اليمن تُجلّل المجتمع الدولي بعار التواطؤ والصمت على تدمير قطاع الاتصالات
في الذكرى الـ 57 لليوم العالمي للاتصالات
إبراهيم شرف الدين*
أصبح الاحتفاء بـ”اليوم العالمي للاتصالات”، مناسبة عالمية يتم فيها إحياء ذكرى تأسيس الاتحاد الدولي للاتصالات، والذي بلغ عامه الـ53 ، ويصادف الـ17 من مايو في كل عام، وكانت اليمن ممثلةً بوزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، في مُقَدَّمِة الدول المؤسسة للاتحاد، حيث أعلنت الانضمام إليه رسمياً عام 1931م، ليكون ترتيبها 34 في قائمة الدول الأعضاء في الاتحاد ، وتحتفل اليمن كل عام بهذه المناسبة مع بقية دول العالم، التي يستعرض كلٌ منها خلال إحياء الذكرى ما وصلت إليه من تطور وإنجازات في جوانب تكنولوجيا الاتصالات وتقنية المعلومات، وكانت اليمن من ضمنها، وربما من أبرزها، إذ أن ما أنجزته في هذا المسار التقني كان لافتاً وجديراً بالإعجاب، فقد واكبت الطفرة التكنولوجية العالمية بشكل لا بأس به، على الأقل عربياً، وربما كانت ستنتقل إلى مستويات متقدمة، لكن السير في اتجاه استمرارية المواكبة للإيقاع المتسارع عالمياً في مجال تكنولوجيا الاتصالات وتقنية المعلومات أصبح مسلكاً صعباً بالنسبة لليمن، ففي الـ26 من مارس عام 2015م جاء بما لا تشتهي التطلعات والآمال ومتطلبات النهوض بذلك القطاع الأكثر أهمية وحيوية وضرورة لمستقبل الشعوب والبلدان.
فمنذ اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية قرار الحرب على اليمن، وخلال الساعات الأولى من ذلك اليوم أطلقت الأدوات الأمريكية في المنطقة العربية، ممثلة بالسعودية والإمارات، أكبر عملية عسكرية على المدن اليمنية، بدءاً بالعاصمة صنعاء، بمشاركة عدد من الدول في إطار تحالف إقليمي عالمي، حيث جابت في سماء العاصمة صنعاء أسراب من أحدث الطائرات الحربية التي أمطرت الأحياء السكنية والمنشآت الحيوية والبنى التحتية بآلاف الصواريخ والقنابل الأشد فتكاً، وكانت منشآت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات في رأس قائمة الأهداف غير المعلنة لطائرات العدوان الأمريكي السعودي، على اعتبار أن الأهداف المعلنة كانت فقط المواقع العسكرية ومخازن الأسلحة، لكن الحقيقة الموثقة بالصورة والصوت أثبتت أن ذلك كان مجرد واجهة، خبأت خلفها الطائرات أهدافها الحقيقية والتي كان أبرزها منشآت الاتصالات.
ومنذ الساعات الأولى للحرب العدوانية على اليمن، كانت منشآت وتجهيزات وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات هدفاً يومياً لغارات العدوان، وكانت وسائل إعلامه تضلل العالم بأن ما يتم استهدافه وتدميره هي مواقع عسكرية، ورغم أن ما يتم توثيقه أولاً بأول يكشف الحقيقة ويفضح التزييف والمغالطة إلا أن المجتمع الدولي، لا يرى إلا ما يتوافق مع مصالحه، ومع استمرار استهداف منشآت الاتصالات وبنيتها التحتية في كل محافظات الجمهورية بغارات طيران العدوان، حرصت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات على الاحتفاء باليوم العالمي للاتصالات، كغيرها من دول العالم، مانحةً الاحتفاء بهذه المناسبة ميزة خاصة عن احتفاء بقية الدول، حيث جعلت منه فرصة لاطلاع العالم على ما تتعرض له بنية قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات من تدمير ممنهج، ووضعته في صورة خُبث نوايا دول العدوان وإصرارها على عزل اليمن عن العالم، وإعادتها إلى حقبة ما قبل ثورة تكنولوجيا الاتصالات وتقنية المعلومات.
وفي كل مناسبة لإحياء ذكرى تأسيس الاتحاد الدولي للاتصالات، والاحتفاء باليوم العالمي للاتصالات، وغيرها من المناسبات، تضع اليمن- ممثلةً بوزارة الاتصالات وتقنية المعلومات- العالم كله أمام ما تتعرض له شبكات الاتصالات من تدمير كارثي وأضرار فادحة، على امتداد الخارطة اليمنية التي وصلت خدمات هذا القطاع إلى كل أرجائها، فطائرات العدوان لاحقت بالدمار والخراب كل ما يتعلق بالاتصالات في أماكن تواجدها وانتشارها بطول وعرض الجغرافيا اليمنية، ولا تزال الوزارة تتخذ من هذه المناسبة منصة لتذكير العالم بالقوانين والمواثيق الدولية الناظمة للتعامل مع مراكز ومعدات ومتعلقات شبكة الاتصالات أثناء الحروب، باعتبارها منشآت مدنية يُحَرَّمُ ويُجَرَّمُ المساس بها أو استهدافها في كل المواثيق الدولية والأعراف الإنسانية مهما كانت المبررات، لارتباطها الوثيق باحتياجات المواطنين الأساسية والضرورية التي لا يمكن الاستغناء عنها، ولا تقل الحاجة إليها عن الحاجة إلى الغذاء والدواء.
سبعة أعوام مضت من عمر الحرب العدوانية على اليمن، ووزارة الاتصالات تناشد المجتمع الدولي والمنظمات المعنية بهذا الشأن، بوقف تدمير هذا القطاع الأكثر أهمية، والذي تتدهور خدماته بشكل ملحوظ نتيجة الاستهداف المباشر الذي تتعرض له البنية التحتية لشبكة الاتصالات وتقنية المعلومات، والدمار الذي يلحق بالمنظومة الفنية والتقنية، ويؤدي إلى إيقاف توسعة وتطوير هذا القطاع ، وما يتسبب به حظر دول العدوان لمنح دخول معدات وتجهيزات وأنظمة الاتصالات، من إعاقة وعرقلة إعادة خدمة الاتصالات للمناطق المتضررة وحرمان ملايين المواطنين.
وتحرص وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، على الاحتفاء كل عام باليوم العالمي للاتصالات، إيماناً منها بأهمية مواكبة التحول الرقمي، وسعياً لتكون حاضرة في هذا المسار، ومن أجله تكرر الدعوات والمناشدات للاتحاد الدولي للاتصالات والمنظمات الدولية ، في ذكرى تأسيسه كل عام، للوقوف بجدية أمام استمرار توسع الأضرار والتداعيات المأساوية التي تخلفها الحرب الممنهجة لشبكة الاتصالات والبنية التحتية لها ، لكن المناشدات لم تحظَ حتى اللحظة بأي استجابة أو التفاتة.
والعالم يصمُّ آذانه عن المناشدات، ويغض بصره عن رؤية ما خلفه العدوان من دمار وخراب يستهدف قطاع الاتصالات في اليمن، لتكون النتيجة صمتاً وتواطؤاً دولياً لا يمكن تفسيره سوى بأنه يمثّل ضوءاً أخضر لاستمرار الاعتداء على هذا القطاع والإمعان في تدميره، وما يؤسف له أن من يدير ظهره لكل هذا الظلم والإجرام ويتجاهل كل النداءات هم من يقدمون أنفسهم على أنهم رعاة قائمون على حماية القوانين والمواثيق المتعلقة بهذا الشأن، ليظهروا في الواقع كما لو أنهم مشرفون مباشرون على انتهاكها وتجاوزها بأشد الإجراءات تعسفاً وأكثر الاعتداءات وحشية، في متوالية الصمت والتواطؤ التي تتكشَّف تباعاً منذ بدأت الحرب قبل ثمانية أعوام، ولا تزال تتكشف وتزداد وضوحاً.
هذا العام، تحتفي وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، بمناسبة اليوم العالمي للاتصالات، بإطلاق تقريرها الذي يبدو هذه السنة متخماً بالأضرار والخسائر أكثر مما سبق، فمؤشرات الخسائر والأضرار ترتفع تِبعاً للوتيرة العالية التي يواصل بها العدوان جرائمه في استهداف وتدمير الاتصالات في اليمن، وبالتوازي مع ذلك يبدو حجم الكارثة والمأساة الإنسانية أكثر وضوحاً من ذي قبل، حيث يتجلى في التبعات المؤلمة للأضرار التي وصلت إلى المستويات كافة، وفي تقرير الوزارة موجبات العار الذي سيظل يلاحق الجهات الدولية ذات العلاقة، ولن يستطيع الزمان محوه، وهو كالتالي:
ألفان و760 غارة تعرضت لها منشآت الاتصالات، نتج على إثرها تدمير كلي لـ 709 منشأة وموقع، و400 منشأة وموقع دُمرت جزئياً و862 أُغلقت وتوقفت عن الخدمة، نتج عنها عزل مائة و14 منطقة عن العالم، وعدم تمكن عدد 64 منشأة من الاستفادة من الخدمات المالية والبريدية ، وألف و642 منشأة عن الاستفادة من خدمات الاتصالات والإنترنت.
وبحسب إحصاءات الوزارة، فقد تسبب العدوان في حرمان ستة ملايين و812 ألفاً و542 مواطناً من الخدمات البريدية، وكذا حرمان أكثر من مليون و271 ألف مستخدم من خدمة الاتصالات والإنترنت، وعدم قدرة استخدام الخدمة لأكثر من مليون و854 ألف مواطن.
أما الخسائر البشرية فقد أدت الغارات والقصف السافر على منشآت الاتصالات لاستشهاد 79 فرداً من العاملين والكوادر التابعة للوزارة والجهات التابعة لها وشركات الاتصالات، في حين بلغت الخسائر المادية ” 6.7 مليار دولار بما يعادل أكثر من أربعة تريليون ريال يمني”.
وفي وقت يتبنى الاتحاد الدولي للاتصالات خلال هذا العام 2022م حملة تحت شعار “التكنولوجيات الرقمية لكبار السن والتمتع بصحة جيدة في مرحلة الشيخوخة”، ضمن رؤيته لحث الحكومات على إدراج كبار السن في سياساتها وخططها الوطنية؛ تتزايد إجراءات دول العدوان وقيودها التعسفية، مضاعفةً حرمان المواطنين اليمنيين من حقهم في الحصول على خدمات الاتصالات والإنترنت الأساسية بما فيهم كبار السن، حيث تتسع فجوة المعاناة التي يعيشها ملايين اليمنيين بتدني مستويات التواصل والاتصال، وتأثر الجوانب التعليمية والإنسانية، وما تبقى من الحركة التجارية التي بالكاد يرتكز عليها اليمنيون في تسيير شؤون حياتهم.
وبموازاة السياسة الإجرامية لحلف العدوان، تبدي مؤسسات وشركات الاتصالات في اليمن رُقيّاً أخلاقياً وإنسانياً من خلال حرصها على العمل بمهنية وحياد، بعيداً عن استخدامها في الحرب والصراع، رغم إصرار تحالف العدوان على استخدام هذا القطاع كورقة يساوم بها محاولاً إخضاع الشعب اليمني للوصاية الأجنبية، واستكمال تدمير مقدرات البلاد بما فيها خدمات الاتصالات.
تجسد سياسة وزارة الاتصالات في حرصها على تحييد قطاع الاتصالات والنأي به عن الحرب والصراع القائم، كمسارٍ واضح يلمسه كل اليمنيين، التزامها العملي والأخلاقي بالمواثيق والقوانين الدولية، ليبقى الدور المفترض على المجتمع الدولي والمنظمات ذات العلاقة، لاستشعار مسؤولياتها والقيام بواجباتها في الضغط على دول العدوان لمنع استهداف خدمات الاتصالات، حيث أن لتدميرها انعكاسات كارثية في مختلف مجالات الحياة وميادين العمل، كونه يعد تجاوزاً خطيراً وانتهاكاً فاضحاً لكل القوانين الدولية والأعراف والمواثيق الإنسانية التي تمنع المساس بأيٍّ من المنشآت المدنية الحيوية أثناء الحروب، خصوصاً الأكثر تطلباً وضرورةً في الاحتياجات الحياتية اليومية للمواطنين.
* وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات