من عاصمة اليمن إلى مدنها وحواضرها وقراها

اليمنيون يحتشدون في الذكرى السنوية للصرخة في وجه المستكبرين

 

الشعب يصرخ من أقصاه إلى أقصاه: الموت لأمريكا
شعار الصرخة وتحصين الأمة في مواجهة العولمة الثقافية والأمركة الشاملة للعالم
الأحداث في الساحة كشفت عن حكمة الموقف وصوابية التحرك وشمولية المشروع في مواجهة الهجمة الأمريكية الشاملة

تقرير/ عبدالرحمن الأهنومي
في الحديث عن شعار الصرخة الذي أطلقه الشهيد السيد حسين بدر الدين الحوثي – رضوان الله عليه – تتبادر إلى الذهن أسئلة أشار إليها السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في خطابه بالذكرى السنوية للصرخة 1443 هجرية، “لماذا اتبع السيد حسين بدر الحوثي هذا الأسلوب؟ لماذا هذه الطريقة؟ لماذا يُقَابَل التحرك الأمريكي والإسرائيلي والغربي بهذه الطريقة: شعار، مقاطعة للبضائع، نشاط توعوي في الساحة، وصولاً إلى مراحل عملية أخرى أكبر من ذلك”.
حينما استبدت الهجمة الأمريكية الشاملة بالأمة وشعوبها مع بداية التسعينيات واستشرست مع بداية الألفين وتحديدا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، كان البعض يطرح خيارات عديدة، منها الصمت والسكوت والاستسلام والمسايرة للتوجهات الأمريكية، والبعض الانخراط في سيرك الولاء لأمريكا، وقد اتجه معظم زعماء العالم العربي والإسلامي إلى البيت الأبيض لتقديم الولاء للرئيس الأمريكي جورج بوش حينها، وآخرون كانوا يرون في أساليب تنظيمات القاعدة وأمثالها هو الأصوب في مواجهة الهيمنة الأمريكية.. ويتساءلون لماذا لا تتجهون إلى خطف الأمريكيين السياح وقتلهم وحتى الغربيين منهم، لماذا لا تخططوا لتفجيرات وعمليات مثلما فعل بن لادن في 11 سبتمبر؟!.
بادئ ذي بدء، لم تكن أمركة العالم منذ بداية التسعينيات من القرن العشرين، حينما أخذت تبلور نظام عالم القطب الأمريكي الواحد عقب انهيار القطب الشيوعي ودول الكتلة الشيوعية، بالقوة العسكرية وحدها، بل ذهبت إلى أمركة العالم ثقافيا واقتصاديا وسياسيا وإعلاميا وإلى تغيير الثقافات الدينية والوطنية والقومية وعولمة الثقافات الأمريكية الماسخة للقيم الأخلاقية والإنسانية للإنسان وتحويله إلى مجرد حيوان بلا هوية ولا إرادة وبلا ثقافة وبلا فهم وإدراك مستهلك يعتمد ثقافة الاستهلاك همه الأول والأخير هو الحصول على المال بكل الطرق، الأمر الذي يدفعه لأن يتجرد من مبادئه وقيمه وحتى من عقيدته ليجد نفسه متشبعا بعقيدة العولمة المنبثقة من القيم الأمريكية التي كرستها أمريكا في كل العالم.
أمريكا التي مارست الجرائم البشعة من إبادة ضد الهنود والاسترقاق ضد السود الأفارقة، والتوسع ضد المكسيك والاستعمار ضد البورتوريكانيين وغزو العراق وأفغانستان واستباحة البلدان عسكريا، قد اتخذت من العولمة أو ما يجب تسميته الأمركة الثقافية باستهداف الهوية واستبدال الثقافات والقيم بالانحلالية وإحلال ثقافة الإنتاج والزراعة والتنمية بالاستهلاك وتعويم ثقافات الرأسمالية والربوية والفوائد بدلا عن الاقتصاديات المعتمدة على الذات، ومن عولمة القيم الأمريكية الماسخة وفرضها بديلا عن القيم الإنسانية من خلال تسويق وترويج حقوق الإنسان والمرأة والحقوق الجنسية وغيرها مما لا يستساغ ذكره من انحطاط يجرد الإنسان من إنسانيته ، وفرضت ثقافات انتهاك الخصوصيات الإنسانية بشكل صارخ وسوقتها على أنها حريات وحقوق وممارسات مدنية، وعملت على تقديسها وتكوين سياج من الوعي حولها تجعل من ينكرها مُستنكرا ومن يرفضها متخلفا وديكتاتوريا، فشرعت اللواط وسوقته على أنه حرية مدنية، وقدمت زواج المرأة من الحيوان حق من الحقوق المكفولة.. وبالمختصر سوقت للانحطاط والتردي والفحش على أنه الحرية والحق والمدنية والتطور والحضارة وعولمت تلك الثقافات في العالم كله، لتحقق الهيمنة على كل شيء وفي كل مكان .
إن تكريس نظام القطب الأمريكي الواحد على العالم يقتضي تحقيق الهيمنة الأمريكية على كل شيء وفي كل مكان، ولم يكن مقتصرا على استخدام القوة العسكرية فحسب، بل إن عولمة الثقافات وأمركتها هي العامل الأخطر على هويات الشعوب وعلى ثقافاتها، وهو العامل الذي يمكِّن أمريكا من السيطرة على الأرض ومن نهب الثروة ومن استلاب القرار ومن التحكم بكل شيء.
ويطلق البنتاغون على هذه الهيمنة أو التفوق على البشرية كلها، تعبيراً خاصاً هو “طيف الهيمنة الكامل”، وهذا يعني أن على أمريكا امتلاك قدرة السيطرة على التطورات العسكرية والاقتصادية والسياسية، وفرض الثقافات والقيم الأمريكية على الجميع إذا ما أرادت الهيمنة على كل شيء وفي كل مكان.
ولمزيد من التفصيل، فقد أخذت أمريكا في تكريس الهيمنة الشاملة على العالم من خلال:
1 – الهيمنة العسكرية:
تتواجد القوات الخاصة الأمريكية في 138 بلداً أي 70% من العالم لفرض “طيف الهيمنة الأمريكية الكامل على العالم وهي تسيطر على المحيط العالمي وتعمل على السيطرة على مركز العالم”، المتمثل بمنطقتنا العربية، وعملت على ذلك من خلال غزو العراق وأفغانستان، وتقيم قواعد عسكرية في الخليج والعراق وغيرهما وتحرك البارجات في البحار، وتنشر في المنطقة أجهزة مختلفة للاستخبارات وتحرك جواسيسها في كل مكان وفي كل وقت، لدى الأصدقاء والأعداء، ولا يقتصر نشاطها على سرقة الثروات والتحكم بالقرار السياسي والاحتلال للأراضي، بل إلى سرقة الأسرار العسكرية والدبلوماسية، وحتى سرقة الأسرار الصناعية والتكنولوجية والعلمية وفي مختلف المجالات.
2 – الهيمنة السياسية:
إن الأهداف الحقيقية وراء تأسيس الأمم المتحدة وضع سياسة دولية جديدة بمعايير أخرى تخدم مصالح الجهة المنتصرة بعد الحرب العالمية الثانية، وتهيمن أمريكا على السياسة الدولية بشكل مطلق، فهي تراقب الأوضاع في كل العالم وتحاول التأزيم الدائم فيها، إذ تعتبر مصالحها في كل القارات، تتدخل سياسيا من الشرق الأوسط إلى كوسوفو، ومن تيمور إلى تيوان، ومن باكستان إلى القوقاز، ومن الكونجو إلى أنجولا، ومن كوبا إلى كولومبيا.
وهي التي تحدد اختيارات وسير العالم من خلال هيمنتها على هيئة الأمم المتحدة، ومجموعة الدول السبع الأكثر تصنيعاً، ومنظمة حلف شمال الأطلسي، إلخ.. ومن خلال سيطرتها على المؤسسات الدولية وقراراتها كمنظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن وما يتبعهما، جعلت قراراتها مطية للتدخل في سيادة الدول وفي أمورها الداخلية، جاعلة من حقوق الإنسان والديمقراطية والحرية ذرائع تبرر لأي تدخل مصلحي أمريكي، وعندما تعجز عن أخذ قرار تبريري لعدوانها وقتلها تفعل ذلك دون الرجوع لهذه المنظمات مثلما حصل بالعراق ويحصل في سوريا حاليا، وفي اليمن أيضا، فأمريكا منظومة ناهبة إرهابية لا تؤمن بقانون دولي إذا كان لا يلبي مصالحها وأجنداتها، وترى أنها فوقه ويجب أن يخضع البقية له مثلما تريد هي .
3 – الهيمنة الاقتصادية :
أما اقتصادياً فقد استطاعت أن تقبض على العالم وتتصرف في أموره بما يتناسب مع خططها الاقتصادية الرامية لاستمرارية التبعية كدولة مركز ودول أطراف، وذلك عبر مصطلحات حرية التجارة وحرية السوق , أي جعل العالم سوقا حرة للمنتوجات الأمريكية، فيجب على كل البلدان أن تفتح أسواقها وتسير أمورها حسب سياسات السوق وحرية التجارة من وجهة النظر الرأسمالية وفق مقررات مؤتمر واشنطن وتوصيات البنك الدولي و صندوق النقد، فالفائدة حتما هي للمستثمر الأجنبي وللشركات الأجنبية والتي قد تتدخل بالسياسات الداخلية وتهيء لاختلالات أمنية, وهكذا يقع اقتصاد البلدان برمتها تحت سيطرة هذه الشركات وهذا المستعمر المتلبس لباس المستثمر، وهكذا عممت في العالم الفقر المدقع والجهل والأمراض واليأس والإحباط والتشرذم والصراعات الجاهزة للإشعال، وصارت الشعوب هي الضحية، وصارت لا تعرف مشاكلها ولا أسبابها .
وتقوم أمريكا بإدارة وتسيير البورصات العالمية مثل: بورصة واشنطن، شيكاغو، نيويورك … وكذلك من خلال الهيمنة والتأثير على المؤسسات المالية العالمية مثل: صندوق النقد الدولي، منظمة التجارة العالمية، الشركات متعددة الجنسيات ذات النفوذ الواسع عن طريق إقامة فروع لها في مختلف دول العالم، وكذلك تتفوق عن طريق الدولار المعولم كعملة عالمية لـ60% من المبادلات الدولية واعتماده كعملة مرجعية تحدد بواسطتها أسعار المواد والعملات الأخرى، وهو ما أكسبها ورقة ضغط خانقة تخنق بها الشعوب والبلدان المناهضة .
4 – الهيمنة الإعلامية:
تسيطر أمريكا على ميدان المعلومات وتتحكم في الاختراعات التكنولوجية الجديدة، وفي الصناعات الرقمية، الامتدادات والإسقاطات (المادية واللامادية) من كل نوع، وتتحكم في عمالقة الإعلاميات ( ميكروسوفت، إ.ب.م، إنتيل) و(ياهو ـ أمازون ـ أمريكا أونلاين) وهي راعية الفضاءات الإعلامية وهي موجهتها، وباعثة الأجندات المفرقة المشيطنة المدمرة التي تنشر ثقافة الجريمة والقتل، وتصنع الإرهاب وتروج له بأساليبها المخادعة، وتشوه الأديان والقوميات وتتاجر في الحروب وتهيج الشعوب على بعضها وتبث الفوضى وتبرير الغزو والقتل، وتشويه الهويات الدينية والوطنية وكل الهويات الاستقلالية والتحررية التي تعتبرها الخطر الأكبر على مشروع أمركة العالم.
5 – الهيمنة الثقافية
تمارس الولايات المتحدة – علاوة على ما سبق – هيمنة ثقافية وآيديولوجية، باعتمادها على سلطة الإعلام والتكنولوجيا تقيم أمريكا، مع التواطؤ المستسلم لمن يخضعون لها، ما يمكن تسميته بالقهر اللطيف أو الاستبداد اللذيذ، فتتحكم بالصناعات الثقافية وتضع قواعد إنتاج المنتجات الثقافية وتعممها على العالم بما يهيمن على خيالاتنا، ويرافق هذا كله خطاب جذاب يتحدث عن الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان.
وكان الغزو الثقافي الممهد الضروري للمشروع الهيمني الأمريكي المطلق ولم يقتصر على الثقافة فقط وإنما بالإضافة لذلك عملت على فرض التغيير في المناهج التعليمية وكل أدوات التنشئة التي تتولاها المؤسسات الدينية والثقافية والإعلامية والتربوية والأسرية، وعملت على ذلك بما يحقق جيلاً متشبعاً بثقافات الأمركة.
