(4-4)

المناضل عبدالله سلام الحكيمي في حوار الذكريات لـ (الثورة ) : حرب صيف 94 كانت عاملا حاسما في كتابة مستقبل نظام صالح

نظام الشمال تفوق على نظام الجنوب في أحداث 13 يناير المأساوية وليس في 7 يوليو 1994م

تأجيل توحيد العملة والبنك المركزي والجيش والأمن كانت أسبابا لحرب صيف 94م ووثيقة العهد والاتفاق بالأردن مثلت الإعلان لها

ما تشهده اليمن من حرب وحصار شامل للعام الثامن على التوالي أحد أهم كوارث الخطأ الاستراتيجي في تعامل نظام صالح مع مشروع الوحدة

ظهور حركة أنصار الله كقوة جديدة بفكر مغاير لكل القوى السياسية التقليدية أربك كل مؤامرات أمريكا في اليمن

في الحلقة الرابعة والأخيرة من حوار الذكريات سلط المناضل السياسي والقيادي الوحدوي الناصري عبد الله سلام الحكيمي الضوء على الملف الاقتصادي وموقعه من اتفاقيات ومفاوضات الوحدة اليمنية بين رؤوسا الشطرين، ومسار الأحداث التي أفضت إلى حرب صيف 1994م.. مؤكدا أن تلك الحرب شكلت عاملا حاسما في كتابة مستقبل نظام صالح، وكانت سبباً لما تشهده اليمن حتى اللحظة من مؤامرات خارجية وحرب عدوانية ظالم للعام الثامن على التوالي.
وقال عبد الله سلام الحكيمي:» ظهور حركة انصار الله كقوة فتية وشابة وجديدة لها منطقها وبرنامجها ورؤاها المغايرة تماما لما هو سائد أربك وأفشل كل المؤامرات وتصدى للعدوان والاحتلال الأجنبي ومرتزقته.. مؤكدا أنا الحركة وبذلك الظهور طرحت نفسها كمشروع للنهوض الوطني وبديل مغاير للأشكال والصيغ التي شاخت وترهلت وانقلبت على أهداف نشأتها ونضالها السابق وتماهت مع مشاريع القوى الاستعمارية والصهيونية والرجعية..
وقدم الحكيمي تشخيص مقتضب لمسار الأحداث الموصولة بمشاورات الرياض، وواقع الجزر والمناطق الواقعة تحت سيطرة التحالف، ومستقبل الوحدة اليمنية على ضوء الصمود الشعبي في المناطق الحرة وغيرها من القضايا… إلى تفاصيل الحلقة الرابعة والأخيرة.
حـــــــاوره/ محمد محمد إبراهيم

إذا ما استبعدنا التعامل مع الوحدة كمشروع جغرافي وثرواتي استبد به صالح وأركان نظامه، كما أشرت في الحلقة السابقة. ومن منظور اقتصادي.. كيف قرأتم المعاهدات والاتفاقيات التي سبقت إعلان الوحدة بين رؤساء الشطرين المذكورين. ؟ وأين كان الاقتصاد من أجندة المفاوضات ؟

– الاتفاقيات التي تمت عقب جولات الحروب بين الشطرين والتي كانت نتاج عمل لجان الوحدة المشتركة، لا غبار عليها وهي جهد جيد، وإن لم تطبق بعد الإعلان عن قيام الوحدة وعلى طريقها فيما عدا مسودة دستور الوحدة الذي أنجزته اللجنة الدستورية المشتركة برغم بقاء بعض نقاط خلاف معلقة تم حسمها باتفاق سياسي قبيل الوحدة مباشرة بين القيادتين، أما باقي الاتفاقات، بما فيها المتعلقة بالاقتصاد، وتوحيد العملة والبنك المركزي والجيش والأمن الخ فقد ظلت مرجأة لما بعد الوحدة وهي في اعتقادي كانت السبب الرئيسي لبروز الخلافات المريرة بين الطرفين واندلاع الحرب عام١٩٩٤م وما سبقه من مسلسل الاغتيالات…

أحداث يناير
مقاطعاً- قبل الحديث عن حرب صيف 94.. دعنا أمام أحداث 13 يناير 1986م في عدن فهل كانت تلك الأحداث تعكس مواقف معينة تجاه الوحدة أم صراع بين قيادات الاشتراكية أساسه التأميم والغبن الاجتماعي والنزاع على الكراسي..؟
أحداث ١٣ يناير ١٩٨٦ في الجنوب، كانت بمثابة انفجار كبير في كيان وتركيبة النظام الحاكم هناك، بمؤسساته الرسمية والحزبية كافة، إلى حد يمكن القول فيه أنه أفضى إلى انقسام وشرخ هائل على المستويين الراسي والأفقي للنظام كله، ويعتبر ذلك انعطافا تاريخيا بارزا في الصراع الذي ظل قائما بين نظامي الشطرين عقودا، وهو صراع لأسباب واعتبارات عدة كان دائما يرجح لصالح النظام في الجنوب الذي تميز بقبضة حديدية في الداخل وامتدادات حزبية فاعلة في الشمال لصالحه، ولأنه كان نظاما مغلقا يصعب معرفة مجريات الأحداث فيه الخ..

لكن ١٣ يناير يسجل بأنه كان نقطة التحول الاستراتيجية في الصراع بين الشطرين لصالح الشمال، وبعبارة أخرى فإن ١٣يناير ١٩٨٦م، كان تاريخ هزيمة النظام في الجنوب، بمؤسساته السياسية والعسكرية والأمنية والحزبية، أمام الشمال وليس في ٧ يوليو عام ١٩٩٤م.
هل من توصيف أدق لبذور وأسباب هذه الأحداث المأساوية ؟
في الواقع أحداث١٣يناير المأساوية لم تكن سوى ذروة لصراعات سابقة عصفت بالنظام في الجنوب منذ قيام دولة الاستقلال في ٣٠ نوفمبر١٩٦٨م، وكأي نظام أحادي حاكم يحول دون السماح بمنابر وقنوات ومتنفسات للتعبير عن التعدد السياسي والاجتماعي والفكري للقوى الأخرى في المجتمع، فان قوانين الصراع الدافع للتقدم كسنّة رئيسية من سنن الحياة المتدفقة دوما إلى الأمام، تتحول من التفاعل بين الطرف الحاكم والأطراف المعارضة، إلى داخل التركيبة الأحادية الحاكمة التي عادة ما تتعرض في ظل هكذا وضع إلى صراعات ومواجهات داخلية دورية بين فترة وأخرى، لأنها لم تجد مجالا متاحا آخر لممارسة دورها في تحريك الحياة وضمان حيويتها وتجددها إلخ.
خلاصة القول: أن أحداث١٣ يناير، لم تكن ذات صلة مباشرة آنذاك بقضية الوحدة ومصيرها ولكنه صراع داخلي في تركيبة الحكم الأحادي المطلق، وإن كانت قد شكلت للطرف الآخر من معادلة الوحدة أقصد الشمال هدية هبطت عليه من السماء ليزايد على قضية الوحدة، على غير نهجه وطبيعته، واستخدامها ورقة خطيرة في صراعه المتغيرة معادلاته بينه وبين النظام النقيض له في الجنوب ليعمق الأزمة الداخلية فيه وليضغط مستخدما ورقة الوحدة لاحتوائه وإذابته كما دلت وقائع الأحداث الممهدة للوحدة وأثنائها وبعدها!

وهل للمشكلات الاقتصادية والمالية والدين على الشطر الجنوبي صلة بتسريع السير إلى إعلان الوحدة.. ؟
بلا شك أن لتلك المشكلات دور لكن ليس محوري بالشكل الذي مثلته الأحداث الداخلية في عدن والعالمية الموصولة بانهيار الاتحاد السوفيتي الذي كان النظام في الجنوب ومنذ نشوئه تقريبا معتمدا بشكل كبير جدا عليه اقتصاديا وعسكريا وأمنيا وسياسيا، وكان على نحو أو آخر جزءا من هذا المعسكر العالمي، ولما بدأت عوامل التحلل على هذا المعسكر وخاصة في الاتحاد السوفيتي وصولا إلى تفككه وسقوطه كنظام وتوالي سقوط منظومته الاشتراكية في أوروبا الشرقية وانتهاء الحرب الباردة بسقوط جدار برلين أواخر عام ١٩٨٩م، شعر النظام تحت وطأة الآثار الكارثية لأحداث ١٣ يناير، أنه بات داخليا ممزقا وخارجيا بات مهددا بزوال الغطاء الدولي الذي مثله له المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي كما كانوا يقولون، وهي عوامل وتطورات جعلت النظام في الجنوب على مستوى خطير جدا من الضعف والتفكك وغياب البوصلة أمامه وأنه مهدد بالفعل بالسقوط، وكل ذلك يجب أخذه في الاعتبار فيما يخص إعلان دولة الوحدة وكيفية قيامها وما تلاها من أحداث دراماتيكية جعلت مستقبلها كما يتراءى اليوم في كف عفريت!..

قيام الوحدة
في رابعة نهار 22 مايو 1990م رُفع علم الجمهورية .. أين كنت.. ؟ وهل شعرتم أن في اتفاقية الوحدة وإعلانها ما يؤسس لحرب صيف 94 ؟ وكيف سارت الأمور في العامين الأولين للوحدة ؟
كنت في صنعاء، وكان يوما تاريخيا مفعما بالفرحة الشعبية العارمة والتفاعل الإيجابي في المحيط الإقليمي العربي والإسلامي بل والعالمي في الواقع، ولاشك انه كان أملا وطنيا عظيما عبرت عنه جماهير شعبنا على امتداد تاريخها، وكان يوما متوقعا على نطاق واسع بين جماهير الشعب وقواه السياسية والاجتماعية كافة، حيث ظل دائما مطلبا وهدفا رئيسيا لنضالات شعبنا وآماله الوطنية.
وبالنسبة لشعورنا ببذور الخلاف رغم غالبية الأجواء الفرائحية، نعم فقد شعرت النخب بذلك، وأتذكر أني كنت من أوائل من نبه ومنذ وقت مبكر، قبل إعلان الوحدة ومن بعد إعلانها، عن أن الطريقة التي يجري العمل بموجبها للإعلان عن قيام دولة الوحدة من شأنها أن تفضي إلى كارثة، ذلك انه اعلن عن دولة إعلاميا وسياسيا دون أن تكون هناك دولة للوحدة قد تم بناؤها أصلا إذ بقت الدولتان الشطريتان قائمتان بالغالب إلا من دمج المجلسين التشريعيين ومجلس رئاسة تقاسمي وحكومة لفقت من حكومتين وماعدا ذلك ظلت الدولتان تعملان بجيشيهما وامنهما وعملتيهما الخ.
وكما أذكر أني حاولت أن أوضح لبعض القادة أصحاب القرار في الجنوب بأن خطأ فادحا يسيرون في طريقه لسلق مسألة الوحدة بطريقة غوغائية بعيدا عن الأسس والمعايير والشروط المطلوبة والضرورية لبناء الدولة، واقترحت عليهم البدء بوحدة كونفدرالية تنسق على مستوى سياسي فوقي في المجالات التي يتفق بينهما على التنسيق فيها ما السياسة الخارجية والدفاعية والأمنية العامة مع بقاء بنية الدولتين قائمتين لمدة ما بين عشر إلى عشرين عاما يتم خلالها توحيد المؤسسات والأجهزة والمرافق والنظام الإداري والمحاسبي والجيش والأمن والاقتصاد والعملة إلخ، وقلت لهم إن القيادة الحالية للنظام في صنعاء ليست مؤمنة بقضية الوحدة كمشروع وطني وإنما اتخذتها ورقة سياسية للضغط عليهم في خطة موضوعة لابتلاعهم وتصفيتهم والتفرد بالحكم لدوافع وغايات عائلية أو قبلية ولكنهم كانوا يقولون لي أقصد من حاولت إقناعهم أنهم معي فيما أطرحه لكنهم لا يستطيعون تبنيه حتى لا يقال أنهم كقادة ضد الوحدة، وهكذا أعلن عن قيام دولة للوحدة مقلوبة رأسا على عقب وكنت اطرح في كتاباتي ومقابلاتي أن هذه الدولة تمشي على رأسها وأنها ستفضي إلى كارثة وطنية.

اتفاقية عمّان وإعلان الحرب
هل عبرتم حينها صراحة عن هذا الشعور والإحساس بواقع الحال..؟
بالتأكيد.. وأذكر أني قبل حرب ١٩٩٤م وعلى اثر التوقيع على الاتفاق بين القيادتين في الأردن، قلت في حديث لصحيفة (الوحدة)، أن ما تم في الأردن لم يكن اتفاقا أو مصالحة بل إعلان حرب، وهذا ما تم للأسف، وواجهت الكثير من المضايقات والتهديدات وخاصة من قبل الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح، وكما ترى أن الأمور سارت منذ الإعلان عن دولة للوحدة تمشي على رأسها وحتى حرب صيف ١٩٩٤م وما تخلل هذه الفترة من مسلسل اغتيالات وتصفيات دموية كثيرة مهدت لتلك الحرب الكارثية كما توقعتها للأسف ولايزال الخطأ التاريخي الذي ارتكب في عام ١٩٩٠م يفرز سمومه وتداعياته وآثاره المدمرة حتى اليوم وسيظل كذلك حتى يتم تصحيح الخطأ أو تدمير كياننا الوطني برمته، وما حرب وحصار تحالف العدوان والاحتلال السعودي الإماراتي المدعوم من قبل الغرب بقيادة أمريكا المتواصل للعام السابع على بلادنا بمعزل عن ذلك الخطأ الاستراتيجي وتداعياته.

تداعيات صيف 94
حدثنا عن تداعيات حرب صيف 1994م من حيث صلة تلك النتائج بأحداث الربيع العربي بنسخته اليمنية.. ؟
في الإجابة على هذا السؤال، سأكتفي بخلاصة حديث جرى بيني وبين اللواء غالب القمش رئيس جهاز الأمن السياسي آنذاك بعد انتهاء حرب ١٩٩٤م بقليل، وكان قد طلب من أحد أصحابي إبلاغي برغبة في لقائي في مقيل منزله بالحي السياسي، وخلال حوار طويل استغرق ساعات المقيل كله إلى ما بعد الساعة التاسعة مساء، وكنا وحدنا، سألني عن قراءتي لحرب ١٩٩٤م ونتائجها وكيف تتعامل القوى الدولية وخاصة أمريكا وحلفائها الغربيين مع نتائجها وماهي مخططاتها، وباختصار هنا قلت له ما معناه إنه يخيل إليّ أن مسألة الحرب والأهداف الكامنة وراءها أرادت من ورائها تلك القوى الدولية نزع أنياب وأظافر الطرفين الشريكين في الوحدة، فما تم الآن هو تجريد الاشتراكي من قواه العسكرية وهي المرحلة الأولى للحرب، ويبقى العمل في الشمال وهو نزع أنياب وأظافر الرئيس علي عبدالله صالح وتجريده من القوة العسكرية الكبيرة الموالية له حيث سيوضع أمام خيارين وعليه الاختيار بينهما، إما أن يبقى رئيسا ويزيح أقاربه من قيادة وحدات الجيش والأمن، أو يستقيل ويبقي أقاربه في مواقعهم المسيطرة على الجيش والأمن شرط خروجه من المشهد السياسي كله، والهدف من ذلك تحييد القوة العسكرية والأمنية عن الصراعات السياسية الدائرة في دولة الوحدة المختلة، ويبقى الصراع في الإطار السياسي فقط بمعنى حين يختلف الطرفان لا يكون بمقدور أي منهما تحريك الوحدات العسكرية لحسم الصراع بالقوة، لكنه تمسك ببقاء أقاربه في المؤسسات الأمنية والعسكرية والإيرادية، فيما بقى هو متربعا على رأس النظام الذي ترهل وتضعضع بسبب نفوذ أقاربه في تلك المؤسسات، وكان ذلك هو محور الخلاف مع حلفائه في حرب صيف 94م لتنقسم المؤسسة العسكرية في أحداث الربيع العربي بنسخته اليمنية، بين قوى النفوذ السياسي والقبلي والعسكري والديني..

برأيكم، هل وصلت -حينها- رسالتكم إلى صالح عبر غالب القمش.؟ وما علاقة نتائج الحرب ضد شريك الإنجاز الوحدوي ؟
بكل تأكيد، لكن وهم النصر كان قد أخذه عن واقعه، وتبعا لذلك فقد شكلت نتائج حرب 94 -المتمثلة في إقصاء شريك الوحدة وبذلك الشكل من الظلم- عاملا حاسما في كتابة مستقبل نظامه، والمشكلة برمتها أن الرئيس صالح استخفته نشوة ما تراءى له بأنه نصر كاسح وأدارت رأسه وغاب عنه أن هذا النصر ما كان ليتم له بدون دور تلك القوى الدولية وأنه ليس مطلوبا الإقصاء الكامل وتدمير وتصفية الاشتراكي سياسيا بل فقط نزع قوته العسكرية فقط، فأساء فهم الرسالة وتجاهل إدراك المطلوب منه واستمر سنوات في حكم ما برحت عوامل اضطرابه تعتمل تحت سطح خادع إلى أن وجد الصرح الكبير الذي خاله شامخا يتهاوى ويتحول إلى حطام وهو الذي اعتقد انه ضمانة ملك أسسه وعززه وشيد أركانه ليدوم إلى زمن طويل ملك أراده مرتبطا باسمه وعائلته وأنسته غفلته عن التنبه لحقيقة أن الدوام لله وحده! ولا تفهم الحرب العدوانية التي يشنها على بلادنا التحالف العدواني السعودي الإماراتي المحرك من قبل أمريكا وحلفائها المتواصلة للعام الثامن إلا في سياق السيناريو الذي ذكرته في مطلع المداخلة وفي إطار المخططات لإعادة رسم خرائط منطقتنا الإقليمية العربية والإسلامية بما يخدم صراعات القوى الامبريالية الصهيونية المتنفذة!

مستقبل الوحدة
على ذكر الحرب والحصار على اليمن.. ما هي قراءتكم لمستقبل الوحدة اليمنية على ضوء نتائج سبعة أعوام من العدوان والحصار قرنت بملحمة أسطورية من الصمود..؟
الواقع انه من إعادة قراءة مسار الأحداث ودلالاتها منذ ما بعد عملية اغتيال الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي عام ١٩٧٧م، يتبين جليا أن الحرب العدوانية والحصار والاحتلال الذي جعلت السعودية تتزعمه ومعها الإمارات العربية وتشارك أنظمة حكم تابعة للغرب بقيادة أمريكا ضد اليمن للعام الثامن حتى الآن ولايزال، قد بدأ التخطيط والإعداد لها منذ ما بعد عملية اغتيال الرئيس الحمدي ومشروعه الوطني الطموح، وما جرى منذ ذلك التاريخ من أحداث كقيام الوحدة بالشكل والطريقة التي أعلنت عنها عام ١٩٩٠م والحرب المدمرة التي أعقبتها عام ١٩٩٤م، والعمل الدؤوب الذي بذلته أمريكا لتدمير منظومات الدفاع الجوي المتطورة على عهد الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح، ثم ما سميت بثورة الشباب الشعبية” الربيع العربي” ونقل السلطة إلى عميل جديد عبدربه منصور هادي وفرضه كمرشح رئاسي وحيد تحت دعوى التوافق والانتقالية عبر استفتاء متحكم في نتائجه مسبقا، وسيطرة أمريكا عبر سفارتها في صنعاء على كامل ملف الجيش والأمن في بلادنا، وعقد ما سمي بمؤتمر الحوار الوطني الذي كان الكثير من مخرجاته قد تم عملية بحثها وإعدادها وصياغتها في أروقة السفارات الأميركية والبريطانية والفرنسية والألمانية إلخ، حتى من قبل بروز فكرة عقد مؤتمر حوار وطني أساسا ثم تشكيل قوام أعضاء مؤتمر الحوار الوطني اختيارا وليس انتخابا..

حجم المؤامرة وعامل الفشل
حتى فعاليات ذلك الحوار.. هل استبانت الأطماع الحقيقية لتلك الأحداث المعقدة والمركبة والتي يتضح فيها دور الخارج.. ؟ وهل تحققت تلك الأطماع..؟
بكل تأكيد كانت واضحة وبشكل لا يدع مجالا للشك.. فكل الأحداث وما تزامن معها من مسلسل الإجراءات الدولية والمتلاحقة وغيرها كان الهدف الرئيسي منها تفكيك الدولة الوطنية ومؤسستها العسكرية والأمنية وتجريدها من سلطاتها ومهامها السيادية السياسية والاقتصادية، وجعلها مجرد صورة كرتونية فارغة لصالح إنشاء ست كانتونات أو دويلات مقزمة وتمزيق الكيان الوطني اليمني بما يسهل ابتلاعها واحدة تلو أخرى لدول الجوار بالوكالة عن القوى الامبريالية والصهيونية العميلة، لكن ظهور وبروز قوة انصار الله أفشلت مخطط الإمبريالية وأدواتها، ذلك المخطط الذي استهدف واحدة اليمن الجغرافية والتاريخية وحاول النيل من سيادته على أراضيه، وصمود الشعب اليمني أدى إلى إرباك وتعثر ذلك المخطط المستهدف الكيان الوطني من بلوغ أهدافه كما كان مخططا له، مما دفع بالقوى الإمبريالية إلى الأخذ بخيار الحرب متذرعة بيافطة الشرعية لأنظمة الحكم العميلة لها والتي تقوم بأدوار وظائفية مكلفة بها لصالح تلك القوى ضمن اطار استراتيجيتها الهادفة إلى تمزيق الكيانات الفاعلة في المنطقة العربية والإسلامية المحيطة بها وتدمير الدولة الوطنية الضامن الأساسي لسيادة أوطانها ووحدتها واستقرارها هكذا جرت الأمور في سوريا والعراق وليبيا واليمن وتونس ومصر على تفاوت ما تحقق من الأهداف المخطط لها في كل دولة على حدة.

على ذكر ظهور قوة أنصار الله التي أحبطت تلك المؤامرات وأغلقت فصول الاختلالات الأمنية والتصعد المجتمعي على الصعيد الداخلي.. كيف تنظرون لطريقة تعاملها مع مجريات الأحداث داخليا وخارجيا.. ؟
هنا، لا بد أن نسجل حقيقة مهمة للتاريخ والأجيال، وهي أنه من ألطاف الله العلي القدير على اليمن وأهله؛ أن جاءت هذه الحرب العدوانية الشريرة والحصار والتجويع بما نتج من كارثة إنسانية مروعة هي الأسوأ في تاريخ العالم المعاصر، في ظل بروز وتنامي قوة حركة انصار الله كقوة فتية وشابة وجديدة في فكرها وأساليبها مختلفة تماما عن النمط التقليدي للقوى السياسية سواء في الحكم أو المعارضة، قوة لها منطقها وبرنامجها ورؤاها المغايرة تماما لما هو سائد لتطرح نفسها كمشروع للنهوض الوطني بديل للأشكال والصيغ التي شاخت وترهلت وانقلبت على أهداف نشأتها ونضالها السابق وتماهت مع مشاريع القوى الاستعمارية والصهيونية والرجعية بل وانخرطت مقاتلة ضد وطنها وشعبها تحت رايتها وقيادتها وبأموالها، وبالعكس من تلك القوى انبرت هذه القوة الفتية الجديدة (انصار الله) للتصدي للعدوان والاحتلال الأجنبي ومرتزقته، الذي لم يكن يحسب حسابا لها ولتأثيرها واعتقدت أن عدوانها العسكري الضخم والمزود بأحدث أسلحة الدمار سيحسم الحرب عسكريا في بضعة أيام، إلا أنه وجد نفسه غارقا في مستنقع استنزافي بفعل الصمود الأسطوري التاريخي للجيش واللجان الشعبية المتواصل للعام الثامن على التوالي.

مكسب الصمود
من وجهة نظر سياسية، ما الذي يعنيه هذا النجاح والصمود لهذه القوة الفتية.؟
سياسيا وشعبيا ووطنيا، لقد اكتسبت حركة انصار الله -بنجاحها وقدرتها على قيادة حرب المواجهة والمقاومة للعدوان والاحتلال السعودي الإماراتي المدار أميركيا وغربيا- المشروعية السياسية والشعبية والوطنية كقوة تحرر وطني كبرى ناجحة في قيادة مسيرة شعبها في بناء اليمن الجديد الحر والسيد على ارض وطنه بعزة وكرامة، ولاشك انه لو صادف حدوث هذا العدوان والحصار الأجنبي في ظل السلطات الحاكمة السابقة لما تطلب الأمر سوى بضعة أيام حتى تسارع مثل تلك السلطات إلى الاستسلام والخضوع تماما لشروط العدوان وأهدافه ولكان اليمن كوطن قد أصبح من أخبار الماضي وأصبح اليمن ست يمنات أو ملحقات بهذه الدولة أو تلك، وليس بعيدا عنا احتلال أريتريا لأرخبيل جزر حنيش وزقر في حرب لمدة يومين في نوفمبر عام ١٩٩٥م، ولم تكن أريتريا آنذاك قد أكملت بعد بناء دولتها وتقاعس النظام السابق عن أي فعل عسكري لحماية تلك الجزر مفضلا التحكيم الدولي!.

أخيراً
أخيرا.. واليمن تعيش الذكرى الـ32 لإعلان إعادة تحقيق الواحدة بين الشطرين.. كيف تنظرون لمستقبل الوحدة اليمنية على ضوء مجريات الأحداث في تشظ في مناطق سيطرة التحالف.. ؟
في الواقع إنني مع أي وحدة في الوطن العربي كمبدأ لكن نحن نعلم أن الطريقة التي أقيمت بها الوحدة كانت طريقة خاطئة غلبت عليها النزعة التآمرية ولم تكن نوايا الوحدة صادقة ولهذا سلقت التجربة سلقا جعلها قابلة للانهيار عند أول” مخلف صعيب” حيت لم يتم تأسيس أرضيتها وبناها التحتية على نحو صحيح وكانت أقرب إلى إعلان إسميٍّ لوحدة نظامين وعلى النطاق الفوقي بينما ظلت مؤسسات الشطرين في معظمها قائمة وكان الطرف الشمالي متعمدا إخراج الوحدة على ذلك النحو المخل إلى حين مجيء ساعة الصفر للانقضاض على شريكه الجنوبي والتفرد بسلطة ودولة الوحدة وقد كانت حرب ١٩٩٤م اخطر مسمار نخر جسد تلك الوحدة المختلة البناء أصلا وهذا ما خلق مناخا ملائما في الجنوب (مناطق سيطر التحالف حاليا) للترحيب بالحرب العدوانية والاحتلال السعودي الإماراتي المدعوم غربيا ولولا البنية المختلة للوحدة لما حدث كل ذلك الموقف غير المعهود وطنيا ولما استطاع العدوان والاحتلال الأجنبي أن يسيطر على الأرض في اليمن.
وعلى أية حال اعتقد انه ونحن في الذكرى الـ ٣٢ لإعلان الوحدة بأمسّ الحاجة وطنيا إلى إجراء مراجعة شاملة وعميقة لتجربة الوحدة وتصحيح مسارها بعيدا عن التغني بالخطأ وتمجيده ولعل ذلك يتم عقب دحر المحتلين الغزاة الأجانب عن وطننا لتفتح الأبواب على مصراعيها أمام حوار وطني شامل وشفاف ومفتوح للخروج بصيغة جديدة ليمن جديد حديث وعادل وحر ومزدهر ومهاب الجانب.

قد يعجبك ايضا