أي تشطٍ يمني سيهدِّد مستقبل الأمن القومي العربي
” الوحدة” حاجة يمنية.. وإصلاح مسارها بالحوار الوطني الجاد
مراقبون: دعوات الانفصال استندت إلى أوهام وخطاب شعبوي بالغ السوء والسطحية
فكرة الانفصال ليست فكرة مثالية بقدر ما هي فكرة وظيفية لتحقيق أهداف مموِّلها
كتاب عرب: التشظي الحاصل في المناطق المحتلة توجه شديد الخطورة على اليمن والمنطقة
أزمة الوحدة اليمنية تأتي في سياق الأزمة اليمنية الشاملة وحلها ليس بالانتقام من الوحدة
ونحن نحتفل بالذكرى الـ32 لقيام الوحدة اليمنية نستحضر حقيقة مؤكدة وهي أنه على مر التاريخ ظلت الوحدة اليمنية تشكل عاطفة وجدانية متأصلة في وجدان وضمير كل يمني في الشمال والجنوب والشرق والغرب، ولو تأملنا جيدا سنجد أن شرعية القوى السياسية والوطنية لم تكن تستمدها الا من تبنيها لمشروع الوحدة، ونضالها من أجل تحقيقها، لهذا مرت مسيرة النضال الوطني من أجل تحقيق هذا المطلب الشعبي بمنعطفات ومراحل طويلة من الشد والجذب سعيا إلى إعادة اللحمة خاصة في بنيتها السياسية, اما على الصعيد الشعبي فهي حاضرة وبقوة إلى أن توِّجت بتوقيع اتفاقية الوحدة في الـ22 من مايو المجيد.
الثورة / عبدالله محمد
وقد مثلت في 22 مايو 1990 نقطة ضوء وحيدة لليمنيين والعرب جميعاً في طريق استعادة الوحدة العربية الشاملة.
لقد كان إعلان الوحدة اليمنية حينها بمنزلة انتصار كبير على كثير من المعوقات والإحباطات التي مُني بها العقل السياسي العربي على مدى نصف قرن من قيام الدولة العربية الوطنية.
لكن تمر علينا الذكرى الثانية والثلاثون للوحدة اليمنية، واليمن ذاته يمر بكثير من الإشكالات والتشظيات الكبيرة، التي جرها العدوان السعودي الأمريكي على بلدنا وتبدت مفاعيلها في حجم التشظيات المتعددة التي طالت بنية الحياة اليمنية بركائزها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ..
ومعها اليوم ووسط هذا التشظي الكبير.. يحضر سؤال من نوع : هل الوحدة حاجة للشمال أم للجنوب ؟ أو بمعنى أكثر وضوحا : من يحتاجها أكثر؟!..ومن متن السؤال السالف يخرج السؤال الأكثر قلقا ..ماهي مخاطر عودة التشطير على الجنوب في ظل بروز النزعات المناطقية المتعددة من المهرة شرقا إلى لحج غربا ، والتي تذكر بعهد المحميات الشرقية والغربية ؟!
يرى مراقبون محليون “عندما نقرأ جيدا الدعوات للانفصال سنجد أنها قامت على سردية المظلومية الجنوبية، وتأسس عليها خطاب ديماغوجي لم يقف عند مسألة المظلومية وضرورة إصلاحها، ولكن ذهب بعيداً لتخليق أسئلة أكثر تعقيداً فيما يتعلق بالهوية التاريخية والثقافية لجنوب اليمن بطريقة لا تستند إلى شيء من علم أو منطق، بقدر استنادها إلى أوهام وخطاب شعبوي بالغ السوء والسطحية. ”
وذهبوا الى القول : حتى مع الحديث عن سؤال الانفصال الذي يعلق دوما على حبل المظلومية ، سنجد أن هذا السؤال حظي باختبار حقيقي على أرضية الواقع، هو أن الحامل لهذا المشروع سقط عند أول اختبار، من خلال فشله في إدارة مدينة كعدن تزخر بكل مقومات النهوض والاستقرار، لكنه فشل وفرط بفرصة ذهبية لإثبات جدوى قضية الانفصال، وكشف للناس أن فكرة الانفصال ليست فكرة مثالية بقدر ما هي فكرة وظيفية لتحقيق أهداف مموِّلها.
وهذا الفشل الذريع لمشروع الانفصال الذي يهدد الجنوب وله ارتدادات خطيرة على الواقع دفع الناس اليوم مجدداً إلى سؤال الوحدة، وإن بصيغة أخرى وهي إن كان هذا هو مشروع الانفصال الذي خرج الناس من أجله، فمن حق الناس أن تقول رأيها فيه، وبمقارنة بسيطة بين فشل مشروعي الوحدة والانفصال، فإن الناس ستجد فشل الوحدويين أهون وأقل بكثير من فشل وعبثية حاملي مشروع الانفصال الموعود، وخاصة في ظل تعاظم تناقضات البنية السياسية للقوى الاجتماعية في داخل الجنوب اليمني ذاته.
الإمارات.. والحاجة الجنوبية للوحدة
ويتساءل كتاب عرب محسوبون على محور المقاومة أنه بعد كل هذه المدة من العدوان الذي قادته السعودية والإمارات بإشراف أمريكي فاعل ميدانيا.. هل ادركت الفصائل الجنوبية أن الخطر الداهم الذي يتهدد الجنوب اليمني يأتي من الإمارات بشكل أكبر، من أي قوى إقليمية أخرى ؟ ولها أن تعيد النظر في القراءة الإمارتية لما يجري حاليا في اليمن، وتحديدا في الجنوب اليمني، فقد أدركت أبو ظبي مؤخراً أن الولايات المتحدة غير جادة بالمطلق في مواجهة عسكرية مباشرة مع إيران، ولا تريد حرباً مباشرة معها، ما حملها على استبدال دورها في اللعب إقليمياً بما يحقق لها الفوز بأقل الخسائر الممكنة، وهي مهتمّة حالياً باجتراح سيناريوهات جديدة للحرب المستمرة في اليمن من خلال إفساح المجال أمام حوار سياسي. وإذا كانت السعودية مهتمة بالمحافظة على مكانتها الإقليمية والدولية التي كسبتها بعد تراجع الدور المصري منذ الثمانينيات، فإن الإمارات تحاول خلق مكانة إقليمية ودولية لها أكبر بكثير من تلك التي كانت تحتلها أيام الأمير زايد. هذا الطموح المستجد للإمارات ما كان له أن ينشأ لولا التراجع السعودي، حيث تسعى الإمارات لوراثة المكانة الضائعة.. وكل ذلك من خلال السيطرة على جنوب اليمن وثرواته.
وذهب الكاتب العربي سمير الحسن إلى القول: لقد أضحى العدوان على اليمن حرباً عبثية لا يمكن لها أن تنتهي بانتصار ماحق للتحالف السعودي – الإماراتي. و«أنصار الله» تملكوا زمام المبادرة منذ سنوات أعقبت الحرب وصاروا اليوم في موقع القوة التي تحمي جبهتهم الداخلية، وتجعل لهم القدم العالية أيضا في قوة الردع وتحقيق الانتصارات على الميدان العسكري أو على طاولة المفاوضات في الوقت الذي لم يعد الاقتصاد الإماراتي، ولا حتى السعودي، قادرا على الصمود أمام ما ألحقته صواريخ، وطائرات «أنصار الله» المسيرة لمحطات النفط السعودية، والتي أثارت أزمة عالمية غير منظورة النتائج.
ويحذر من تداعيات تماهي الفصائل في الجنوب مع التوجه الإماراتي بالقول : عوضاً عن السعي وراء تحقيق الانتصار، يمكن للإمارات التوجه نحو مقاربات مختلفة، فتشجيع انفصال الجنوب، والاعتماد على ما أنشأته من ميليشيات، كفيل بالحفاظ على النفوذ الإماراتي في البلاد، والانفصال هو أفضل سيناريو تطمح إليه الإمارات، ولا شيء يعزز الانفصال أكثر من سيناريو إطالة أمد الحرب، وتشتيت القوى المتناحرة وتشظيتها. لكن تبقى إشكالية تواجه الإمارات أمام انسحابها وهو التعامل مع «القاعدة» و«داعش» في المناطق اليمنية الجنوبية، وعلى الأرجح هي قادرة على احتوائه من دون أن تضطر للتواجد العسكري المباشر، ويمكن أن تكتفي بتوجيه الميليشيات المحلية، مع تقديم المؤازرة، والمساندة الجوية، وتوفير المعلومات اللازمة عبر التجسس الذي تتقنه جيداً ..وهنا ما ينبغي أن تتنبه له الفصائل الجنوبية الغارقة في العسل الإماراتي والسعودي المسموم.
الجنوب وأهمية الوحدة
من هنا تبرز حاجة الجنوب للوحدة أكثر، لأن العدو الخارجي المتربص بالوحدة يبحث عن المناطق الرخوة في الجسم اليمني للولوج منها إلى تجزئة اليمن وإضعافه وتحويله إلى ملعب حروب دائمة ومساحات آمنة لقوى الإرهاب وبما يبقيه خاضعا بلا سيادة أو قرار مستقل كما المناطق المحتلة اليوم من قبل دول العدوان ومرتزقتها المحليين التي تعج بالانفلات الأمني وفوضى الإرهاب وغياب الدولة وانتهاك كرامة وحقوق الناس.
الشمال والحرص على الوحدة
وبالنسبة للشمال قد تكون نظرته اكثر حرصا على مشروع الوحدة من بوابة أن انصار الله اليوم يدركون حجم التعقيدات التي تحيط بقضية الوحدة اليمنية، والمضاعفات السياسية والنفسية والاجتماعية الناتجة عن الاشكالات التي طالت جسد الوحدة ، والتي سيتجاوزها اليمنيون حتما بتحويل مشروع الوحدة من حالة شعبية عاطفية ووطنية إلى مشروع سياسي، يتجسد في نظام سياسي ديمقراطي يعبر عن الكيان الحضاري والجغرافي في كل شبر من أرض اليمن بعيدا عن مفاهيم الضم والإلحاق والغلبة أو تحميل الوحدة مسؤولية الانتكاسات المتلاحقة للمشروع الوطني الجامع الذي تنطلق رافعته من مشروع الوحدة.
وطبعا كما كانت فكرة فك الارتباط بالوحدة أو حمايتها بقوة السلاح والاقتتال خطأ فإن تحميل الوحدة مسؤولية أزمة اليمن وأزمة الجنوب خطأٌ لا يقل عن الخطأ الأول، فأزمة الوحدة اليمنية تأتي في سياق الأزمة اليمنية الشاملة، ولذلك حلها ليس بالانتقام من الوحدة، ولا تحميلها كل الأوزار والأزمات، وحلها يجب أن يكون في إطار الأزمة اليمنية الشاملة، وإصلاح مسار الوحدة من خلال حوار وطني جاد ومسؤول، وبمشاركة جنوبية حقيقية تُمثل فيها كل القوى الجنوبية الحية والواعية .
وسواء كانت السعودية والإمارات متفقتين لجهة الرؤية تجاه الوضع في اليمن أو متباينتين، فعلى ما يبدو أن جزءاً من المثقفين في دول الخليج يرى أن الانفصال في اليمن يصبّ في صالح دول الخليج على المدى البعيد. هذا التوجه شديد الخطورة على مستقبل الأمن القومي العربي. ورغم فداحة ما تمر به أقطار عربية مختلفة، إلا أن خطوات المجلس الانتقالي اليمني نحو انفصال جنوب اليمن عن بقية الدولة هي الأكثر خطورة بلا منازع، كونها تؤسس لشهية الانفصال على أسس مغايرة ثقافياً ومذهبياً وعرقياً التي تزخر بها مجتمعاتنا العربية.
رغم ذلك كله على الجميع أن يدرك حقيقة واحدة أكبر من كل التمنيات والاحلام التي تساور البعض وهي أن “الوِحْدَةُ اليَمَنِيَّةِ لنْ يكونَ بمقدورِ أحدٍ الوقوفَ ضِدَّها مادامت تحتلُّ شغَفَ القلوبِ ومادامَ الشعبُ يبتهِجُ بها كُلَّ عام وسيبقى من الحكمةِ بمكانِ تصحيحِ المواقفِ على قاعدةِ العقلِ والعدلِ والإنصافِ وتحكيمِ إرادةِ الشعبِ اليمنيِّ العظيمِ ومراعاةِ آمالِهِ وتَطَلُّعَاتِهِ وليسَ آمال وتطلعاتِ الساسةِ والأحزاب.. ذلك منطقُ التاريخِ .. وَحَتْمِيَّةُ السُّنَن.”