أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
يقوم بعض المسؤولين الحكوميين بإصدار أوامر وتوجيهات بتعويض بعض الأشخاص عن الأراضي التي تستملكها الدولة للمنفعة العامة ، وفي هذا التعليق سنتعرض لحجية هذه التوجيهات عند حدوث الخلاف بين الدولة وطالب التعويض ويتم عرض النزاع على القضاء، ولا شك أن تلك التوجيهات ملزمة للموظفين المرؤوسين إذا كانت موافقة للقانون، وإن لم تكن كذلك فالواجب على الموظف المعني بتنفيذ الأمر أو التوجيه ان يخطر المسؤول الذي أصدر الأمر بأن الأمر مخالف للقانون، ومقتضى ذلك أنه يحق للمواطنين الذين يحصلون على تلك الأوامر والتوجيهات ان يتمسكوا بها أمام الجهات الإدارية أو الموظفين الموجهة إليهم تلك الأوامر والتوجيهات ، ولكن إذا اختار المواطن الذي حصل على التوجيه الأمر الإداري بتعويضه اللجوء إلى القضاء، فإن للقضاء إجراءاته ومن بينها التحقق من سلامة التوجيه الإداري من العيوب وموافقته للقوانين وكذا مدى أحقية المتمسك بالتوجيه أو أحقية الأمر الإداري في الحصول على التعويض، فالقاضي هو الحارس الأمين لضمان تطبيق القانون، فوظيفة القاضي الالتزام بتطبيق القانون، ومن ذلك تطبيق الأحكام القانونية المنظمة للتعويض في القوانين ذات الصلة، فالقاضي ليس متقيداً بالأوامر الإدارية بالتعويض، وإنما يتقيد بأحكام التعويض المقررة في القانون، فالتوجيه أو الأمر الإداري موجه أصلا للموظفين في الجهة الإدارية وليس للقاضي، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 5 / 1/ 2014م في الطعن رقم (52389)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((وكذا ما أثير من محامي الطاعنة بأن الحكم المطعون فيه قد اعتمد على مراسلات وتوجيهات إدارية ، إذ لا يسوغ التعويض إلا بعد تحقق الملك لطالبي التعويض، وهو ما لا يمكن إلا بعد فحص مستندات المطعون ضده والتحقق من صحتها وانها تدل على ملكية المطعون ضده للأرض التي يطالب بالتعويض عنها)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: قرارات لجان التعويض وتوجيهات المسؤولين بالتعويض:
القرارات الصادرة عن لجان التعويض المشكلة وفقاً للقانون تكون قراراتها ملزمة للجهة الإدارية، غير أنها تكون عرضة للطعن بها أمام القضاء كما تكون لقراراتها الحجية التي تستمدها من قانونية تشكيل تلك اللجان وقانونية القرارات الصادرة عنها، أي موافقتها للقانون ، لأن تلك اللجان هي المختصة بهذا الموضوع وفقا للقانون، إضافة إلى أن تلك اللجان وفقا للقانون تقوم بدراسة وفحص الوثائق والمستندات التي تدل على أحقية طالب التعويض، حيث تتأكد تلك اللجان من سلامة وقانونية طلبات التعويض.
أما التوجيهات والأوامر الصادرة من المسؤولين بالتعويض فهي عبارة عن مذكرات صادرة من بعض المسؤولين الإداريين في الجهات المختلفة، حيث تصدر هذه الأوامر والتوجيهات في الغالب من غير دراسة وتمحيص لمؤيدات ومستندات طلب التعويض، وإن تمت دراسة تلك المستندات فإن الدراسة في هذه الحالة تكون قد تمت بطريقة غير نظامية ومن غير مختصين، مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، حيث صدرت التوجيهات والأوامر بتعويض المطعون ضده عن أرض استملكتها الدولة، حيث عجز المطعون ضده طالب التعويض عن إثبات ملكيته لتلك الأرض.
الوجه الثاني: وجوب تحقق محكمة الموضوع من موجبات التعويض ومدى قانونية التوجيهات الإدارية بالتعويض:
عندما يثور النزاع بين الدولة وطالب التعويض بشأن مدى أحقية طالب التعويض، فإن محكمة الموضوع ملزمة بالوقوف على حقيقة المطالبة وأدلتها، لأن الحكم القضائي كاشف عن حق طالب التعويض، فطالب التعويض يستمد حقه في التعويض من السبب الموجب للتعويض وليس من التوجيهات والأوامر الإدارية بالتعويض، إضافة إلى أن التوجيهات والأوامر مخالفة للإجراءات المقررة للتعويض في قانون الاستملاك للمنفعة العامة في حالة الاستملاك الرضائي للمنفعة العامة، حيث تأتي هذه التوجيهات بالمخالفة للقانون الذي حدد إجراءات التعويض واللجان المختصة بتقديره في هذه الحالة، والله أعلم .
* الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء