صحائفها ويعجز اللسان عن التعبير، لقد كانت أعمال وإبداعات الشاعر الشرفي محل أنظار النقاد والباحثين، فقد تغنى العديد من الفنانين بقصائده وأشعاره، وكتب الباحثون عن أعماله وإبداعاته الدراسات ورسائل الماجستير.
من المؤلفات المطبوعة للشاعر حسن الشرفي:
من الغابة -1978- دار العودة –بيروت.
أصابع النجوم -1979- دار العودة –بيروت.
ألوان من زهور الحب والبن -1979- دار العودة –بيروت.
سهيل وأحزان الجنتين -1985- مطابع عكرمة-دمشق.
البحر وأحلام الشواطئ -1985- مطابع عكرمة –دمشق.
تقول ابنتي -1989- دار آزال –بيروت.
الطريق إلى الشمس -1989- دار آزال –بيروت.
وكان حفر الباطن -1994- دار الثقافة –بغداد.
الهروب الكبير -1996- مطابع التوجيه المعنوي-صنعاء.
الأعمال الكاملة (1) -1996- مجد للدراسات والنشر –بيروت.
الأعمال الكاملة (2-3) -1997- مجد للدراسات والنشر –بيروت.
عيون القصيدة -2000- مطابع معين –صنعاء.
أقواس علان (1-2) -2000- مطابع المفضل –صنعاء.
عيون القصائد -2001- الهيئة العامة للكتاب-صنعاء.
شعب المرجان -2001- مؤسسة الإبداع –صنعاء.
بنات الثريا -2002- عبادي للدراسات والنشر-صنعاء.
صهيل الورد -2002- مؤسسة الإبداع -صنعاء.
كائنات الوصل -2002- عبادي للدراسات والنشر-صنعاء.
الأعمال الكاملة (4) -2003- عبادي للدراسات والنشر-صنعاء.
الأعمال الكاملة (5) -2004- عبادي للدراسات والنشر-صنعاء.
الأعمال الكاملة (6) -2005- الهيئة العامة للكتاب-صنعاء.
الأعمال الكاملة (7) -2005- عبادي للدراسات والنشر-صنعاء.
نصف المعنى -2005- عبادي للدراسات والنشر-صنعاء.
ديوان البردوني -2006- عبادي للدراسات والنشر-صنعاء.
الأعمال الكاملة (8) -2008- عبادي للدراسات والنشر-صنعاء.
ومن المؤلفات التي لاتزال تحت الطبع:
رنات الوتر باللهجة العامية (حميني).
ديوان العراق باللغة العربية الفصحى.
ديوان المقاومة باللغة العربية الفصحى.

قد يعجبك ايضا