إن أمريكا لا تسعى إلى إخضاعنا باستعمال القوة فقط وإنما بسحر عقولنا، وليس عن طريق إصدار الأوامر بل عن طريق خضوعنا الطوعي؛ وليس عن طريق تهديدنا بالعقوبة ولكن من خلال قبولنا وانشدادنا إلى ما تريد وتعطشنا لما تسعى إليه، وبذلك نرى أن مضمون العولمة في ظاهره كان دعوة إلى تعميم الديمقراطية والليبرالية السياسية وحقوق الإنسان والحريات الفردية وغيرها من القيم السياسية، إلا أن حقيقة العولمة هو “الأمركة أو الهيمنة الأمريكية”.
وانطلاقا من الإدراك العميق لهذه الحقائق أطلق الشهيد السيد حسين بدر الدين الحوثي – رضوان الله عليه – شعار الصرخة، وفي تلك المرحلة التي برزت فيها ملامح الاستهداف الأمريكي الشامل تحرَّك السيد حسين بدر الدين الحوثي «رضوان الله عليه» بمشروعه القرآني المبارك والعظيم والمهم، وعبَّر عن توجهه بشعارٍ مثِّل- بحد ذاته- موقفاً حكيماً، مدروساً، مفيداً، مهماً، فأعلن الصرخة ليعبر عن التوجه المواجه والمقاوم لأمريكا، ويمثل صوتا رافضا لها، ويهدف إلى تحصين الساحة الداخلية للمسلمين (لأبناء الأمة) من الاختراق فكرياً، وثقافياً، وسياسياً، وعسكرياً، وأمنياً، واقتصادياً، وخلق تعبئة عامة في أوساط الأمة، لتتحصن من اختراقهم، من نفوذهم، من تأثيرهم، الذي يتجه حتى إلى الاستقطاب.
والشعار لم يكن هتافا مجردا فحسب بل أتى ضمن نشاط تثقيفي وتوعوي واسع، ونشاط تعبئة واسعة، ونشاط عملي تبلور إلى مواقف وخطوات عملية مرسومة ومحددة تضمَّنتها الثقافة القرآنية، وأيضاً صَحِبَه وكان إلى جانبه موقفٌ آخر هو المقاطعة للبضائع الأمريكية والإسرائيلية.
ومن جانبٍ آخر له أهميته الكبيرة في التصدي للثقافات والمفاهيم التي كرستها أمريكا بالعولمة والأمركة للثقافات والقيم، وأرادت ترسيخها في الساحة الإسلامية والعربية، فأتى الشعار ليواجه ويسقط تلك المفاهيم الخطيرة الماسخة للقيم والهويات، وليرسِّخ المفاهيم الأصيلة، التي تعبِّر عن الموقف، وتعبِّر عن الوعي، وتكرس القيم التي تواجه تلك المخططات.
إن الأحداث التي أعقبت انطلاقة السيد الشهيد حسين بدر الدين الحوثي، كشفت عن عمق الإدراك وحكمة الموقف والتحرك بهذا الشعار، فجوهر العولمة المؤمركة برز بإعادة إنتاج مقولات الاستشراق الأمريكي مثل مقولة “روزفلت” أحد رؤساء أمريكا سنة 1898م ” قدرنا أمركة العالم “، فقد تجسدت في الساحة واتضح أن النظام الذي أعلنته أمريكا للانفراد بالعالم والهيمنة عليه، هدف إلى تحقيق جملة من الأهداف المتمثلة بالسيطرة المطلقة وإلى تبعية الجميع، وإلى عرقلة أي تطور لأي قوى أخرى محتملة المواجهة, استمرارية سياسات النهب والابتزاز والإفقار, جعل الآخرين مسرحاً لكل العمليات ومحاولة تقويض أي تعثرات داخلية أو تناقضات تهشم البنيان و تضعف الداخل المتين، وأثبتت أن الشعار الذي أطلقه الشهيد القائد كان هو الموقف الحكيم والتحرك الحكيم والشامل لمواجهة الأمركة الشاملة.

قد يعجبك ايضا