الوحدة اليمنية لم تذنب في حق أبناء المحافظات الجنوبية ، ولم تأت من أجل استهدافهم ونهب ممتلكاتهم والهيمنة عليهم ، الوحدة اليمنية كانت وما تزال وستظل ذلكم المشروع الوطني الجامع لآمال وتطلعات أبناء الشعب اليمني الذين عانوا من ويلات الانفصال والتشطير ، تشهد على ذلك تلكم المشاهد العفوية التي تخللتها المسيرات الجماهيرية الحاشدة في مختلف المحافظات اليمنية من صعدة إلى المهرة غداة الإعلان عن تحقيقها، مشاهد تعبر عن حجم الفرح والابتهاج بتحقيق هذا الحلم الذي أزال براميل التشطير وأنهى سنوات القطيعة بين أبناء الوطن الواحد .
هناك قرارات رعناء وممارسات غير سوية رافقت مسيرة الوحدة خلال السنوات الخمس الأولى منها ، ممارسات لم تكن الوحدة طرفا فيها، ممارسات ارتكبت من قبل النظام السابق أو من قبل عناصر تابعة له، وهي مواقف وتصرفات أحادية الجانب، وفردية التوجه، لا تمثل سوى أصحابها الذين قاموا بها ، ولا علاقة بالوحدة بها لا من قريب ولا من بعيد.
هناك مظالم كثيرة شهدتها المحافظات الجنوبية ، وهناك محاولات جادة من قبل سلطة صنعاء حينها للانقلاب على سلطة عدن الشريك الرئيسي في الوحدة ، طمعا في المكاسب والمغريات.
ورغبة في الإقصاء والاستحواذ ، شهدنا العديد من جرائم الاغتيالات الممنهجة للقيادات والكفاءات المحسوبة على الجنوب ، سيارات الموت ورصاصات الغدر والخيانة كانت حاضرة ، وكانت تشكل هاجسا مقلقا للشريك الجنوبي في الوحدة الاندماجية بين شمال اليمن وجنوبه ، كل هذه المعطيات خلفت الكثير من الاحتقانات التي أدت إلى تباينات وخلافات عاصفة بين شريكي الوحدة ، ولم تفلح الوساطة الأردنية في تقريب وجهات النظر ، نتيجة التدخل السعودي الذي كان سببا في تفجير الأوضاع عسكريا عقب إعلان الطرف الجنوبي الانفصال من جانب واحد واشتعال حرب صيف 94 والتي استغلها البعض للنهش في جسد الوحدة ، وإلحاق بالغ الضرر بالنسيج الاجتماعي اليمني ، نتيجة تعاملهم بعقلية المنتصر وتحويلهم الجنوب إلى ما يشبه الفيد ، وهو ما جعل الوحدة تخرج من نطاق المشروع الوطني الجامع لليمنيين ، إلى مشروع فئوي خاص بعصابة من النافذين حولوها إلى سيف مسلط على رقاب أبناء الجنوب ، وبات الخير الذي لطالما انتظروه منها ، حكرا على أفراد هذه العصابة وذويهم .
ولا ذنب للوحدة في ذلك ، فالذنب كل الذنب على تلكم العصابة التي أساءت لأبناء الجنوب ، وتنكرت لقيم الوحدة ومبادئها الوطنية الجميلة التي التف حولها كل أبناء الشعب ، وفي مقدمتهم أبناء المحافظات الجنوبية.
موجة الغضب الجنوبي بدأت بالحراك الجنوبي السلمي المشروع الذي تبنى المطالب الحقوقية الخاصة بالمتقاعدين العسكريين الجنوبيين الذين تم تسريحهم من الخدمة ، وحرموا من العلاوات والترقيات، وتعرضوا للإقصاء الممنهج ، وكان هناك تفهما إيجابيا لها وبدأت المعالجات تدريجيا ، ولكن سرعان ما تحول الحراك المطلبي الحقوقي إلى حراك سياسي يطالب بالانفصال بعد دخول قوى خارجية وفي مقدمتها السعودية ، حينها برز مسمى القضية الجنوبية بأبعادها المختلفة من خلال مجريات مؤتمر الحوار الوطني، حيث قدمت الرؤى والأفكار التي تسهم في معالجتها تحت سقف الوحدة ، ولكن السعودية تدخلت مجددا وعملت على إفشال مؤتمر الحوار من خلال الانقلاب على مخرجاته ومحاولة فرض مشروع الأقلمة الذي يمثل أقذع صور الانفصال والتشظي.
المهم.. عملت السعودية على شيطنة الوحدة في عيون أبناء الجنوب ، وجندت لذلك قيادات وعناصر محسوبة على الجنوب ، إلى أن بلغت الذروة عقب شن العدوان على بلادنا ، وتحولت الوحدة إلى خصم ، وعملت السعودية والإمارات على ترميز أفراد عصابة الفيد والنهب والاستغلال التي استباحت الجنوب وحولته إلى فيد وغنيمة وحولتهم إلى رموز للنضال والوطنية ، لتبدأ مرحلة جديدة من العمالة والخيانة والارتزاق والاستهداف للوحدة اليمنية من خلال رعاية مشروع الانفصال ودعمه في العلن ، والعمل على النخر في جسد الوحدة المتهالك المثخن بالجراح ، يتحدثون عن الوحدة عندما يتعلق الأمر بالشرعية المزعومة ، ويشرعنون للانفصال على الأرض من خلال ممارساتهم في الواقع ، يدركون جيدا أن بقاء الوحدة اليمنية لن يكون في صالحهم ، لذا يعكفون على تشويه صورتها والتحريض ضدها وتحميلها مسؤولية عبث الساسة وممارساتهم الرعناء وقراراتهم الخاطئة حقدا عليها ورغبة في القضاء عليها .
بالمختصر المفيد .. إن عدالة القضية الجنوبية ومشروعيتها تفرض على أبناء الجنوب العمل على استيعاب الرؤى والأفكار التي تقدمت بها القوى الوطنية خلال مؤتمر الحوار بشأنها وترجمتها على أرض الواقع وحل كافة الإشكالات تحت سقف الوحدة، وعدم الذهاب خلف الإملاءات والوعود الإماراتية الوردية ، والتي تستهدفهم قبل غيرهم وتستهدف قضيتهم العادلة ومظلوميتهم المشروعة.